اكتُشف حديثًا في الدراسات المخبرية هرمون قادر على تقوية العظام بصورة ملحوظة، ما قد يسهم مستقبلًا في تطوير أساليب علاجية جديدة لعلاج ترقق العظام وكسورها. استنادًا إلى هذا الاكتشاف، فإن هذا الهرمون الجديد قد يحل لغزًا بيولوجيًا طويل الأمد.
يصعب إثبات اكتشاف هرمون جديد. ذلك لكون الهرمونات إشارات كيميائية توجه وتنظم وظائف الأعضاء والسلوك وتستهدف الأعضاء البعيدة عبر مجرى الدم غالبًا. وفقًا لهولي إنجرام، أستاذة علم الأدوية الخلوية والجزيئية في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، المؤلفة الرئيسة للدراسة، يجب التحقق من منشأ الهرمون والأنسجة التي يؤثر فيها، فضلًا عن التحقق من احتمال إيجاده في الأوعية الدموية.
بحسب الدكتور سنديب خوسلا الطبيب في عيادة مايو الصحية في روشستر مينيسوتا، غير المشارك في الدراسة: «معظم الهرمونات قد اكتُشفت سابقًا. على هذا، فإن اكتشاف هرمون جديد هو أمر نادر، إضافةً إلى أن العلماء قد قدموا حجة مقنعة إلى حد ما تفيد بأن الهرمون المُكتشف هو –بالفعل- هرمون».
وفقًا للدراسة الجديدة، فإن العلماء قد اكتشفوا هذه المادة في الثدييات متضمنةً البشر، لكنهم لم يدركوا أن تلك المادة هي هرمون، في حين تُظهر الدراسة الجديدة أن المادة الكيميائية التي أطلق عليها الباحثون هرمون دماغ الأم تنتقل من الدماغ إلى الخلايا المكونة للعظام ما يساعد على بناء العظام.
يبدأ بناء العظام بعد حدوث الحمل، وذلك عند انخفاض مستوى هرمون الإستروجين وازدياد حاجة الجسم إلى الكالسيوم ترافقًا مع بدء إنتاج الحليب تهيئًا لعملية الرضاعة. يقوي هرمون الإستروجين عادةً العظام ويحميها من تناقص الكالسيوم بداخلها. على هذا، فإن حفاظ العظام على متانتها وقوتها خلال فترة الحمل واستعادة قوتها بعد الفطام ما زال أمرًا محيرًا.
وفقًا للدكتور خوسلا: «إن اكتشاف هذا الهرمون الجديد يُعد إضافةً جديدة لعلم الأحياء الذي كان مجهولًا في السابق». بيّن الباحثون أن الهرمون الجديد يستطيع أيضًا تعزيز نمو العظام لدى الذكور، ما يشير إلى عدم اقتصار فوائده على فترة ما بعد الولادة لدى الإناث.
بحسب إنجرام: «يُعد الهرمون الجديد ذا فوائد متساوية للجنسين، إذ أظهر فعاليته في تعزيز العظام والخلايا الجذعية الهيكلية لدى كل من الإناث والذكور، إذا تمكنّا من تطويره إلى علاج. على هذا، يستطيع الهرمون نظريًا تسريع عملية التئام الكسور وعلاج هشاشة العظام، فضلًا عن الوقاية من انخفاض كثافة العظام المبكر الناتج من تناول بعض الأدوية».
البحث عن هرمون جديد:
تستند الدراسة الجديدة إلى بحث أُجري على الفئران عام 2019، إذ وجدت إنجرام وزملاؤها من خلال الدراسة طريقة لتعزيز كثافة العظام وقوتها بنسبة تصل إلى 800%. تلك الطريقة ذات النسبة المرتفعة يظهر تأثيرها في وسط خلايا الوطاء في الدماغ التي تُعد منشأ الهرمونات.
إن تثبيط تأثير هرمون الإستروجين في خلايا محددة في منطقة ما من الوطاء يحفز نمو العظام. أظهرت هذه الطريقة فعاليتها لدى الفئران الإناث فقط دون الذكور، ما وجه الباحثين إلى احتمالية اقتصار هذه الطريقة على الإناث فقط.
افترض الباحثون أنه عند تثبيط تأثيرات هرمون الإستروجين في الجسم، فإن هذه الخلايا في دماغ الإناث تحفز الجسم بطريقة ما لتوجيه طاقة الجسم إلى العظام النامية. يكمن السؤال الأساسي في كيفية نشر الخلايا لهذه الأوامر، إذ تهدف الدراسة إلى البحث عن جزيء ينتقل في مجرى الدم لينقل الهرمون.
وصفت إنجرام صعوبة هذه المهمة بالبحث عن إبرة في كومة قش. يُعزى ذلك إلى وجود الهرمونات بكميات ضئيلة في مجرى الدم.
أكد فريق البحث بدايةً وجود الهرمون في مجرى الدم لدى فئران التجارب، بعد تثبيط هرمون الإستروجين لديهم، ما يزيد من ثخانة عظامهم، في حين أظهرت الفئران الطبيعية التي حُقنت بدم من الفئران المعدلة نموًا هائلًا في عظامهم. على هذا، فقد زرع الباحثون خلايا جذعية لنمو العظام إضافةً إلى عظام كاملة في أجزاء مختلفة من الفئران المعدلة، نتج عن عمليات الزرع تلك نموًا ملحوظًا في العظام، ما يشير إلى أن الهرمون كان قويًا ومنتشرًا على نطاق واسع.
راقب الباحثون نشاط الجينات في منطقة الوطاء ووجدوا أن جينًا محددًا في هذه الخلايا كان نشطًا للغاية في الفئران التي تتمتع بحجم عظام كبير وهو الجين (CCN3)، الذي يرمّز التعليمات لبروتين هرمون دماغ الأم الذي اقترح الباحثون تسميته أخيرًا.
لم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة مزيد من المعلومات فيما يخص بروتين (CCN3) الذي لم يكن معروفًا سابقًا بأنه هرمون. وفقًا لإنجرام فقد كانت تعتقد بأن هذا الهرمون يعمل موضعيًا فقط ولا يدخل الدورة الدموية. مع ذلك، أشارت تجارب الباحثين إلى أن هذا البروتين هو نفسه الهرمون الذي كانوا يبحثون عنه ويحاولون إثبات وجوده.
تعطي الهرمونات التي تنشأ من الوطاء إشارات للغدة النخامية التي تُعد منشأ الهرمونات الرئيسية في الجسم والمرتبطة بقاعدة الدماغ. بحسب خوسلا فإن الغدة النخامية تنقل عادةً الأوامر من الوطاء إلى جميع أنحاء الجسم، لكن في هذه الحالة، فإن الهرمون الذي يُنتج في منطقة الوطاء ينتقل مباشرةً إلى العظام.
أظهر فريق البحث أيضًا قدرة الهرمون المعزز للعظام على تسريع التئام الكسور لدى الفئران الأكبر عمرًا.
صرحت إنجرام: «فوجئت عندما رأيت بيانات التئام الكسر ما جعلني أُدرك أن هذا لا بد أن يكون حقيقيًا، إنه أمر مذهل سرعة شفاء والتئام الكسور لدى تلك الفئران الكهلة».
كشف العلماء أنه في فترة ما بعد الولادة يرتفع مستوى هرمون (CCN3) طبيعيًا في أدمغة الفئران الإناث. في حال تثبيط هذه الزيادة، فإن عظام الفئران تضعف بسرعة مع استمرار إفراز الحليب. يؤكد خوسلا أن هذه الزيادة في مستوى هرمون (CCN3) ما تزال بحاجة إلى دراسة أعمق لتأكيد تأثيرها في البشر، لكن بيانات الفئران تشير إلى أن هرمون (CCN3) هو حجر الأساس للحفاظ على قوة العظام في أثناء الرضاعة الطبيعية. لكن في الوقت الحالي، ليس واضحًا كيفية تفعيل هذا الهرمون في الدماغ البشري.
تضيف إنجرام: «لا نعلم حتى الآن ما الذي يحدث في فترة ما بعد الولادة وما الذي يحفز إفراز هذا الهرمون في الدماغ وفي الخلايا العصبية. إنه لغز سيستغرق مزيدًا من البحث لكشفه، وقد يكشف البحث عن هرمونات أخرى».
اقرأ أيضًا:
انخفاض هرمون التستوستيرون لدى النساء: الأسباب والأعراض
هرمون الحب الأوكسيتوسين قد يساعد الآباء على التواصل مع أطفالهم الصغار
ترجمة: رهف وقاف
تدقيق: ريمي سليمان