منذ سبعينيات القرن الماضي، أصابت دودة طفيلية الأسماك والحبار والحيتان والدلافين وامتدت الإصابات لتطال البشر، وارتفعت أعداد الإصابات حول العالم لتصل إلى 283 ضعفًا، وفق تحليل تجميعي صدر حديثًا. لا تُعدّ هذه الزيادة ظاهرةً عاديةً، لكنها توارت عن أعين الباحثين لصغر حجم الطفيليات واتساع حجم المحيطات، وما زال سر انتشارها الهائل وآثارها على المدى الطويل مجهولًا لدى الباحثين.
يُعرف هذا الطفيلي باسم (دودة الرنجة)، وقد ينتقل إلى البشر مختبئًا في وجبة بحرية نيئة، فيسبب أعراضًا مشابهة لحالات التسمم الغذائي الشديدة.
قد يعرقل انتشار الطفيلي الواسع حركة صناعة صيد الأسماك، ومع ذلك فإنه يشكّل تهديدًا كبيرًا على الثدييات البحرية كالدلافين والحيتان التي ستعاني الطفيلي سنوات، لا سيما أنها لا تمتلك كالبشر طهاةً مختصين بمعالجة طعامها البحري وتنظيفه من الطفيليات.
تنصح عالمة الأحياء المائية تشيلسي وود المستهلكين بعدم القلق؛ فهي نفسها ستواصل تناول السوشي بانتظام طالما لم تلاحظ مؤسسات صناعة صيد الأسماك انتشار الطفيلي في منتجاتها، وعليه فإن خطر إصابتنا بهذا الطفيلي ضئيل خلافًا للثدييات البحرية، تقول وود: «نستبعد غالبًا أن تعوق هذه الطفيليات تكاثر بعض الثدييات البحرية وتكون السبب في فشل عودة أعدادها الطبيعية، وآمل أن تشجع هذه الدراسة الباحثين على اعتبار الطفيليات المعوية عائقًا محتملًا لنمو الكائنات البحرية المهددة بالانقراض».
ما زال تأثير انتشار الطفيلي الواسع في الثدييات البحرية مجهولًا، ولكن بناء على صحة الإحصائيات فإن احتمال إصابة رتبة الحوتيات بالعدوى تجاوز ما كان عليه قبل نصف قرن.
وجد الباحثون بعد تحليل 123 ورقة بحثية زيادةً مذهلةً في أعداد ديدان الرنجة خلال مدة تمتد ثلاثة وخمسين عامًا منذ 1962 حتى 2015، يفسر الباحثون هذه الزيادة بقولهم: «وسطيًا كنا نجد أقل من طفيلي واحد في كل مئة مضيف وأصبحنا نجد أكثر من طفيلي في كل مضيف».
كان نطاق هذه الدراسة أكبر من إيجاد العامل المسبب لانتشار الطفيلي الهائل، لكن وود خمنت سبب ما يحدث، وقالت لصحيفة ساينس أليرت: «أظن أن هذا الانتشار يتعلق بالتحسينات التي أدخلناها حفاظًا على الحياة البحرية، فدراستنا تتزامن تزامنًا وثيقًا مع إصدار مجموعة تشريعات مهمة تتعلق بالحياة البحرية، كقانون حماية الثدييات البحرية الصادر عام 1972، وقانون تعليق صيد الحيتان التجاري الصادر في الثمانينيات عن وكالة صيد الحيتان العالمية».
من الغريب أننا لا نجد ازديادًا في كل أنواع طفيليات الثدييات البحرية؛ إذ وجد الباحثون أن طفيليًا مشابهًا يُدعى سودوتيرانوفا Pseudoterranova يصيب أسود البحر وأنواعًا أخرى من الفقمات حافظ على ثبات انتشاره خلال الفترة الزمنية ذاتها.
تقول وود إنهم توقعوا صحة العكس اعتمادًا على تزايد أعداد الفقمات وأسود البحر في السنوات الأخيرة وما يقابلها من نقص أعداد الحيتان. وعللوا ارتفاع أعداد ديدان الرنجة بتفسيرات محتملة، كدورة حياتها التي تنطوي على المرور بعدد أقل من المضيفين، ولياقة الحيتان مقارنةً بالفقمات.
تكمن المشكلة في عدم امتلاكنا مرجعًا زمنيًا يوضح لنا آلية انتشار الطفيلي الطبيعية، فتزايد عدد ديدان المحيط قد يكون مؤشرًا على ازدهار النظام البيئي، وربما يمثل تهديدًا متزايدًا للكائنات المهددة بالانقراض (كدلافين هيكتور-Cephalorhynchus hectori)، والدراسات الوحيدة المتاحة للتحليل تعود إلى تاريخ قريب، وقد أثر البشر في المحيطات تأثيرًا جذريًا خلال هذه الفترة.
هذا يقودنا إلى التساؤل: هل ازدادت أعداد ديدان الرنجة استجابةً للتأثيرات البشرية كصيد الأسماك والتلوث وتغير المناخ، أم أنها تعاود التكاثر لتصل إلى أعدادها الطبيعية بجوار الكائنات البحرية المضيفة؟
لا نملك إجابةً حاسمةً في الوقت الراهن؛ فنحن بحاجة إلى المزيد من البحث، والتفسير الأقرب للواقع كما تظن وود هو أن بعض الثدييات البحرية تتمتع بصحة جيدة، وعليه فإن تزايد أعداد الطفيليات سيكون على حساب الكائنات الأضعف التي تواجه احتمالًا أكبر للإصابة.
كتب بعض الباحثين: «هذه قصة نوعين فقط من ملايين الطفيليات الموجودة، ونشجع الآخرين على تتبع تغيرات المجموعات المتنوعة من الطفيليات البحرية باستخدام علوم البيئة التاريخية، حينها ستتوفر لدينا البيانات التي تشير إلى احتمالية مواجهة المحيطات “موجةً متزايدةً” من الأمراض البحرية».
تنتشر ديدان الرنجة في القطب الشمالي حيث نفتقر إلى البيانات طويلة المدى، ولا نجد بيانات تتعلق بأشهر الطفيليات وأمراضها. لن نستطيع توقع تغيرات هذا المرض مع مرور الوقت ونحن نجهل بدايته واتجاه حركته، وبذلك يخرج توسع انتشار ديدان الرنجة عن سيطرتنا. مع أنها كارثة لن تمس البشر مباشرةً، قد يطالنا أثرها يومًا.
تختم وود بقول: «هناك العديد من الأمراض الأخرى التي تهدد البشر لنقلق بشأنها، لا سيما في وقتنا الحالي، والأضرار الناتجة عن ديدان الرنجة ضئيلة، لا يمكننا تجاهلها بالتأكيد، لكن علينا توجيه انتباهنا للأسوأ».
اقرأ أيضًا:
أدمن على السوشي فدخل المستشفى، هذا ما كان يعاني منه
الأطعمة التي غالبًا ما تسبب المرض وفق مراكز السيطرة على الأمراض
11 من الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان
ترجمة: رضوان مرعي
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: رزان حميدة