وجدت دراسة جديدة أن لدى المتزوجين مخاطر أقل للإصابة بالخرف والضعف الإدراكي مقارنةً بالعزّاب أو المطلقين، داعمةً بذلك الأبحاث المهمة الأخرى حول الفوائد الصحية للزواج.
عند دراسة عينة كبيرة من المسنين، حدد باحثون من المعهد النرويجي للصحة العامة الزواج كعاملٍ وقائيٍّ محتمل في سن الشيخوخة، في حين أن غير المتزوجين لديهم مخاطر متزايدة للإصابة باضطرابات النمو العصبية.
يقول فيغارد سكيربيك، المؤلف الرئيسي في الدراسة: «هناك علاقة واضحة بين الزواج في منتصف العمر وانخفاض خطر الإصابة بالخرف عند التقدم في السن، وتظهر البيانات أيضًا أن المطلقين يمثلون نسبة كبيرة من حالات الخرف».
في سبيل معرفة أكثر عن العلاقة بين الزواج والصحة المعرفية لدى كبار السن، أخذ الباحثون عينة من 8706 شخص بالغ تتراوح أعمارهم بين 44 و 68 عامًا.
عندما تجاوزوا سن السبعين، رُوقبت صحتهم المعرفية وإدراكهم؛ لتحديد هل كانت الإصابة بالخرف بعد 70 سنة، مرتبطة بالعزاب والمطلقين أم لا.
أوضحت الدراسات السابقة أن العزلة الاجتماعية تُعدُّ عامل خطر قوي للخرف، خاصة عند الرجال ومن ليس لديهم أطفال.
مع ذلك، شملت هذه الدراسة الرجال والنساء، والأشخاص الذين لديهم أطفال ومن ليس لديهم.
أظهرت النتائج أن 11.6% من العينة أصيبوا بالخرف، وأن 35.3% أُصيبوا بضعف إدراكي معتدل (MCI).
من بين هؤلاء، سُجِّل أدنى معدل للإصابة بالخرف لدى المتزوجين المحافظين على زواجهم، بينما حقق غير المتزوجين أعلى نسبة ثم المطلقون، ثم المطلقون ضمن فترات معينة في حياتهم.
عندما عدّل الباحثون الأرقام بجعل كل شخص لديه مخاطر المجموعة المتزوجة نفسها، أظهرت حساباتهم انخفاضًا بنسبة 6% في حالات الإصابة بالخرف، ما يؤكد هذا الارتباط.
لماذا يحدث هذا؟
لا يزال البحث غير قادر على كشف سبب هذه العلاقة.
رفقة الأزواج أو احتمال إنجاب الأطفال أو ميزة أخرى محتملة وقائية تأتي مع الزواج المستمر، جميعها أسباب مُقترحة نظريًا لكنها غير مؤكَّدة.
قد توجد مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى، مثل: السمنة والإجهاد الناتج عن الطلاق والتدخين وقلة النشاط، وهي عوامل مرتبطة إلى حد ما بفئة العزّاب والمطلقين، الذين يشكلون نسبة كبيرة من حالات الخرف، لذا يساهمُ الحد من العزلة الاجتماعية كثيرًا في تحسين نوعية الحياة عند كبار السن.
كيف يمكن للزواج أن يخفِّض خطر الإصابة بالخرف ؟
تقول الدراسة إن الأشخاص العزّاب مدى الحياة، معرضون لخطر الإصابة بالخرف أكثر من المتزوجين بنسبة 42٪، لكن يؤكد الخبراء في الوقت ذاته ضرورة تفسير النتائج بدقة وحذر، خاصةً بيانات المشاركين غير المتزوجين والمطلقين؛ لأنهم يمثلون نسبة أصغر بكثير من العينة المدروسة.
قد ترتبط حالة العلاقة بخطر الإصابة بالخرف أيضًا، إذ كشفت ورقة مراجعة بحثية جديدة عن كيفية هذا الترابط.
عادة ما يحدث الخرف، وهو تراجع وظائف المخ وفقدانها لدى كبار السن، ويُعدّ مرض ألزهايمر أشيع أسبابها.
تشير الورقة البحثية التي نُشرت في مجلة علم الأعصاب والجراحة العصبية والطب النفسي إلى ارتفاع خطر الإصابة بالخرف لدى الأشخاص العزاب طوال حياتهم، الملفتُ في الأمر هو بقاء هذا الخطر مرتفعًا حتى عند أخذ صحة الشخص الجسدية في الحسبان.
مع ذلك، فإن العلاقة بين الزواج وخطر الإصابة بالخرف ليست علاقة سببية، إذ لا يشير البحث إلى أن الزواج بحد ذاته يقلل من خطر إصابة الناس بالخرف.
بدلًا من ذلك، يشير البحث إلى أن هذا التأثير الوقائي المحتمل قد يرتبط بنمط الحياة الزوجية وتوابعها، مثل العيش بأسلوب حياة صحية عمومًا، وزيادة التحفيز الاجتماعي نتيجة العيش مع الزوج أو الشريك.
الارتباط بين الزواج والخرف
تبعًا لما نشرته الدراسة، راجَع الباحثون منهجيًا قواعد البيانات بحثًا عن الدراسات السابقة حول الحالة الاجتماعية والخرف، صُنِّف الأزواج المُساكنون على أنهم متزوجون، ولم تقدم جميع هذه الدراسات معلومات عن هذا الترابط.
إجمالًا، شملت الدراسات 812،047 شخصًا، أُجريت بعضها في دول أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، وأخرى في البرازيل.
بعد تحليل الدراسات، وجد الباحثون أن الأشخاص العزاب طوال حياتهم والأرامل، أكثر عرضةً للإصابة بالخرف مقارنة بالمشاركين المتزوجين في وقت الدراسة.
يبدو هذا الخطر المتزايد مشابهًا لمخاطر الخرف المعروفة الأخرى مثل الإصابة بمرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم.
لم يجد الباحثون أي دليل على أن خطر الإصابة بالخرف لدى المطلقين يختلف عن المتزوجين، ولم يؤكدوا هل لمدة الترمّل أو الطلاق أي تأثير في النتائج أم لا.
وجدت الدراسات اللاحقة أيضًا أن خطر الإصابة بالخرف بالنسبة للأشخاص غير المتزوجين مدى الحياة قد انخفض في السنوات الأخيرة، إذ كانت الإصابة أعلى بنسبة 40% لدى الأشخاص غير المتزوجين المولودين في الربع الأول من القرن العشرين، بينما وجدت تقلص النسبة إلى 24٪ فقط في الأجيال التالية.
بعبارة أخرى، إنَّ تأكيد الدراسات لارتباط الزواج بتقليل خطر الإصابة بالخرف، لا يثبتُ أن الزواج بحد ذاته هو السبب المباشر لخفض خطر الإصابة بالخرف.
على الصعيد العالمي، يعاني نحو 47 مليون شخص الخرف، ويوجد ما يقارب 10 ملايين حالة جديدة كل عام، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، التي تصنف الخرف على أنه السبب الرئيسي السابع للوفاة في جميع أنحاء العالم.
يساهم مرض ألزهايمر في 70٪ تقريبًا من تلك الحالات، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
يصيب مرض ألزهايمر ما يقدر بنحو 5.4 مليون أمريكي، ما يجعله سادس سبب رئيسي للوفاة بين جميع البالغين وخامس سبب رئيسي لمن هم بعمر 65 وما فوق، وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.
(ابقَ نشطًا اجتماعيًا) نصيحة مهمة جدًا
النصيحة التي تقدمها جمعية مرضى ألزهايمر، هي زيادة الأنشطة الاجتماعية والتفاعل ضمن المجتمع.
أحد هذه الأساليب للقيام بذلك هو الزواج أو إيجاد شريك للعيش معه، لكنّها بالطبع ليست الطريقة الوحيدة.
حقيقةً، تخضع مؤسسة الزواج لتغييرات سريعة في الآونة الأخيرة، مع قبول الزواج من الجنس نفسه وبدائل الزواج مثل المعاشرة أو المساكنة.
علاوة على ذلك، فإن التأثير المعروف للعرق والتعليم والدخل في معدلات الزواج يغيّر نسبة المتزوجين في كل فترة.
من المهم أيضًا الاعتراف بأن الخرف وبوادره لهما تأثير كبير في الزواج، إذ قد يؤدي إلى الانفصال والخسارة.
لذلك، مع أن للخرف عوامل خطر قابلة للتعديل، فإن هذا لا يعني مطلقًا أن الوقاية منه أمر بهذه السهولة.
اقرأ أيضًا:
عدم سماع الناس في حال وجود ضجيج ربما يشير إلى مخاطر الخرف
هل تزيد قلة النوم من خطر الإصابة بالخرف؟
ترجمة: لمك يوسف
تدقيق: نايا كركور
مراجعة: عبد المنعم الحسين