قطرة ماء ترتفع فوق سطح عمود مجهري، صورها هوانغ وفريقه ونشرت في مجلة نيتشر فيزيكس في عام 2024.

إذا نثرنا بعض قطرات من الماء على مقلاة ساخنة جدًا، فسنراها وهي تنزلق وتقفز على السطح. هذه القطرات في الواقع تحلق في الهواء بالفعل.

إذا كان هناك سطح ساخن بما فيه الكفاية، فإن الحرارة ستبخر جانب القطرة الأقرب إليه، ما يخلق وسادة من البخار تحلق فوقها بقية القطرة. تعرف تلك الظاهرة باسم تأثير ليدنفروست leidenfrost effect، نسبة إلى الطبيب الألماني يوهان غوتلوب ليدنفروست الذي وثق هذه الظاهرة في القرن الثامن عشر.

توصل فريق من العلماء حاليًا إلى طريقة لخفض درجة الحرارة التي تقفز عندها تلك القطرات الصغيرة من الماء. فتمكنوا من صناعة سطح ذي تركيب مجهري خاص ينقل الحرارة إلى القطرات بفاعلية أكثر، وهو اكتشاف له تبعات قيمة على تطبيقات نقل الحرارة مثل آلات التبريد الصناعية، وأبراج التبريد النووي.

نشر الفريق البحث في مجلة نيتشر فيزيكس Nature Physics.

يقول مهندس الميكانيكا جينغتاو تشينغ من معهد فيرجينيا للعلوم التطبيقية وجامعة الولاية Virginia Polytechnic Institute and State University: «كنا نظن أن الأعمدة المجهرية micropillars ستغير سلوكيات هذه الظاهرة المعروفة، لكن نتائجنا تعدت ما كنا نتصوره. إن التفاعلات المرصودة بين الفقاعات والقطرات هي اكتشاف كبير لانتقال الحرارة بالغليان».

كنا نعلم عن تأثير ليدنفروست منذ بعض الوقت، ونفهم متغيراته جيدًا. يحتاج هذا التأثير إلى حرارة كافية كي يحدث، وحين نصل لها يشكل الماء بخارًا على الفور عند ملامسته للسطح الساخن، ولكن ليست حرارة شديدة فتتبخر قطرة الماء بأكملها في الحال.

يعود السبب وراء عدم تبخر الماء تمامًا عند درجات حرارة ليدنفروست هو أن نسبةً معتبرة من طاقة السطح الساخن تحول سطح قطرة الماء إلى بخار، بدلاً من نقل الطاقة كلها لداخل القطرة.

يتكون السطح الذي ابتكره تشينغ وزملاؤه من مئات الأعمدة متناهية الصغر التي يبلغ ارتفاعها حوالي 0.08 ملم، أي عرض شعرة الإنسان تقريبًا. تُرتب تلك الأعمدة على هيئة شبكة، وتفصل بينها مسافة حوالي 0.12 ملم، وتغطي قطرة الماء حوالي 100 عمود عند وضعها على ذلك السطح.

عندما يستقر الماء على السطح، تضغط الأعمدة على قطرة الماء، ما ينقل المزيد من الحرارة إلى الداخل، ويسمح ذلك للماء بالغليان بسرعة أكبر، وهذا يعني أنه يمكن ملاحظة تأثير ليدنفروست خلال زمن يقدر بالمللي الثانية، وفي درجات حرارة أقل بكثير مما يشاهد على سطح مستو مثل المواقد الكهربائية أو المقلاة.

كان الفريق قادرًا على تحفيز ظاهرة مصعد ليدنفروست بالفعل عند 130 درجة مئوية، وهو أقل بكثير من درجة حرارة قدروا أنها نموذجية لحدوث تلك الظاهرة في ظل هذه الظروف التي تبلغ 230 درجة مئوية .

من الخصائص الفريدة للماء أنه أداة ممتازة للتبريد، كذلك يغلي الماء ومن ثم يتبخر عند حوالي 100 درجة مئوية (تختلف القيمة قليلاً حسب الارتفاع). لا يمكن أن يبلغ الماء السائل درجة حرارة أعلى من نقطة الغليان هذه، لأنه يتحول حينها إلى بخار، لهذا السبب يمكن طهي الحساء في كيس بلاستيكي على النار، في هذه الحالة تنتقل الحرارة إلى الماء، الذي لا يمكن أن تتجاوز درجة حرارته درجة انصهار البلاستيك، لكن لا ينصح بتناول ذلك الحساء بسبب نفاذ مواد كيميائية ضارة بالصحة من كيس البلاستك في أثناء تسخينه.

يقول الباحثون إن السطح المصنوع من الأعمدة المجهرية يوفر آلية نقل حرارة أكثر كفاءة التي قد تكون أكثر أمانًا من تقنيات تبريد المياه المستخدمة حاليًا، ما يساعد على منع وقوع حوادث خطيرة مثل الانفجارات الناجمة عن ضغط بخار الماء.

يقول المهندس وينغ هوانغ Weng Huang من جامعة فرجينيا للتكنولوجياVirginia Tech: «تحدث الانفجارات البخارية عندما تتمدد فقاعات البخار داخل السائل بسرعة بسبب وجود مصدر قريب شديد الحرارة. نرى ذلك الخطر وبشكل خاص ووثيق الصلة في المحطات النووية، حين يمكن للبنية السطحية للمبادلات الحرارية أن تؤثر على نمو فقاعة البخار، الذي قد يؤدي بالتالي إلى حدوث مثل هذه الانفجارات».

ويتابع هوانغ حديثه قائلًا: «من خلال بحثنا المقدم، فإن دراستنا النظرية ترشدنا لفهم الكيفية التي يؤثر بها البناء التركيبي للسطح على طريقة نمو فقاعات البخار، ما تتيح رؤىً قيمة للتحكم في مخاطر الانفجارات البخارية وتخفيفها».

اقرأ أيضًا:

علماء يبتكرون طريقة جديدة لغلي الماء دون استهلاك الكثير من الطاقة

نوع جديد من المواد المنفرة للماء يجعل قطرات الماء تقفز

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: جعفر الجزيري

المصدر