تُعد الإمبراطورية العثمانية (1299- 1922) قوة عسكرية عالمية عظمى بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، إذ امتدت عبر ثلاث قارات وسيطرت على البحرين الأسود والمتوسط. توسعت الإمبراطورية العثمانية بسرعة، منذ تأسيسها عام 1299، على حساب القوى الأوروبية والدول الإسلامية المُنافسة المجاورة للأتراك.
سرعان ما اجتاحت إمارة أو إقليم «بيلك»، التي بدأت صغيرة في الأناضول الحديثة، مساحات كبيرة من جنوب وشرق أوروبا وشبه جزيرة القرم وأجزاء من الشرق الأوسط ومناطق رئيسية من شمال إفريقيا ومنطقة القوقاز، إضافةً إلى جزر مهمة في البحر المتوسط. مع أن الإمبراطورية العثمانية فقدت الكثير من أراضيها بعد هزيمة مُكِلفة على حدود فيينا عام 1683، فإن الماضي العسكري للأتراك العثمانيين مهم حتى في العالم الحديث. ينعكس إرثهم بوضوح في العديد من المعالِم المنتشرة في جميع أنحاء ما كانوا يدعونه بفخر سابقًا الدولة العثمانية.
خلفية تاريخية:
قبل تأسيس الإمبراطورية العثمانية، شهد القرن الحادي عشر صعود قبيلة تركية مسلمة تنحدر من قلب منطقة السهوب الآسيوية التي كانت تعج بالاقتتال الداخلي والصراع المستمر من أجل الهيمنة. اكتسحت قبيلة السلاجقة بلاد فارس ثم بدأت تتقدم غربًا حيث اتصلوا بالإمبراطورية البيزنطية ( 330- 1453) التي فقدت مجدها التليد. لكنها مع ذلك كانت تمتلك تأثيرًا إقليميًا هائلًا.
تُعد السلطنة السلجوقية (1037 – 1194) أول قوة استعمارية تركية مسلمة سبقت مثيلتها الإمبراطورية العثمانية. استحوذت عام 1055 على بغداد، عاصمة الخلافة الإسلامية وهيمنت بذلك على الخلافة العباسية (750 – 1258)، المحتضرة التي كان خلفاؤها يمنون أنفسهم بقصص ماضيهم الذهبي الذي طُمر بعد رحيل زعيمهم العظيم هارون الرشيد (786 – 809).
رسّخ الأتراك هيمنة الإسلام على مناطق غير مُستكشفة، فكانت المملكة البيزنطية المتدهورة ضحيتهم الأولى. عام 1071 واجه السلطان الشاب والطموح ألب أرسلان «حكم 1063 – 1072» قوة بيزنطية تتفوّق عليه عددًا، لكنه حقق نصرًا مدهشًا عليها في معركة مانزيكرت «مازغيرت حاليًا».
ضاءلت هذه الهزيمة المدمرة السيطرة البيزنطية على الأناضول، وبدأ الأتراك يتدفقون إلى هذه المراعي الجديدة. تحفّزت هذه الهجرة كثيرًا عند اندلاع تهديد هائل في آسيا الوسطى في القرن الثالث عشر: «المغول».
سرعان ما وصل أحفاد القائد المغولي جنكيز خان «حكم 1206 – 1227» إلى الأناضول، التي احتوت بعد ذلك جزءًا صغيرًا فقط من مملكة السلاجقة القوية -سلطنة روم- التي تبعثرت بسهولة بسبب حرب المغول وأصبحت تابعة لهم عام 1243.
لاحقًا تُركت العديد من إمارات الأناضول الصغيرة المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة بمفردها إلى حد ما، لتتقاتل فيما بينها. وضع أحد الزعماء القبليين، عثمان الغازي «حكم 1299 – 1324»، على عاتقه أن يحقق طموحًا كبيرًا في بناء دولة من شأنها أن تُقزّم أعظم القوى في عصرها، كانت هذه بداية الإمبراطورية العثمانية.
توحيد الأناضول:
حكم عثمان الأول بيثينيا، هي الإمارة التركية «بيلك»، وتحدّ الأراضي البيزنطية من الغرب.
بدأ عثمان التوغل داخل المملكة البيزنطية باستخدام أسلوب حرب العصابات. مع أن مكاسبه كانت طفيفة ولم يعش كي يرى تحقّق أكبر انتصار له، سقوط بروسا «بورصة»، فإن عثمان قد دفع قوة الإمبراطورية العثمانية التي ستستمر بعده.
في القرن الرابع عشر، غزا ابن عثمان، أورهان الغازي «حكم 1323 – 1362»، المزيد من آسيا الصغرى. تسيّد إمبراطورية والده وإجتاح نيقية «إزنيق» عام 1331 ونيقوميديا «إزميت» عام 1357.
وحّدت الدبلوماسية والقتال العثماني المُستبسل الأقاليم الأناضولية المحلية. لم يرضِ هذا التوحد والتمركز بعض القبائل البارزة التي كانت ترغب في الاحتفاظ باستقلالها الإقليمي، والتي لم تكن تفتقر إلى الإرادة والموارد كي تحقق ذلك.
طلب القرمانيون، قبيلة تركية منافسة، مساعدة الزعيم التركي-المغولي البارز والقاسي تيمور «تيمورلنك»، «حكم 1370 – 1405» كي يوقف الطموحات الغربية للسلطان بايزيد الأول «حكم 1389 – 1402».
كان بايزيد قد انتصر في معركة نيكوبوليس ضد قوة التحالف الأوروبي عام 1396، وأطلق على نفسه لقب «الصاعقة». لم يخضع لتيمور، ما وجّه غضب الأخير نحو الأناضول.
شهد عام 1402 أكبر هزيمة للعثمانيين في عقر دارهم في معركة أنقرة، إذ أسرت قوات تيمور السلطان بايزيد وقُذِفَت الإمبراطورية العثمانية إلى زوبعة هائلة من الاضطرابات والفوضى والانقسام. تلا ذلك عهد خلا فيه العرش العثماني «1402 – 1413»، قامت حرب أهلية استمرت عقدًا من الزمن وأُهدرت موارد ثمينة على الاقتتال الداخلي. لكن عندما انتصر محمد الأول «حكم 1413 – 1421» في الصراع، سار العثمانيون في المسار الصحيح كي يعودوا أقوى من أي وقت مضى.
استُرجِعَت الحدود العثمانية في السنوات التالية، مع صعود محمد الثاني «حكم 1444 – 1446 ثم 1451 – 1481»، أصبحت طرابزون والقرمان إمارتين تابِعتين في الأعوام 1461 و1468 تواليًا.
ضغطت الإمارة التركية الشرقية المُنافسة «آكوينلو»، على الأناضول فترة وجيزة، لكن أنهى محمد الأول تقدمهم في معركة أوتلوكبيلي (1473). بقيت آخر آثار الحكم المحلي المستقل في الأناضول في إمارتي «بنو رمضان وبنو ذو القدر» فقط عازِلًا بين العثمانيين وجيرانهم في الجنوب: سلطنة المماليك.
انتزع السلطان سليم الأول «حكم 1512 – 1520» السيطرة على شرق الأناضول من الفرس خلال سعيه إلى السيطرة المطلقة وتأمين الإمبراطورية العثمانية من انتشار منافسيه من شيعة إيران الصفويين في الشرق والمماليك في الجنوب، وضَمَّ المنطقة العازلة عام 1516، قبل المضي قدمًا في غزو كاسح لأراضي المماليك.
سيطر العثمانيون على الأناضول كليًا بحلول أوائل القرن السادس عشر.
الفتوحات في أوروبا «الأراضي الرومية»:
«الأراضي الرومية»، هي التسمية التي أطلقها العثمانيون على مقاطعاتهم في الجانب الآخر للدردنيل.
استولي عليها في زمن أورهان الغازي الذي رفعت قواته المعايير العثمانية في فتح جاليبولي (1354)، ما أدى إلى اتفاق مع الإمبراطور البيزنطي جون كانتاكوزينوس السادس «حكم 1347 – 1354» الذي كان يواجه حربًا أهلية في مملكته. سرعان ما انهار هذا التعاون الذي ولِدَ بدافع الضرورة وأصبح العثمانيون والبيزنطيون على خلاف مرة أخرى. مع ذلك، تبين أن هذا الاتفاق كان لصالح الأتراك الذين حققوا تقدمًا سريعًا في الروملي عند سيطرتهم على أدريانوپل «أدرنة» نحو العام 1362 بعدها تراقيا وجنوب بلغاريا (1363-1365) وصوفيا (1385) ونيش (1386) وسالونيكا (1387).
لم تمر هذه التطورات السريعة دون أن تُلحظ. سرعان ما اندفع الجبروت الجماعي للنبلاء والملوك الأوروبيين على الإمبراطورية العثمانية في سلسلة من الحملات العسكرية التي وصفها البعض بالحملات الصليبية. مع ذلك، أُحبطت أغلب هذه الجهود وتمكّن العثمانيون من الانتصار في كوسوفو عام 1389. بعد ذلك ضُمَّت أجزاء كبيرة من بلغاريا وشمال اليونان ووالاشيا إلى الإمبراطورية العثمانية بحلول العام 1395.
أُجهضت محاولة كبيرة أخرى للهجوم الجماعي ضد الإمبراطورية العثمانية عندما صد السلطان بايزيد الأول القوات الأوروبية بقوة في نيكوبوليس (1396).
بعد الهزيمة في أنقرة عام 1402، اشتعل فتيل حرب أهلية عنيفة. عاد العثمانيون إلى الجبهة الأوروبية إذ اجتاحوا صربيا عام 1439، وحشد الأوروبيون مرة أخرى قوة جماعية كي تواجه السلطان مراد الثاني (1421-1444) الذي رد بكل قوته وانتصر في معركة فارنا (1444). من المثير للاهتمام، أن المعركة كُسِبت بسبب فيلق صغير من قوات السلطان، هو فيلق مدرب جيدًا ومحترف يُعرف باسم الإنكشاريين الذين صمدوا وقاتلوا العدو في مرحلة محورية.
عندما تولى السلطان محمد الفاتح السلطة بعد وفاة والده عام 1451، كانت الفجوة الوحيدة بين الإمبراطورية العثمانية إلى الشرق والغرب هي الإمبراطورية البيزنطية المبتورة والمحصورة في أسوار ثيودوسيان الأسطورية المُحيطة بالقسطنطينية التي كانت يومًا ما عاصمة تمارس سلطتها على الأراضي الممتدة على نطاق واسع.
حاصر محمد الفاتح المدينة لأشهر حتى أسقط الهجوم الأخير القسطنطينية عام 1453. دخل المدينة منتصرًا وأعلنها عاصمة جديدة للإمبراطورية العثمانية، التي ظلت كذلك حتى تلاشت آخر بقايا السلطنة العثمانية بعد قرون.
كان هذا الانتصار وقودًا كي تشتعل المزيد من طموحات محمد الاستعمارية في أوروبا، تجلت في الغزو المطلق لصربيا (1459) تلاه سقوط موريا في اليونان (1460) والبوسنة (1463) وأوترانتو (1480) في إيطاليا. حلم السلطان باجتياح البلاد وفتح روما، لكن أُنقذت إيطاليا من هذا المصير عند وفاة السلطان، الأمر الذي احتفلت به كل أوروبا.
بلغ الطموح العثماني ذروته مع سليمان الأول «حكم 1520 – 1566»، المعروف أيضًا باسم سليمان القانوني، الذي ضرب بلغراد (1521) من الحدود الأوروبية للإمبراطورية العثمانية ما جعل هنغاريا عُرضةً للغزو.
سرعان ما استفاد السلطان من هذه الفرصة بقوة وحقق نصرًا حاسمًا ضد الملك الهنغاري الشاب لويس الثاني «حكم 1516 – 1526» في معركة موهاج عام 1526، ضَمَّ بعدها معظم أراضي مملكة الملك المقتول، هنغاريا.
بعد ثلاث سنوات، أطلق سليمان حملة ناجحة أخرى عبر هنغاريا، لكنه اضطر إلى العودة عن أسوار فيينا دون انتصار حاسم (1529).
بعد فترة طويلة من سنوات شبابه، لقي سليمان القانوني حتفه خارج أسوار سيكتوار عام 1566، هي حصن هنغاري غير مهم من الناحية الاستراتيجية لكنه محمي بقوة. ماتت الروح المحاربة للسلاطين العثمانيين معه، وطمح القليل منهم فقط في الوصول إلى مستوى أسلافهم من ناحية المهارة العسكرية.
لم يكن سقوط الإمبراطورية العثمانية سريعًا، بل حُقّقت المزيد من المكاسب في أوروبا، على الأخص في بودوليا في أوكرانيا عام 1672.
خرج الحكام العثمانيون اللاحقون من سباق التفوق الاستعماري على أعدائهم الأوروبيين ذلك نتيجة فشلهم في أن يحدّثوا الجيش ويفرضوا سيطرة صارمة على الإمبراطورية العثمانية.
اضطر الأتراك إلى التراجع مرة أخرى عن أسوار العاصمة النمساوية «فيينا» مهزومين، ولم يخلقوا نفس مستوى الخوف والرهبة في قلوب الأوروبيين مجددًا.
الهيمنة على منطقة البحر الأسود والمتوسط:
قبلت شبه جزيرة القرم التي حكمها التتار سابقًا (1441-1783)، السلطان محمد الثاني سيّدًا لها عام 1475 ما أمَّن الهيمنة العثمانية على البحر الأسود مدة ثلاثة قرون لاحقة.
أما في البحر المتوسط، فقد أقام فرسان الإسبتارية مقرهم في جزيرة رودس حيث أغاروا منها على سفن الحجاج، رغم دفاعهم الشجاع والجريء عن المدينة ضد الصعاب التي لا تُقهر، استسلمت الجزيرة لسليمان القانوني عام 1523. مع ذلك، فشل العثمانيون في الاستيلاء على مالطا (1565) حيث أسس فرسان الإسبتارية مقرهم الجديد.
عندما تولى محمد الثاني السلطة كان الجيش العثماني ضعيفًا في مجال واحد، هو القوة البحرية.
أنشأ السلطان الشاب أسطولًا عملاقًا كي يسدّ النقص، مع ذلك، افتقر أسطوله إلى السفن الكبيرة، ما جعل سُفنه غير مفيدة في الاشتباكات البحرية المباشرة. مثلًا، خلال حصار القسطنطينية، اخترق أسطول من أربع سفن جنوية ثلاث منها فقط سفن عسكرية، حصارًا بحريًا عثمانيًا ضخمًا على المدينة، ما أغاث القسطنطينية المحاصرة.
مع ذلك، سدّ سليمان القانوني الثغرات في هذا المجال بصنع سفن جديدة محسّنة. وعيّن خير الدين بربروس (1478-1546) أدميرالًا عام 1533، الذي كان يتمتع بهيبة بوصفه قائدًا بحريًا. كان سابقًا منافسًا للعثمانيين الذين أقنعوه أن ينضمّ إليهم.
أمَّن بربروس سيادة الإمبراطورية العثمانية في البحار ضد الأوروبيين وتوّج مسيرته بانتصار مثير للإعجاب على قوات التحالف البحرية في بروزة (1538).
أرسل سليم الثاني ابن سليمان (1566-1574) قوات استكشافية كي تغزو قبرص، الأمر الذي أُنجِزَ بحلول لعام 1570. لكن تبعه كارثة بحرية في معركة ليبانتو (1571) حيث دُمّر الأسطول العثماني على يد أسطول تحالُفي يسمى العصبة المقدسة. مع أن السلطنة تعافت من الآثار المباشرة لخسارتها، لم تعد بلا منافس. كانت جزيرة كريت آخر إضافة إلى حدود الإمبراطورية في منطقة البحر المتوسط عام 1669.
الحروب العثمانية الفارسية:
بدأ التنافس بين العثمانيين السنة وجيرانهم الشيعة في الشرق، الأسرة الصفوية (1501-1736)، عندما أعلن الحاكم الصفوي الأول الشاه إسماعيل (1501-1524) أن الإسلام الشيعي هو دين إمبراطوريته وصرّح بعدائه لكل قوى السنة المجاورة.
طلب السلطان سليم الأول من جيرانهم أن يقوموا بغزوهم، لكن إسماعيل قاوم التوغلات وتسلل بعد ذلك إلى شرق الأناضول. ردًا على ذلك، بدأ سليم الأول الحروب العثمانية الفارسية التي امتدت ثلاثة قرون وأثبتت أنها عقيمة ومستنزفة للطرفين.
بدايةً، ذبح سليم مؤيدي الصفويين في الأناضول. دفع الشاه بعدها إلى مواجهتهم في معركة جالديران (1514) حيث سحق القوة الميدانية الفارسية ذات الخبرة العالية لكن المتضائلة عددًا، من خلال فيلق النخبة الإنكشارية وأسلحة البارود، ما أجبر الشاه على الفرار من الميدان مذعورًا.
معركة جالديران هي أول اشتباك عسكري كبير للإمبراطورية العثمانية ضد الفرس، مع أن المعارك المستقبلية كانت أقسى بكثير.
أمّن سليم من خلال انتصاره أجزاءً من شمال العراق وأذربيجان، ووصل إلى حد الاستيلاء على العاصمة الصفوية تبريز، لكنه اضطر للتراجع بسبب الضعف التكتيكي والمسائل اللوجستية. واصل السلطان سليمان نجل سليم الصراع الشرقي خلفًا لأبيه واستولى على تبريز وبغداد عام 534 ،العاصمة العباسية السابقة، هي إضافة رمزية للإمبراطورية العثمانية.
تُرِكَ العِداء مؤقتًا بموجب معاهدة أماسيا عام 1555. شهدت العلاقات العثمانية-الفارسية مدة ثلاثة قرون تقريبًا بعد ذلك اتفاقيات وقف إطلاق النار تخللتها مواجهات عنيفة. خلال هذا الوقت، حاول السلاطين الطموحون أن يأكدوا التفوق العسكري ضد منافسيهم.
السلطان مراد الرابع «حكم 1623 – 1640» مثلًا، أطلق حملة عسكرية طموحة واستعاد بغداد من الصفويين عام 1639. استمرت الحروب العثمانية الفارسية قرنين آخرين، لكن الأعمال العدائية انتهت بعد معاهدات أرضروم (1823 – 1847) التي حددت الحدود بين المملكتين، أقام الجانبان علاقات دبلوماسية تظهر آثارها الإيجابية حتى اليوم.
غزو الشرق الأوسط والمكاسب في شمال افريقيا:
بعد حملته العسكرية ضد شيعة إيران عام 1514، وجّه سليم الأول جهوده إلى التوسع الإقليمي. جعل سلطنة المماليك في كل من مصر والشام والحجاز هدفًا له، إذ كانت تميل نحو إيران الصفوية واستضافت الأمراء العثمانيين المتمردين سعيًا للنفوذ السياسي.
أوضح سليم رغبته في التوغل جنوبًا، بعد اجتياحه آخر الإمارات المستقلة في الأناضول عام 1516، إمارتي بنو رمضان وبنو ذو القدر، اللتان كانتا عازلًا بين العثمانيين والمماليك. احتدم كل من الجيشين في معركة مرج دابق (1516) شمالي حلب، حيث اكتسح سليم جيش المماليك باستخدام أسلحة البارود تاركًا إياهم مدمرين بالكامل، سرعان ما استسلمت كل من سوريا والشام والحجاز إثر تداعي الدولة المملوكية تحت سيطرة العثمانيين.
بحلول العام 1517 استولى سليم على الدولة المملوكية متضمنةً مصر.
كان الصراع العثماني المملوكي (1516-1517) انتصارًا أكبر بكثير من الانتصار على الصفويين. مع ذلك، أثّر هذا الصراع العسكري المستمر في النهاية على سليم نفسه الذي توفي عام 1520، لكن بعد أن ضاعف حجم الإمبراطورية العثمانية في أقل من عقد من الزمان. ضَم السلطان أيضًا الجزائر العاصمة عام 1517، أما تونس فسيطر عليها سليمان عام 1534، رُسّخت هذه السيطرة من خلال الحملات العسكرية اللاحقة.
ثم أمر سليم الثاني بغزو اليمن (1567-1570)، بعد ذلك حققت الإمبراطورية العثمانية مكاسب في تونس (1574) وفاس، المغرب (1578).
التفكك الإقليمي:
عام 1529، حاصرت قوات سليمان القانوني العملاقة فيينا لكنها لم تستول على المدينة رغم أعدادها المهولة، يعود ذلك جزئيًا إلى التحديات التي مثّلها الشتاء وقلة الاستعداد.
رغم فشل محاولة سليمان في فيينا، فإن حملاته العسكرية في أوروبا كانت ناجحة على نحو رائع. لكن بعد أكثر من قرن، لم يعد العثمانيون مستعدين كي يستولوا على فيينا كما كانوا عام 1529.
شكّل وقوفهم مرة أخرى أمام أسوار العاصمة النمساوية عام 1683 وهزيمتهم مجددًا نقطة تحول في مصير الإمبراطورية العثمانية التي شرعت في الخسارة التدريجية لأراضيها حتى لم يبق شيء منها خارج تركيا الحديثة في يومنا هذا، التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، عام 1922.
اقرأ أيضًا:
أسباب سقوط الإمبراطورية العثمانية
تعرف على المجتمع في فترة الإمبراطورية البيزنطية
ترجمة: صفا روضان
تدقيق: فاطمة جابر