مع أن شهرة الأهرامات العظيمة في مصر في الجيزة كبيرة، فإن الأمريكتين تحويان تراكيب هرمية أكثر من بقية أنحاء الكوكب مجتمعة، فقد بنت حضارات مثل الأولمك والمايا والأزتيك والإنكا أهرامات لإيواء آلهتهم ودفن ملوكهم. وفي كثير من دول المدن العظيمة، شكلت أهرامات المعابد مركز الحياة العامة، وكانت موقعًا للطقوس المقدسة بما فيها التضحية البشرية. ومن أشهر الأهرامات في أمريكا اللاتينية هرم الشمس وهرم القمر في تيوتيهواكان في وسط المكسيك، وكاستيلو في تشيتشن إيتزا في يوكاتان، والهرم الأكبر في تينوتشتيتلان عاصمة الآزتك، وهرم تشولولا ومعبد الإنكا الكبير في كوزكو في بيرو.
صعود بناة الأهرامات
بنت شعوب أمريكا الوسطى الأهرامات منذ 1000 قبل الميلاد تقريبًا وحتى وقت الغزو الإسباني في أوائل القرن السادس عشر، فالأهرامات المصرية إذن أقدم بكثير من الأهرامات الأمريكية إذ بُني أقدم هرم مصري (زوسر) في القرن السابع والعشرين قبل الميلاد. ويقع أقدم هرم معروف في الأمريكتين في لا فينتا في تاباسكو بالمكسيك الذي بناه الأولمك، أول حضارة كبرى في أمريكا الوسطى، إذ كانوا سبّاقين في مجالات أخرى مثل إنتاج الشوكولا وأول ظهور لممارسة الرياضة. ويعود تاريخ الهرم إلى ما بين 1000 إلى 400 قبل الميلاد.
بُنيت الأهرامات الأمريكية من الطين عمومًا، ثم غُطيت واجهتها بالحجر بشكل متدرج أو متعدد الطبقات، وتعلوها منصة أو هيكل معبد، وغالبًا ما يشار إليها باسم الأهرامات المتدرجة.
في حالات كثيرة، أعيد بناء الأهرامات في أمريكا اللاتينية مرارًا وتكرارًا فوق الهياكل الموجودة بالفعل، وذلك من أجل تمجيد الحاكم الحالي، إذ كان يُعتقد أن إعادة بناء الهرم عملية مصيرية لتجديد علاقة الملك بالآلهة. وقد خلص المؤرخون إلى أنه بعكس الأهرامات المصرية، لم يكن غرض أهرامات ما قبل العصر الكولومبي أن تكون غرف دفن بل منازل للآلهة. ومع ذلك، فقد كشفت الحفريات الحديثة عن أدلة على أن بعض الأهرامات تضمنت مقابر، ويوجد دليل أيضًا على أن المدن استخدمت الأهرامات للدفاع العسكري.
هرم الشمس
أشهر هرم منفرد في أمريكا اللاتينية هو هرم الشمس في تيوتيهواكان في المكسيك، التي كانت واحدة من أكثر المجتمعات هيمنة في أمريكا الوسطى، وبلغ عدد سكان عاصمتها التي تحمل الاسم نفسه والواقعة شمال شرق مكسيكو سيتي بين 100 ألف و 200 ألف نسمة خلال القرنين الخامس والسادس.
وفقًا لتقاليد الآزتك فإن الشمس والقمر وكذلك بقية الكون تتبع أصولهم إلى تيوتيهواكان، وقد اكتشف عدد من المعابد هناك أكثر من أي مدينة أخرى في أمريكا الوسطى.
بنيت أهرامات الشمس والقمر في تيوتيهواكان بين عامي 1 و 250 ميلادي، وكغيرها من أهرامات أمريكا الوسطى، بنيت فوق أساس من الأنقاض المثبتة في مكانها باستخدام جدران استنادية، ثم غطيت بلبنات طينية ثم بالحجر الجيري. ويبلغ قياس قاعدة هرم الشمس 730 قدمًا لكل جانب، مع خمس دكات متدرجة يصل ارتفاعها إلى نحو 200 قدم. ينافس حجمه الهائل حجم الهرم الأكبر خوفو في الجيزة، ويوجد داخل الهرم الحالي هيكل هرم آخر سابق له بنفس الحجم تقريبًا.
في عام 1971 اكتشف علماء الآثار كهفًا تحت هرم الشمس يؤدي إلى غرفة على شكل ورقة برسيم رباعية، وتشير القطع الأثرية التي عُثر عليها فيه إلى استخدام الغرفة معبدًا قبل وقت طويل من بناء الهرم نفسه.
أما هرم القمر فهو يشبهه ولكنه بُني على نطاق أصغر، ويقع في الطرف الشمالي من المحور الرئيسي للمدينة المسمى شارع الموتى. وتحتوي تيوتيهواكان على هرم معبد أصغر متدرج ومغطى بالحجارة يسمى معبد الثعبان المجنّح (شكل قديم لكويتزالكوتل آلهة الآزتك)، أُهدي للآلهة عام 200 ميلادي وعُثِر على أدلة لنحو 200 شخص ضُحّيَ بهم في الاحتفال تكريمًا له.
فقدت تيوتيهواكان أهميتها بين القرنين السابع والعاشر وأُهملت في النهاية.
أهرامات المايا
تعد المايا حضارة أخرى مهيمنة في أمريكا الوسطى، جعلت من أهرامات المعابد المراكز العظمى لمدنها الحجرية. ومن أشهرها معبد النقوش المنحوت بشكل رائع في بالينكي (المكسيك)، الذي كان نصبًا جنائزيًا لملك القرن السابع حنب باكال. ويعود أطول هرم مايا في تيكال (غواتيمالا) إلى القرن الثامن بعد الميلاد، أي قبل الانحدار الغامض للحضارة. ويوجد نصب تذكاري آخر للمايا بني في القرنين التاسع والعاشر بعد الميلاد في وسط مدينة أوكسمال في يوكاتان، يُعرف باسم هرم الساحر أو المشعوذ، ووفقًا لأسطورة المايا بناه إله السحر إيتزامنا ليكون مركز تدريب للشامان والمعالجين والكهنة.
تحتوي مدينة تشيتشن إيتزا على قلعة كاستيلو أو معبد كوكولكان (الثعبان المجنّح) التي شيدت عام 1100 ميلادي تقريبًا بمساحة 180 قدمًا مربعة فوق هرم معبد آخر بُني قبل 100 عام، ويتكون كل سلم من سلالمها الأربعة من 91 درجة، إضافةً إلى درجة واحدة عند مدخل المعبد، ما يعني أن مجموعها 365 درجة بالضبط وهو عدد أيام السنة لدى شعب المايا.
وكان للمايا نظام فلكي وكوني معقد، وغالبًا ما كانت تُزين مبانيهم الاحتفالية مثل الأهرامات بطريقة تجعلها بمواجهة شروق الشمس أو غروبها في أوقات معينة من السنة.
أهرامات الآزتك
بنى أهل الآزتك الذين عاشوا في الوادي المكسيكي بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر الأهرامات من أجل إيواء آلهتهم وتكريمها، وارتبطت الطبيعة المتقنة لأهرامات الآزتك وهندستها المعمارية بثقافة محارب الآزتك، فكان رمز الآزتك للغزو هرمًا محترقًا يترأسه المنتصر الذي يظهر وهو يقوم بتدمير قمة المعبد.
تضم تينوختيتلان عاصمة الآزتك العظيمة الهرم الأكبر، وهو هيكل من أربع درجات يبلغ ارتفاعه نحو 60 مترًا وفي قمته مزاران، واحدٌ لتكريم إله الشمس والحرب عند الآزتك (ويتزيلوبوتشتلي) والآخر لتكريم إله المطر والخصوبة (تلالوك).
دمر الجيش الإسباني بقيادة هيرنان كورتيس الهرم الأكبر مع ما تبقى من حضارة الآزتك عام 1521، وتحت أنقاضه عُثر على بقايا ستة أهرامات سابقة، ما يدل على عملية إعادة البناء المستمرة الشائعة لأهرامات أمريكا الوسطى.
يقع مجمع هرم تشولولا في السهول المحيطة بمدينة بويبلا -التي أسسها المستعمرون الإسبان- وسُميَ باسم شعب أمريكا الوسطى الذي بناه، وهو أكبر مبنى منفرد في المكسيك قبل العصر الكولومبي، بُني من لبنات طينية على أربعة مراحل بدءًا من القرن الثاني قبل الميلاد تقريبًا، وكان قياسه 1083 ×1034 قدمًا عند القاعدة وارتفاعه حوالي 82 قدمًا.
غزا المحارب تولتيك المنطقة عام 1200 تقريبًا وأعاد بناء الهرم ليكون مركزًا احتفاليًا، واستحوذ عليها الآزتك فيما بعد وخصصوها للإله كويتزالكوتل، وعندما دمر الإسبان مدينة شولولا المقدسة في القرن السادس عشر بنوا كنيسة على أنقاض مجمع الهرم الضخم في محاولة مقصودة لتوثيق أن العالم الجديد للمسيحية.
أهرامات الجنوب: الموكي والإنكا
توجد المزيد من الأهرامات في أمريكا اللاتينية التي كانت موطنًا للسكان الأصليين مثل الموكي والشيمو والإنكا، إذ بنى أهل الموكي -الذين عاشوا على طول الساحل الشمالي لما يعرف الآن بالبيرو- أهراماتهم من لبنات طينية أو لبنات من الطين المجفف بالشمس، وكان يبلغ ارتفاع المكان المقدس للشمس 100 قدم تقريبًا وبُني من أكثر من 143 مليون طوبة، بينما أعيد بناء مكان القمر المقدس عدة مرات على مدى 600 عام.
قبل 80 عامًا تقريبًا من وصول الغزو الإسباني بقيادة فرانسيسكو بيزارو إلى جبال الأنديز، بدأ حاكم الإنكا باتشاكوتي يوبانكي (1438 إلى 1471) ببناء هرم المعبد العظيم ساسكوامان في العاصمة كوزكو، واستغرق بناءه 50 عامًا عمل فيها 20 ألف عامل لتشييد الهرم من حجارة ضخمة مُركبة معًا دون ملاط.
استخدم الإنكا -آخر حضارة أصلية عظيمة في أمريكا اللاتينية على قيد الحياة- نفس تقنيات البناء لبناء مدينتهم الحجرية الرائعة ماتشو بيتشو في أعالي جبال الأنديز.
اقرأ أيضًا:
أهرامات مصر: من بنى الأهرامات وكيف تم بناؤها؟
العلماء يكتشفون الأسرار القديمة لعلم الفلك التي ساعدت في بناء الأهرامات
ترجمة: لميس الأزعر
تدقيق: محمد حسان عجك