عندما ينفد غاز الهيدروجين من شمسنا بعد 5 مليارات سنة تقريبًا، ستتمدد لتصبح عملاقًا أحمر ما يؤدي إلى التخلص من طبقات البلازما الساخنة التي ستحرق الكواكب الداخلية، وكل ما سيبقى فقاعةٌ متوسعة من غاز بارد، ما يخلق سديمًا كوكبيًا جميلًا وقزمًا أبيض في المنتصف يلمع كألماس نجمي. ومع أننا نعلم أن هذا هو مصير الشمس بوصفها أقرب نجم لنا، فما الذي سيحدث للكواكب؟ ماذا سيحدث للأرض؟
لقد حاول علماء الفلك من جامعة وارويك بالمملكة المتحدة إجابة هذا السؤال، وتوصلوا إلى دليل ابتدائي لبقاء الكواكب التي تجد نفسها في هذا السيناريو القاتم. ومع إن مصير الأرض ليس واضحًا بالضرورة، فعندما يتعلق الأمر بالعيش مع نجم قزم أبيض، ستسود العوالم الصغيرة، وذلك حسب ما كشفته الدراسة التي نُشرت في المجلة الدورية للجمعية الفلكية الملكية المسماة (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society).
ولكن لماذا؟
نعلم بوجود كميات من الغبار تحيط بالأقزام البيضاء في كثير من أنظمة النجوم القزمة البيضاء، وعُثر على الغبار الذي يلوث الغلاف الجوي لهذه النجوم باستخدام القياسات الطيفية، والسبب هنا واضح، فقد امتلكت هذه الأنظمة النجمية في مدارها كواكب صخرية (إلى جانب الكويكبات والمذنبات) التي تمزقت إلى أشلاء وغبار بسبب التفاعلات المدّية الجذبوية بينها وبين القزم الأبيض.
نصف قطر الدمار
لماذا تمتزج أشلاء الكواكب في مدار القزم الأبيض؟
تحتوي هذه الأجسام النجمية الغريبة على كامل كتلة النجم الميت الذي أتت منه تقريبًا، ولكنها تنكمش لتشغل حيزًا بحجم كوكب الأرض فقط، ومع هذه الكثافة الشديدة يأتي مجال جاذبية وقوى مدّية كبيرة جدًا، وما يجعل الكواكب الضالة التي تطفو بالقرب من القزم الأبيض تخضع لقوة مد جذبوي قوية جدًا، خاصة على نصف الكوكب المواجه للنجم بتأثير أكبر من نصف الكوكب الآخر بكثير، وسيكون التفاعل الجذبوي بين الكواكب والقزم الأبيض كبيرًا لدرجة تؤدي إلى تمزيق هذه الكواكب إلى أشلاء حرفيًا.
يعتمد ذلك على مكونات الكوكب، وعلى مسافته من النجم المعروفة باسم نصف قطر الدمار المتمثلة بالحلقة المشؤومة من الغبار التي تحيط بالقزم الأبيض.
لنفهم مكان نصف قطر الدمار لمجموعة من الكواكب ذات الأحجام المختلفة، أجرى الباحثون محاكاة ديناميكية لكواكب مختلفة في مدار حول نجم شبيه بالشمس في أثناء موته مرورًا بمرحلة العملاق الأحمر نحو قزم أبيض، إذ ستؤدي هذه المرحلة العنيفة من حياة النجم إلى اضطراب مدار الكواكب المحيطة به، ما يؤدي إلى جرها إلى موتها المغبر أو حتى دفعها إلى مدارات أوسع.
اللزوجة هي كل ما في الأمر
من المثير للاهتمام أن الباحثين وجدوا حساسية الكوكب للقوى الجذبوية المدّية بينها وبين القزم الأبيض لا تتعلق فقط بالكتلة والتكوين، بل أيضًا بلزوجتها أي مقاومتها للتشوه، فالكواكب الخارجية منخفضة اللزوجة -أي التي تشبه باتساقها قمر زحل المسمى إنسيلادوس الذي يعد متجانسًا تقريبًا- ستنجر إلى هلاكها إذا وقعت ضمن نصف قطر التدمير بمقدار خمسة أضعاف من القزم الأبيض.
وعلى العكس، بوسع جسم عالي اللزوجة العيش براحة إذا دار حول القزم الأبيض في ضعف مدار تدميره.
اكتشف علماء الفلك مؤخرًا جسمًا كثيفًا من معدن ثقيل يوجد ضمن سحابة الغبار المحيطة بقزم أبيض، ويُعتقد أن هذا الجسم، الذي ليس أضخم بكثير من كويكب كبير، كان النواة المعدنية لكوكب أكبر دمرته قوى الجاذبية المدّية بينه وبين القزم الأبيض، تاركًا وراءه قلبه المعدني عالي اللزوجة.
ونظرًا إلى تطور البحث عن الكواكب الخارجية التي تدور حول نجوم أخرى، فسيمكننا هذا من رؤية المزيد من الكواكب في أنظمة الأقزام البيضاء، لذلك يأمل الباحثون أن تكون هذه المحاكاة دليلًا يساعدنا في فهم مكونات هذه الكواكب الخارجية.
لكن ماذا عن الأرض؟
مع أن هذه المحاكاة الديناميكية قدمت بعض الأفكار الرئيسية حول ما يتطلبه الأمر لتجنب الانجرار إلى الموت في سحابة من الغبار، فهي تحاكي الكواكب المتجانسة فقط، وعندما يتعلق الأمر بكوكبنا، تصبح المشكلة أكثر تعقيدًا.
يقول ديمتري فيراس المؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان الجامعة الصحفي المرافق للنشر: «مع أن دراستنا معقدة من عدة جوانب، لكنها تتعلق بالكواكب الصخرية المتجانسة بنيتها طوال الوقت، وستكون حسابات كوكب متعدد الطبقات مثل الأرض أكثر تعقيدًا، ولكننا ندرس إمكانية القيام بذلك أيضًا».
باختصار، من المفيد أن تكون الأرض ذات حجم صغير وقوي، وتتكون من معادن ثقيلة ليكون لها مدار دافئ حول قزم أبيض دون أن تنجر إلى الموت المحتوم.
بالنسبة لمصير الأرض فعلينا أن ننتظر ونرى. ولكن عمومًا لن نرغب بالوجود على الأرض عندما تتحول شمسنا إلى عملاق أحمر لأننا ببساطة سنحترق.
المثير للاهتمام أن الشمس ستصبح أسخن مما هي عليه الآن قبل مدة طويلة من انتهاء وقودها من الهيدروجين وانتفاخها إلى عملاق أحمر، وسيؤدي ذلك إلى إشعاع الكواكب الداخلية، ومن المرجح أن الرياح الشمسية القوية إلى جانب هذا ستزيل غلافنا الجوي، وتدمر بلا شك أي حياة متبقية في ذلك الوقت.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف اول ” قزم ابيض نابض ” في تاريخ الكون المرئي
ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب
تدقيق : محمد حسان عجك