حورس إله السماء في الميثولوجيا المصرية القديمة، وقد تكنى بهذا الاسم اثنان من الآلهة: حورس الأكبر (حورس العظيم) آخر مولود من الآلهة الخمسة الأولى، وحورس الصغير ابن أوزيريس وإيزيس.
يرى المؤرخ جيمي دان أن حورس أحد أهم الآلهة المرتبطة بالطيور الذي يتقمص الكثير من الأشكال ويُصوَّر تصويرًا مختلفًا جدًا في النقوش لدرجة يصبح تمييز حورس الحقيقي أمرًا مستحيلًا. حورس في الغالب تسمية عامة لآلهة الصقور. ومع أنها تسمية صحيحة، فإن اسم حورس سيظهر ليشير إلى الإله الأكبر من الخمسة الأوائل أو ابن أوزيريس وإيزيس الذي هزم عمه ست واسترجع النظام إلى الأرض.
حورس اسم لاتيني مشتق من المصرية (Hor – حور) الذي يعني (البعيد) في إشارة إلى أنه إله السماء. حورس الأكبر (شقيق أوزيريس وإيزيس وست ونفتيس) معروف بحورس العظيم في الإنكليزية (أو Harwer أو Haroeris في المصرية). أما حورس ابن أوزيريس وإيزيس، فيُعرَف بحورس الطفل الذي تحول إلى الإله الإغريقي حربوقراط بعد أن غزا الإسكندر العظيم مصر عام 331 قبل الميلاد. ويعني حربوقراط أيضًا حورس الطفل لكنه يختلف عن حورس المصري؛ إذ كان حربوقراط إله الصمت والسرية عند الإغريق وحافظ الأسرار الذي تصوره تماثيله في هيئة طفل مجنح يضع إصبعه على شفاهه.
حورس الصغير من جهة أخرى إله السماء القوي المرتبط بالشمس أساسًا وبالقمر أيضًا، وهو حامي السلالة الملكية في مصر والمنتقم للمظالم والمدافع عن النظام وموحد الأرضين. وبالاستناد إلى القصص التي روت معاركه مع ست، فقد أصبح أيضًا إله الحرب، وقد ابتهل له الحكَّام المصريون قبل المعركة ومدحوه وعظموه بعدها. وبمرور الوقت، اتحد حورس مع إله الشمس رع ليشكلا إلهًا جديدًا: رع حراخت إله الشمس الذي ينطلق عبر السماء خلال النهار، وصُوِّر بهيئة رجل برأس صقر يرتدي التاج المزدوج لمصر العليا والسفلى ويعتليه قرص الشمس ورموزه هي عين حورس (إحدى أشهر الرموز المصرية) والصقر.
الإله حورس الأكبر
حورس الأكبر من أقدم آلهة مصر وُلِد نتيجة لاتحاد جب (الأرض) ونوت (السماء) بُعيد خلق العالم. تقلد أخوه الأكبر أوزيريس مهمة حكم الأرض برفقة إيزيس، في حين أُعطي حورس مهمة حكم السماء وخصوصًا الشمس. وفي رواية أخرى للقصة يكون حورس ابن حتحور، وفي قصص أخرى تكون حتحور زوجته، وأحيانًا أمًا وزوجة وابنة لحورس. تشير الباحثة جيرالدين بينش إلى أن صورة الصقر في قارب تمثل حورس في مركب الشمس وهو يجوب السماء من أقدم الصور الإلهية المشهورة من مصر. يظهر حورس أيضًا بصورة إله خالق وحامٍ خيِّر.
ويضطلع حورس بذات مهمة حتحور وآلهة أنثوية أخرى، إذ ينبثقن من رع ويعدن إليه ويحدثن التحول. وتُعد الشمس والقمر عيني حورس لأنه يراقب الناس ليلًا نهارًا، وقد يقترب منهم عندما يواجهون المشكلات ويعترضهم الشك. تخيل الناس حورس بهيئة صقر يطير بعيدًا عن رع ويعود في جعبته الأخبار المهمة، وكان بإمكانه أيضًا أن يجلب السكينة بسرعة لأولئك الذين يحتاجونها.
الإله حورس الصغير وأسطورة أوزيريس
أحيانًا ما يُذكَر حورس الصغير وكأنه منسوب إلى حورس الأكبر، لكنه سرعان ما يطغى عليه ويستحوذ على صفاته. في زمن السلالة البطلمية (323-30 قبل الميلاد) التي كانت آخر أسرة حكمت مصر، حلَّ حورس الصغير تمامًا محل حورس الأكبر، وصورته التماثيل في الحقبة البطلمية بهيئة فتىً صغير بإصبع على شفاهه، ما قد يشير إلى الفترة التي كان فيها حورس طفلًا يجب أن يبقى هادئًا ومختبئًا من عمه ست. في هيئته كطفل جاء حورس ليمثل وعدًا قطعته الآلهة على نفسها لتعتني بالبشرية البائسة المعذبة في إشارة واضحة إلى أنه قد عانى أيضًا عندما كان طفلًا، وكان يعلم الشعور بأن تكون ضعيفًا والأخطار تحدق بك من كل صوب.
ظهرت قصة حورس من أسطورة أوزيريس، إحدى أهم قصص مصر القديمة. تبدأ هذه القصة بعد خلق العالم بفترة قصيرة عندما حكم أوزيريس وإيزيس فردوسًا خلقوها. عندما وُلِد الرجال والنساء من دموع أتوم (رع)، كانوا غير متحضرين وهمجيين. علمهم أوزيريس الثقافة وإقامة الاحتفالات الدينية لتكريم الآلهة وفن الزراعة. تساوى الناس في ذلك الوقت رجالًا ونساءً بفضل عطايا إيزيس التي وزعتها على الجميع. كان الطعام وفيرًا ولُبيَت جميع الحاجات والرغبات.
اشتعل قلب ست غيرة من شقيقه أوزيريس، وتحول هذا الحسد إلى كراهية عندما اكتشف ست أن زوجته نفتيس قد غيرت هيئتها لتصبح إيزيس وتغوي أوزيريس. لم يغضب ست من نفتيس، بل ركز انتقامه على أخيه الوسيم الذي لم تستطع نفتيس أن تقاوم سحره وفتنته. خدع ست أوزيريس من خلال إدخاله في صندوق صممه ست خصيصًا على مواصفات أخيه، وعندما دخل أوزيريس الصندوق أغلقه ست ورماه في النيل.
مضى التابوت في النهر حتى علق بشجرة بجانب سواحل بيبلوس (جبيل في لبنان حاليًا)، وهناك أعجب الملك والملكة بجمال هذا الصندوق ورائحته الزكية وأمرا بقطعه وجعله عمودًا في بلاطهما. في غضون ذلك الوقت، اغتصب ست عرش أوزيريس وحكم العالم برفقة نفتيس. تجاهل ست العطايا التي منَّ بها أوزيريس وإيزيس على البشر، لذلك جفت الأرض وانتشرت المجاعة. عرفت إيزيس أنه يجب عليها أن تعيد أوزيريس من المكان الذي نفاه ست إليه وانطلقت بحثًا عنه. أخيرًا عثرت عليه داخل العمود في بيبلوس وطلبت من الملك والملكة أخذه وإعادته إلى مصر.
أوزيريس كان ميتًا، لكن إيزيس عرفت كيف تعيده إلى الحياة وطلبت من أختها أن تحرس جسده وتحميه من ست في حين خرجت لتجمع أعشابًا لتحضر جرعات. في تلك الأثناء علم ست أن أخيه قد عاد، لذلك خرج باحثًا عنه ووجد نفتيس وخدعها لتخبره أين خُبئ الجسد ثم قطَّع جسد أوزيريس إلى قطع وبعثرها في أنحاء الأرض وفي النيل. عندما عادت إيزيس، هالها اختفاء جسد زوجها وأخبرتها نفتيس ما حدث وما فعله ست.
بحثت الأختان عن أشلاء جسد أوزيريس وجمعتا هذه الأجزاء جميعًا باستثناء قضيبه الذي أكلته سمكة، ولهذا بقي أوزيريس غير مكتمل. ومع ذلك، أعادته إيزيس إلى الحياة. ولأن أوزيريس بقي غير مكتمل الجسد، كان يجب عليه أن يهبط إلى العالم السفلي ليحكم من هناك بوصفه سيد الموتى. وقبيل مغادرته، حوَّلت إيزيس نفسها إلى حدأة وطارت حول جسده واستخلصت بذرته لتحمل بحورس. غادر أوزيريس إلى العالم السفلي واختبأت إيزيس في إقليم الدلتا لتحمي نفسها وابنها من ست.
الإله حورس وإيزيس
عانت إيزيس حملًا صعبًا وكان مخاضها طويلًا وأنجبت حورس وحيدة في مستنقعات الدلتا. اختبأت إيزيس ووليدها في الأدغال بعيدًا عن ست وشياطينه، وخرجت في الليل فقط بحثًا عن الطعام تحرسها سبعة عقارب قدمتها لهم الآلهة سيلكيت التي جالست حورس وراقبته عندما كانت إيزيس تخرج. اعتنت إيزيس وسيلكيت ونيث بحورس وعلمنه في منفاهم حتى شب وأصبح رجلًا وكان قويًا كفاية ليتحدى عمه ويقارعه لاسترجاع مملكة أبيه.
توجد روايات مختلفة للمعركة التي نشبت بين الاثنين، ولكن أشهرها مخطوطة (تنازع ست وحورس) التي تعود إلى حكم السلالة العشرين (1090-177 قبل الميلاد) وتصف نزالهما على أنه اختبار أمام هيئة تحكيم من تسعة آلهة قوية. يتقدم حورس في هذه الرواية بشكوى على عمه الذي كان أحد التسعة، ويدَّعي فيها أن ست قد انتزع العرش بصورة غير شرعية من أوزيريس الذي كان أيضًا أحد الحكام التسعة.
طُلِب من هيئة التحكيم أن تختار إما ست أو حورس، واختار أغلب الآلهة حورس، لكن رع (الإله الأعلى) زعم أن حورس صغير جدًا وتعوزه الخبرة، أما ست فلديه أحقية أفضل بالحكم. ولذلك يجب على الاثنين أن يتنافسا في سلسلة من المعارك ليثبتا أي منهما الأفضل لاستلام الحكم. في هذه المعارك يفقد حورس عينًا، أما ست فيُخَصى (أو يتأذى بشدة)، لكن حورس يخرج منتصرًا في كل مرة.
تستمر هذه النزالات ثمانين عامًا، ويستمر رع بنكران حورس وأحقيته بالحكم. في تلك الأثناء تعاني مصر تحت حكم ست وتكافح إيزيس لتفعل شيئًا يساعد ابنها وشعبها، لذلك تحوِّل نفسها لامرأة شابة جميلة وتجلس قبالة قصر ست وتبدأ بالبكاء. وعندما يخرج ست ويراها، يسألها عن سبب حزنها وتخبره أن شقيق زوجها الشرير قد قتله وأخذ أرضه إضافة إلى أنه يبتغي حياة ابنها وقد نفاها إلى الأراضي المستنقعية والأدغال حيث لا أصحاب لها سوى العقارب.
يغضب ست ويعلن أن هذه الرجل يجب أن يُعاقَب ويقسم أنه سيجده ويطرده من الأرض ويسترجع للمرأة وابنها مكانهما الشرعي، وعند ذلك تعود إيزيس إلى شكلها الأصلي وتكشف عن نفسها وعن الآلهة التي كانت حاضرة. ست كان قد حكم على نفسه بذلك القرار الذي أصدره ووافق رع مع الآلهة الأخرى على أن حورس هو الملك. يُنفى ست إلى الأراضي الصحراوية التي تقبع وراء حدود مصر في حين يعتلي حورس عرش أبيه وتكون أمه وخالته قرينتيه.
في رواية أخرى يدوم الاختبار ثمانين عامًا حتى تلتفت الآلهة التي تضيق ذرعًا بالاثنين إلى الإلهة الحكيمة نيث لتكون وسيطة في النزاع. تحكم نيث لصالح حورس وتقترح أن يُمنَح ست حكم أقاليم الصحراء في حين يحكم حورس وادي نهر النيل الخصب. وتقدم اقتراحًا آخر لمواساة ست بأن يُمنح إلهتان أجنبيتان لتكونا زوجتين (قرينتين) له، وهما عنات الإلهة المحاربة من سورية وعشتروت ملكة الفردوس من فينيقيا. تفسر هذه الرواية كيف أصبح ست على علاقة بشعوب الأراضي الأجنبية وأقاليم الصحراء.
بعد أن هزم حورس ست واستعاد النظام، أصبح معروفًا بحورس موحد الأرضين. استعاد حورس سياسات والديه وأحيى الأرض وحكم بحكمة. ولهذا السبب، تحالف ملوك مصر منذ عصر الأسرات الأولى فصاعدًا مع حورس، واختاروا اسمه ليحكموا في ظله. كان أوزيريس أول ملوك مصر الذي وضع النظام ثم انتقل إلى العالم السفلي، في حين كان حورس الملك الذي أعاد هذا النظام بعد أن انقلب عليه ست ونهض بمصر من حالة الفوضى إلى الانسجام.
لذلك، أطلق الملوك المصريين على أنفسهم اسم حورس في الحياة وأوزيريس في الموت. خلال فترة حكمهم، كانوا ظل حورس على الأرض تحت حماية إيزيس. اشتُهِر رمسيس الثاني بالابتهال والتضرع لإيزيس وحورس طلبًا للحماية في قصيدته (بنتور) بعد معركة قادش عام 1274 قبل الميلاد، شأنه في ذلك شأن الكثير من ملوك مصر وفراعنتها.
وبما أن ملك مصر هو (البيت العظيم) الذي يحمي شعبه، فقد كان جميع مواطني مصر تحت حماية حورس. عبد الناس حورس بأشكال متنوعة وفي مواقع مختلفة مع آلهة أخرى في كثير من المعابد المصرية، ومواقع عبادته المهمة معروفة في جميع أنحاء مصر. وكان لأهميته بصفته موحدًا للأرضين وحافظًا على النظام دورًا في جعله مثالًا لمفهوم التوازن الذي قدره المصريون واحتفوا به.
عبادة الإله حورس
عبد الناس حورس بذات الطريقة التي عبدوا فيها الآلهة الأخرى، إذ بُنيت المعابد لتكون منزلًا للإله ووُضع تمثاله داخل محراب داخلي لا يُسمَح سوى لرئيس الكهنة بالوجود فيه. كان الكهنة في طائفة حورس ذكورًا فقط واعتنوا بمجمع المعبد الذي بُني ليعكس الحياة الأخرى لحقل القصب. كانت بركة التأمل في المعبد بحيرة تنمو فيها نباتات الزنبق وتتنقل فيها أرواح الموتى ويقودها مسؤول العبارة (هارف ريف). المعبد كان القصر في الحياة الآخرة ومنزل الإله والفناء المزين بالورود كان حديقته.
أتى سكان مصر إلى الفناء طلبًا للمساعدة أو لتلقي الصدقات أو لتسليم التبرعات أو لتفسير أحلامهم، وذهبوا للمعبد ليتلقوا النصح وتفسير الطالع أو من أجل المساعدة الطبية أو الاستشارات الزوجية وللحماية من الأرواح الشريرة أو الأشباح. وُجدت الكثير من المواقع المخصصة لعبادة حورس، لكن مراكز الطائفة الرئيسية كانت في خيم في إقليم الدلتا حيث أُخفي حورس عندما كان طفلًا، وبيير حيث فقد عينه في أثناء المعركة مع ست، وبهدت في الدلتا أيضًا. في مصر العليا عبدوا حورس مع حتحور وابنهما هرسومبتوس في أدفو وكوم أومبوس. استضافت أدفو التتويج الرسمي للصقر المقدس الذي يُنتقى خلاله صقر حقيقي ليمثل لإله بوصفه ملك مصر، وبذلك يتوحد إله الصقر القديم مع هيئته الأخرى حورس ابن أوزيريس ومع الملك.
كان الهدف من هذه المراسم تعزيز حكم الملك وتجديده. تلقى حورس التبجيل والتعظيم في أبي سمبل أيضًا من خلال التماثيل والنقوش والتمائم التي ارتداها الناس طلبًا لحمايته.
أبناء حورس الأربعة
لم تكن الحماية في الحياة فقط، بل امتدت إلى ما بعد الموت، وارتبط حورس بالحياة الآخرة من خلال أبنائه الأربعة الذين حموا أعضاء الموتى الحيوية. مثَّل هؤلاء الآلهة الأربعة الاتجاهات الرئيسة في البوصلة وكان لكل إله آلهة تشرف عليه وهم:
دوموتيف: إله على شكل ابن آوى حمى المعدة ومثَّل الشرق وحمته الإلهة نيث.
هابي: إله على هيئة قرد البابون حمى الرئتين، وكان يقابل الشمال وتحميه نفتيس.
إمستي: إله بهيئة إنسان يحمى الكبد ومثَّل الجنوب وتحميه إيزيس.
قبحسينوف: إله على شكل نسر يحمي الأحشاء ومثَّل الغرب وتحميه سلكيت.
حُفظَت أعضاء الموتى في جرار كانوبية (جرار الموتى) التي صُنِع مقبض غطائها أحيانًا على شكل رأس الإله الحامي لهذا العضو. أبرز مثال على خوابي الموتى تلك القطع الأثرية من المرمر التي عُثِر عليها في معبد توت عنخ آمون ونُحتَت أغطيتها بهيئات الإلهة إيزيس ونيث ونفتيس وسلكيت. صُوِّر جمع الآلهة الأربعة كرجال محنطين برؤوس ابن آوى وبابون وإنسان وصقر. وكانوا جميعًا بمثابة تجليات لحورس الذي كان صديقًا للموتى. في الجنازات، تضرع الناس لحورس من أجل الحماية والإرشاد لأولئك الذين رحلوا والأحياء الذي تركوهم وراءهم.
اقرأ أيضًا:
كل ما تود معرفته عن الإله المصري أنوبيس
حجر الرشيد والكشف عن أسرار الكتابة المصرية القديمة
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: نور عباس
مراجعة: محمد حسان عجك