الواقع المتضاد Counterfactual
خمسة وعشرون عامًا مرت منذ تقديم «الظواهر المتضادة» وقد أدرك الفيزيائيون العديد من التطبيقات التي هي أقل تقلبًا من الكشف عن القنابل. في عام 1998، «كويات» والمتعاونين معه في «لوس ألاموس» وضعوا صورًا لشعر الإنسان ضمن (التداخل – Interferometer)، على الطريق الذي لا يجتازه الضوء. بعد عامين في «المملكة المتحدة»، وصف اثنين من واضعي النظريات، (غرايم ميتشيسون وريتشارد جوزا – Graeme Mitchison and Richard Jozsa) كيفية حساب «ما دون التفاعلات».
من الصعب بناء أجهزة الكمبيوتر الكم، ويرجع ذلك – جزئيًا – إلى القياسات الثقيلة. لمعرفة نتائج خوارزمية، يجب علينا هدم تراكبات مهولة على هذا الكمبيوتر.
في عام 2006، أونور هوستن، كويات، وغيرهم من المتعاونين في جامعة إلينوي بأوربانا شامبين، ألحقوا سلسلة من تأثير «زينو» الكمي إلى الظواهر المتضادة، وصمموا جهاز كمبيوتر الكم الذي يمكن أن يوفر المعلومات دون تشغيل على الإطلاق.
يقولون: «هذا ممكن فقط في مجال الحواسيب الكمومية، حيث يمكن للكمبيوتر أن يبقى في تراكب الكم من تشغيل وعدم تشغيل في نفس الوقت«.
عندما قرأ «فايدمان» أن الحواسيب النظرية لا تحتاج إلى تشغيل (Turned on) اعتقد أن «كويات» قد تفوق عليه مرةً أخرى، وحسّن كفاءة الظواهر المتضادة.
ولكن الفكرة ليست مباشرة كما في حالة تمييز عائق على طريق دون ضوء.
وكما يقول فايدمان، فإن كمبيوتر كويات ومعاونوه يعتمد على: «عدم وجود جسيم في مكان معين مزعوم، دون وجود [فوتونات] هناك».
ولكن لا يمكن أن توجد معلومات من اللاشيء.
بعد تحليل التجربة لعدة أشهر، أوضح فادمان أن: «الفوتون لم يدخل مقياس التداخل، فالفوتون لم يترك مقياس التداخل أبدًا، ولكنه كان هناك دائمًا».
كان الجسيم متواجدًا في المكان الذي ليس من المفترض أن يكون فيه، هذا إذا كانت المعلومات مستمدة من غياب الجسيم. كتب كويات أن تفسير فايدمان هو «هراء«.
في عام 2009، وفي معهد بحوث الالكترونيات والاتصالات السلكية واللاسلكية في كوريا الجنوبية، اتخذ تاي غون نوه –TaeGon Noh) الخطوة المنطقية التالية.
وبدلًا من جهاز كمبيوتر خيالي لا يجب تشغيله، طبّق «نوه» الظواهر المتضادة «لمهمة اتصال في العالم الحقيقي».
وقد وضع بروتوكولًا لإرسال مفتاح لفتح البيانات المشتركة.
عندما يسافر الفوتون في المسار الذي لا يحوي عائق في مقياس التداخل، فإن المعلومات التي تم الحصول عليها حول المسار الآخر الذي لم يتمكن فيه الفوتون من السفر، يمكن أن تستخدم للكشف عن المفتاح السري.
ويمكن جعل القمم والقيعان من موجات الضوء تتخطى صعودًا وهبوطًا أو جنبًا إلى جنب، وهذه الخاصية الثنائية تسمى «الاستقطاب» ويمكن أن تستخدم لترميز البِتات (جمع بِت).
ومن ثم يمكن نقل المعلومات من خلال القناة المعوقة التي يتحكم فيها المسلتم.
المرسل والمتلقي أيضًا يتبادلان المعلومات العادية، ولكن إذا تم تتبع بروتوكول بسيط، لا أحد يستطيع التنصت أو سرقة مفتاحها.
لا يوجد شيء يمكنه اعتراضها، الفوتونات تعيش وتموت – كما أوضح نوه – داخل جهاز المرسل. وقال: «إن الغريب أكثر من عدم وجود إشارة، هو مجرد احتمال أن المنفِذ يمكن أن يرتكب جريمة تكفي للكشف عن المتنصت، على الرغم من أن الجريمة لم تنفذ في الواقع».
قام بمقارنة الظواهر المتضادة بالاعتقالات العقابية في الفيلم السينمائي (Minority Report).
في عام 2011، حقق «بان» وقليل من المتعاونين الآخرين في مختبر بمدينة «خفي» الصينية الخط الفاتنة في العالم الحقيقي – على طاولة في مختبرهم – وأرسلوا مفتاحًا آمنًا بمعدل 51 بت في الثانية على مدى كيلومتر واحد من كابل ألياف بصرية – وبرغم عدم وجود أخطاء كبيرة – لم ينجح «بان» ومجموعته في تحقيق الدقة المطلوبة لتحويل علمهم إلى تكنولوجيا، لكنهم زعموا: «لقد قدمنا برهنة من حيث المبدأ». بعض المعلومات يمكن أن تسافر فعلاً دون جسيمات.
عام 2009، بالمملكة المتحدة، شاب يُدعى «حاتم صالح» قرأ ورقة «نوه» البحثية وسأل نفسه، «لماذا لم أفكر في ذلك؟» كان هذا الشاب حاصلًا على درجة في مجال الاليكترونيات، ولكنه تعلّم فيزياء الكم بعد قراءة عدد قليل من الكتب الشعبية التي كتبها «روجر بينروس» وحضور ندوات في مدينة يورك.
بعد عامٍ من ذلك عاد «صالح» إلى موطنه السودان، حيث كان يعمل في تسويق ألواح الخلايا الشمسية، ودعاه صديق ليكون باحثًا زائرًا في جامعة الملك عبدالعزيز للعلوم و التكنولوجيا بالمملكة العربية السعودية.
لم يكن لديه درجة الدكتوراة، ولكن مع زميله هناك واثنين من المنظرين في جامعة تكساس (A & M) «أخذ منطق الاتصالات عن طريق الظواهر المتضادة الواقعية إلى استنتاجها الطبيعي».
ووضحوا: «باستخدام نسخة متسلسة من تأثير زينو، يمكن تبادلها مباشرة بين أليس وبوب مع عدم وجود جزيئات مادية تتنقل بينهما، بالتالي يمكن تحقيق اتصال مباشر باستخدام الظواهر المتضادة». (بدلًا من وضع علامة على المرسل والمستقبل A وB، يُطلق عليه الفيزيائيون أليس وبوب).
أولًا، وضع صالح وزملاؤه بروتوكولًا لتوصيل بعض المعلومات دون جزيئات.
انقسام الفوتونات أسفل مسارين وجمع شملهم في مقسم الأشعة الثاني – كما تم من قبل – لقد تم ذلك مرارًا وتكرارًا، بإضافة تداخل واحد بعد آخر كما في الشكل (3 A) عن طريق تبديل المسارات مع مقسم شعاع خاص، وبالتالي فإن الفوتونات ستمضي قدمًا دائمًا لنفس الكاشف في نهاية المطاف.
«بوب النظري» الذي يسيطر على العوائق في سلسلة من المسارات يمكنه أن يستخدمها لإرسال المعلومات إلى كاشفات «أليس» إذا كان يتيح الفوتون من خلال حدوث إرتطام مضمون بالكشاف الأول، فيما يعرف بالمنطق الثنائي أو النظام الثنائي – صفر وواحد المستخدم في نقل المعلومات في الحواسب الآلية – إذا أوقف فوتون من أحد المسارات بعد كل خروج من مقسم الآشعة، فإنه يظهر – على الأرجح – في الكاشف الثاني، وهي نتيجة تُعرف «1».
وهكذا ينقل بوب المعلومات إلى أليس، حتى عندما لا يسمح لبعض الجسيمات بالعبور.
من الناحية النظرية، هذا الإعداد ينقل الأصفار «0» بالتأكيد، ولكن المعلومات المنقولة من الظاهرة المتضادة تصبح آحادًا «1» – تنتقل دون جسيمات – غير جديرة بالاعتماد.
الفوتونات في المسارات دون عوائق تمر في بعض الأحيان إلى جهاز الكشف الآخر الذي يسجل الأصفار «0» حتى لو كان هناك مئات من العقبات.
لكن صالح وزملائه ادعوا – بعد ذلك – أنهم يعرفون كيفية انجاز ما لم يحققه أحدٌ من قبل، وهو: جعل كل شيء خاضع لمنطق (الواقع المتضاد – Counterfactual).
وينبغي أن يكون من الممكن إرسال الإشارات بين المرسل والمستقبل ببساطة عن طريق حجب المسارات التي لا ينبغي أن يسلكها الفوتون أبدًا.
بعد الانقسام الأولي للفوتونات في مقياس التداخل، تقسم أحد هذين المسارين مرةً أخرى.
وبإضافة تداخل صغير واحدًا بعد آخر على هذا الطريق، ووضع العقبات التي يتحكم بها بوب – كما في الشكل «B3» – فإن العديد من مقاييس التداخل الصغيرة تكون متداخلة في أخرى كبيرة، ويمكن القيام بذلك مرارًا وتكرارًا.
العقبات على المسارات الداخلية بمثابة القياسات المتكررة، وهناك المزيد من القياسات خالية من التفاعل، ما سيجعل الاتصال أكثر كفاءة.
ويمكن حتى أن تكون هناك مسارات للتداخل، وبالتالي فإن الجزيئات التي تصل إلى كاشفات أليس لا يمكن أن تسافر خلال المسارات التي يعيقها بوب أبدًا.
فهي محظورة حقًا. لكن أجهزة الكشف ستظل تسجل بشكل مختلف عندما يعيق مسارها أم لا. بوب يرسل المعلومات دون التفاعل مع أي جسيمات.
إن البروتوكول الذي صممه صالح وزملاؤه يصعب تخيله، حتى داخل المختبر.
لذلك قدموا بروتوكولًا آخر باستخدام مقياس تداخل مماثل، طوره «ألبرت مايكلسون» لتحديد وجود الأثير خلال عام 1880 – نقصد هنا تجربة مايكلسون ومورلي لتحديد الأثير – وتم استخدامها في الآونة الأخيرة، للكشف عن «موجات الجاذبية».
في مقياس تداخل مايكلسون، ينقسم الضوء مرةً أخرى إلى مسارين، ولكن تعكس المرايا الأشعة إلى المكان الذي انقسموا فيه أصلًا مرةً أخرى. إنها تتداخل هناك.
ويمكن لأصحاب التجربة أن يصنعوا مصيدةً لهذه التداخلات وأن يميزوا الضوء حيث يتداخل من الاستقطابين اللذين يخدمان البِتات.
وفي نهاية الورقة، أعلن صالح وزملاؤه: «نحن نواجه تحديًا لافتراض قوي طال أمده بأن نقل المعلومات يتطلب جسيمات مادية للسفر بين المرسل والمستقبل».
وفي عام 2014، حصلوا على براءة اختراع في الاتصال المباشر دون كيان مادي «حقيقي».
ثم أسس صالح شركة تدعى «كوبيت ريزارتش» لتحقيق الدخل من هذه الفكرة.
شكل «B3 الإتصال عن طريق الواقع المتضاد:
في تتابع التداخل باللون الأصفر، بمقدور بوب اعتراض المسارات لإرسال المعلومات بكفاءة عالية لكشافات الفوتونات الخاصة بأليس دون أي تفاعل.
حين يتم إصطياد مجموعة من التتابعات الصغيرة داخل «تداخل» أكبر (الموضح باللون الأبيض) بإمكان بوب نقل المعلومات حتى بدون نقل أي جسيمات في المسار الذي يتم فيه وضع عائق أو حاجز.
كل المعلومات يتم نقلها بدون جسيمات، وهذا يسمى بالنقل عن طريق الواقع المتضاد.
- ترجمة :مصطفى العدوي
- تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
- تحرير: ياسمين عمر
- المصدر