وأخيرًا توجد أخبار سارة حول جهود تطوير أدوية تعالج البدانة، إذ اكتشف العلماء من جامعة فيرجينيا 14 مورثةً تسبب البدانة وثلاث مورثات أخرى تمنعها. تساعد هذه الاكتشافات على محاربة مشكلة صحية تؤثر في أكثر من 40% من الأمريكيين البالغين.
تقول إيلين أُورورك من جامعة فيرجينيا للفنون والعلوم من قسم علم بيولوجيا الخلية ومركز روبرت م. بيرن للأبحاث القلبية الوعائية في مدرسة الطب: «نعلم بوجود مئات المورثات المختلفة التي من المرجح أن تظهر لدى الأفراد الذين يعانون البدانة والأمراض الأخرى. لكن لا يعني مصطلح (من المرجح أن تظهر) أنها تسبب هذا المرض. تمثل هذه الحيرة حاجزًا كبيرًا في استثمار طاقة علم السكان الوراثي في تحديد أهداف للعلاج من البدانة أو الشفاء منها.
بهدف تجاوز هذا الحاجز، طوّرنا مجرى مؤتمت نفحص فيه مئات المورثات في نفس الوقت بحثًا عن دور مسبّب لها في البدانة. وكشفت لنا الجولة الأولى من التجربة أكثر من عشر مورثات تسبب البدانة وثلاث مورثات أخرى تمنعها. نأمل أن طريقتنا والمورثات الجديدة المكتشفة ستسرع من تطوير علاجات تخفف من ثقل البدانة على المجتمع».
البدانة ومورثاتنا
يساعد البحث الجديد لأُورورك على تسليط الضوء على التداخلات المعقدة للبدانة والحمية الغذائية وحمضنا النووي. لقد تحولت البدانة إلى جائحة، تقودها بصورة رئيسية النظم الغذائية الغنية بالسعرات الحرارية والمشبعة بالسكر ومصل الذرة الغني بالفركتوز. إضافةً إلى أن نمط الحياة الحضري يؤدي دورًا كبيرًا في انتشار البدانة. لكن تمارس مورثاتنا أيضًا دورًا مهمًّا عبر تنظيم مخازن الدهون والتأثير في درجة حرق أجسادنا للطعام بمثابة وقود. لذا في حال تمكنا من تحديد الجينات التي تحول فائض الطعام إلى دهون، نستطيع السعي إلى تثبيطها وقطع العلاقة بين تناول الطعام الزائد والبدانة.
تمكن علم المورثات من تحديد مئات المورثات المتعلقة بالبدانة – بما معناه تحديد المورثات الأكثر شيوعًا والأقل أيضًا في الظهور لدى الأشخاص البدينين مقارنةً بذوي الوزن الصحي. لكن يبقى التحدي في تحديد أي المورثات تمارس دورًا سببيًّا في التحريض المباشر في كسب الوزن أو المساعدة على منع اكتسابه. وبهدف فصل الصالح عن الطالح من الجينات السببية عن مئات الجينات الأخرى المكتشفة، لجأت أُورورك وفريقها إلى ديدان صغيرة تسمى الربداء الرشيقة C. elegans. تميل هذه الديدان الصغيرة إلى العيش في الخضراوات العفنة وتستمتع بتناول الميكروبات. مع هذا، تشاركنا هذه الديدان أكثر من 70% من مورثاتنا، ومثل البشر، تصبح بدينة في حال تناولت كمية مفرطة من السكر.
قدّمت الديدان بالمجمل فوائد جمة للعلم. إذ قد استُعين بها في إزالة الغموض عن آلية عمل بعض الأدوية الشائعة، بما فيها مضاد الاكتئاب (بروزاك) وضابط الجلوكوز (ميتفورمين). وبصورة مثيرة أكثر للإعجاب، مُنحت ثلاث جوائز نوبل في الـ 20 سنة الفائتة نتيجة اكتشاف آليات خلوية شوهدت أول مرة في الديدان اتضح فيما بُعد دورها المهم في أمراض مثل السرطان والتنكس العصبي. إضافةً إلى الدور الرئيسي الذي مارسته الديدان في تطوير علاجات مبنية على تكنولوجيا الـ RNA.
استخدمت أورورك ومعاونوها -في عمل جديد نُشر في مجلة وراثيات PLOS العلمية- الديدان لفحص 293 مورثةً متعلقة بالبدانة عند البشر، بهدف تحديد أي المورثات تسبب البدانة وأيها تمنعها. أُجريت هذه التجربة بتصميم نموذج من الديدان البدينة، أُطعم إحداها نظامًا غذائيًّا معتادًا بينما أُطعم الآخر نظامًا غذائيًّا غنيًّا بالفركتوز.
سمح نموذج البدانة هذا المقرون بالأتمتة والفحص المساعد بنظام تعلم آلي مشرف بتحديد 14 مورثةً تسبب البدانة وثلاث مورثات أخرى تمنعها. واكتشف العلماء أنه عند تثبيط تأثير المورثات الثلاث المانعة لتطور البدانة عاشت الديدان عمرًا أطول وتمتعت بوظيفة عصبية حركية أفضل. تمثل هذه النتائج الفوائد التي يسعى مطورو الأدوية إلى الحصول عليها من الأدوية المضادة للبدانة.
لا شك أننا نحتاج إلى المزيد من العمل للحصول على هذه الفوائد. لكن يقول الباحثون إن المؤشرات مشجعة، إذ أدى منع تأثير إحدى المورثات عند فئران المختبر إلى إيقاف كسب الوزن وتحسين الحساسية للإنسولين وخفض مستوى سكر الدم. تبشر هذه النتائج -إضافةً إلى حقيقة أن مورثات الدراسة قد اخُتيرت بسبب ارتباطها بالبدانة عند البشر- بإمكانية تطبيقها على البشر أيضًا.
تقول أُورورك: «نحتاج بعجلة إلى العلاجات المضادة للبدانة بهدف خفض حملها الثقيل على المرضى ونظام الرعاية الصحية. يتعهد نظامنا في الدمج بين علم المورثات البشرية والفحوص السببية في النماذج الحيوانية في تقديم أهداف مضادة للبدانة من المرجح بشدة أن تنجح في التجارب السريرية بسبب زيادة فعاليتها المتوقعة وآثارها الجانبية المنخفضة».
اقرأ أيضًا:
هل البدانة معدية بين المراهقين؟
هل يوجد ارتباط بين البدانة والخرف؟
ترجمة: يونس الجنيدي
تدقيق: لبنى حمزة
مراجعة: نغم رابي