ما مدى نموذجية نظامنا الشمسي؟ يشغل هذا السؤال تفكير علماء الكواكب كثيرًا. إن اكتشاف سمات مشابهة لنظامنا الشمسي في أنظمة نجمية أخرى هو أمر بالغ الصعوبة، ومع ذلك لاحظ علماء الفلك قريبًا إحدى هذه السمات، إذ اكتشفوا ما يشبه حزام كويبر Kuiper belt الموجود في نظامنا الشمسي، يدور حول نجم يبعد 320 سنة ضوئية.
وفقًا للعلماء القائمين على هذا الاكتشاف، فإن هذا هو أول كشف استقطابي polarimetric detection للحلقة الداخلية التي تدور حول النجم HD 141569A، وهو يكشف تفاصيل جديدة عن مرحلة حاسمة من تطور الكواكب.
النجم HD 141569A هو نجم مثير للاهتمام وقد دُرس في عناية، ويرافقه قزمان أحمران في نظام ثلاثي trinary system. يبلغ عمر هذا النجم 5 ملايين سنة فقط، وتبلغ كتلته نحو 3 أضعاف كتلة الشمس، ويُعَد طيفيًا من النوع الأزرق، وهو حار جدًا وساطع.
سنة 1999 اكتُشف قرص حول هذا النجم الشاب، مع حلقتين في مدى 220 و360 وحدة فلكية astronomical units على التوالي، وهي بقايا المواد التي تجمعت وتراكمت حول النجم في أثناء تكونه، ومع مرور الوقت، تتجمع بعض هذه البقايا مكونةً الكواكب.
تشير الفجوة بين الحلقتين في قرص النجم HD 141569A إلى كوكب في طور التكون، وهو يجذب المواد الموجودة في مداره.
يشبه هذا حزام كويبر في نظامنا الشمسي، إنه بقايا القرص المتراكم حول الشمس عندما تكونت منذ 4.6 مليار سنة، وهو حزام ممتلئ بالحطام الثلجي خلف مدار نبتون، ويُعَد بلوتو -الذي يبعد 39.5 وحدة فلكية- جزءًا من حزام كويبر.
قرب نهاية عملية تراكم الكوكب، يتكون ما يعرف بقرص الحطام debris disc، الذي يمتد لمئات الوحدات الفلكية، ويُعد القرص حول النجم HD 141569A هجينًا hybrid؛ أي أنه في مرحلة انتقالية بين قرص كوكبي أولي protoplanetary disc وقرص الحطام.
إن الأقراص الهجينة فرصة مبهرة لعلماء الكواكب؛ إذ تمكنهم من دراسة كيفية تكوّن كواكب الغاز العملاقة، وكيفية تفاعل الكواكب المتكونة مع الغاز والغبار في القرص.
بدراسة الإشعاع الكهرومغناطيسي المتناثر والملتوي القادم من النطاق المحيط بالنجم HD 141569A، تمكن فريق من علماء الفلك بقيادة جوان سيباستيان بروزون Juan Sebastian Bruzzone من جامعة ويسترن أونتاريو في كندا، من تصوير حلقة مشابهة لحزام كويبر، على بعد 44 وحدة فلكية من النجم. وقد وجدوا، ليس فقط دليلًا على تكوّن الكواكب، بل على وجود بنية حلقية أخرى في القرص بالقرب من النجم.
لقد وجدوا تحديدًا ظاهرةً لم تُشاهَد من قبل إلا في عدد محدود من أقراص الكواكب الأولية، وهي ذراع حلزوني spiral arm، يتضمن الحلقتين الخارجيتين لـ HD 141569A، ويُعَد ذلك دليلًا على وجود كوكب في طور التكون، وبناءً على خصائص هذا الذراع استنتج العلماء أن الكوكب سيكون له نفس كتلة المشتري أو أصغر قليلًا.
قارن الفريق بين الانبعاثات الملحوظة والنماذج النظرية، لمحاولة تحديد نوع الغبار الذي أنتجها، لكن حتى باستخدام أدق النماذج، وُجدت انبعاث لم يستطيعوا تفسيرها.
لكنهم وجدوا الحل بإضافة الحلقة الأقرب من النجم إلى الحسابات، فوجود الحزام على مسافة 5-15 وحدة فلكية يفسر بدقة وجود هذه الانبعاثات.
إلى جانب أن تحقيق مثل هذا الاكتشاف هو أمر مدهش في ذاته، بإمكانه أيضًا أن يخبرنا الكثير عن كيفية تكون الكواكب، وهذا بدوره سيقودنا للمزيد من الفهم لنظامنا الشمسي، ومدى تفرده، وكيف وصل إلى ما هو عليه الآن.
كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «بالنظر إلى البيانات التي التقطتها وسائل رصد أخرى أخرى عالية التباين، يتكوَّن قرص الحطام الخاص بالنجم HD 1415169A من 3 حلقات متداخلة على الأقل، ربما كانت 4، لكن الواضح هو وجود بناء حلزوني يميز 3 منها، وهذه فرصة ممتازة لدراسة الأقراص النجمية مضطربة الحركة».
اقرأ أيضًا:
ترجمة: رؤى درخباني
تدقيق: أكرم محيي الدين
