معظم النساء يمرُرْن بسن اليأس، ولكن أغلب الحيوانات لا تمرّ به وتستمرّ أعضائها التناسلية بالعمل حتّى مماتها، فنحن والحيتان حالاتٌ شاذةٌ.
الحيتان البيضاء وكركدن البحر هي آخِر إضافاتٍ للثديات التي تمرّ بسن اليأس، كما قال مجموعة من العلماء في يوم الإثنين المُصادف 27 أغسطس في دورية Scientific Reports.
وهذا يجعل عدد الأنواع التي تعاني من سن اليأس خمسة: هذين الحوتين والحوت القاتل والحيتان قصيرة الزعانف ونحن.
في هذا المجال ومن المنظور التطوريّ للحياة، يُعَد البقاء والتكاثر الغرضين الرئيسيين في الوجود، فقد قال سام إيليس الذي يدرس سلوك الحيوان في جامعة اكسيتر في بريطانيا: «من الغريب للغاية عدم استمرّار التكاثر».
وهذا هو السبب الذي دفع إيليس وزملاءه للبحث عن الكائنات المميزة التي تملك تلك السمة البيولوجية غير الاعتيادية.
لا توجد هنالك أوّليات أخرى غير بشريّةٍ تمرّ بسن اليأس، إذ يمكن لأقاربنا من الأوّليات أن يحملوا حتّى نهاية عمرهم، لكنّ أعضاءهم التناسلية ستتباطأ بالتزامن مع بقية أعضاء أجسامهم.
قال جيمس هيرندون وهو الباحث المتقاعد في سلوك الشمبانزي في جامعة إيموري: «يبقى الشمبانزي فعالًا من حيث التكاثر في معظم حياته».
ويشير بحثه عن الشمبانزيات المقيّدة عام 2012 أنّ أنثى الشمبانزي تمرّ بسنّ اليأس في السنوات الأخيرة من حياتها فقط، ولكنّ غالبًا ما تمرّ النساء بسن اليأس بين سن الـ 45 و55 ومن الممكن أن تعيش لعقودٍ أطول.
ركّز مؤلفو البحث الجديد – في جامعة اكسيتر ويورك بالتعاون مع مركز بحوث الحيتان – على الحيتان المسنة، وعلموا أنّ الحوت القاتل المسن يمرّ بسن اليأس بالاعتماد على أربعة عقودٍ من البحوث، فقد بحثوا في البيانات التشريحية لـ 16 نوعًا من الحيتان المرتبطة.
وقد جمع باحثون آخرون أوصافًا تشريحيةً للحيتان الميتة التي تمّ تشريحها بعد معاناتها من بعض الأحداث كالجروح الكبيرة، وتمكّنوا من معرفة أعمار الحيتان من خلال بعض المعالم كالأسنان، وكما يظهر تحليل مبايض الحيتان الحالة التكاثرية للحيوان – ففي كل مرة تطلق أنثى الحوت بيضةً تترك خلفها ندبةً دائمةً في المبيض -.
وأضاف إيليس: «إذا حصلت على هذه المعلومات للحيتان كلها، ستتمكن من الحصول على علاقةٍ بين النشاط في المبيض والعمر».
أظهرت العلاقة أنّ أنثى الحوت الأبيض وأنثى كركدن البحر تتوقف عن الإباضة في الستينات أو السبعينات من عمرها، أما الحيتان المسنة الأخرى – مثل حوت العنبر – بقيت خصبةً.
لسن اليأس شرطان تطوّريان كما قال إيليس: «يجب عليك العيش لفترةٍ طويلةٍ أولًا ومن ثم عليك التوقف عن التكاثر في نهاية حياتك».
من الممكن أن تكون الجدات هي المفتاح لسن اليأس، إذ أظهرت الدراسات الأنثروبولوجية في نهاية سبعينات وثمانينات القرن الماضي أنّ سن اليأس أمرٌ شائعٌ لدى النساء حول العالم ومن ضمنها القبائل الحديثة المعتمدة على الصيد وجني الثمار.
كانت عالمة الأنثروبولوجيا كريستين هوكس في جامعة يوتاه واحدةً من مؤلفي هذا البحث الذي يسمى بـ (فرضية الجدة).
في هذه الفرضية تساعد المرأة الطاعنة في السن أحفادها لينجحوا، وبعد سن اليأس – أي عندما تصبح غير قادرةٍ على التكاثر – تكرّس وقتها وخبرتها التراكميّة لمساعدة أحفادها، لذا هوكس تراهن على أنّ سبب تطوّر طول العمر المتزايد في سلالتنا يعود إلى تأثير الجدة.
من الصعب دراسة سلوك أنثى الحوت الأبيض وأنثى كركدن البحر في موطنهما الأصلي في البحار الشمالية الباردة البعيدة.
قال عالم البيئة رودريك هوبس الذي درس الحيتان البيضاء في آلاسكا وروسيا والذي لم يكن ضمن البحث الحالي هذا: «فيما يخص الحوت الأبيض فقد وثقنا فترة الأمومة خلال السنين الأولى بصورةٍ جيدةٍ، أمّا فيما يخص الهيكل الاجتماعي فهو غير معروفٍ تمامًا».
وضّحت هوكس بالنسبة لهذه الحيتان: «يبدو أنّ وجود نوعٍ من تأثير الجدة هو أمر محتمل، ولكن ما هو؟»، وقد أشارت إلى دراسةٍ أخرى جرت على الحوت القاتل والتي وجدت أنّ أمهات الحيتان القاتلة تشارك السلمون مع أبنائها الأكثر نضجًا، أي يتزاوج الأبناء هؤلاء في مكانٍ آخرٍ، حيث أنّ المساعدة التي تعطيها الأمهات إلى أبنائها البالغين ستنتج المزيد من الأحفاد.
أظهر البحث الجديد أنّ سن اليأس قد تطوّر ثلاث مراتٍ بصورةٍ مستقلّةٍ في الحيتان المسنة، مرةً في الحيتان القاتلة ومرةً في الحيتان ذات الزعانف الصغيرة ومرةً أخرى في السلف المشترك للحوت الأبيض وكركدن البحر.
يعتقد إيليس أنّ البنية الاجتماعية لهذه الحيتان متشابهةٌ، ولا توجد أيّ دراسةٍ على الحيتان البيضاء بمنظورٍ متعدد الأجيال، كما قال هوبس: «إنّ الإناث ما بعد التكاثر تساهم في نجاح أحفادها».
وأضاف إيليس: «إنّ البشر بعيدون كل البعد عن الحالة السلفيّة التي تطوّروا منها، حيث إنّهم غير معرّضين لضغوط الانتخاب التي فُرِضت على البشر الأوائل، ولكنّ هذه الحيتان تعيش في البيئة والمجموعات التي عاش فيها أسلافها قبل ملايين السنين».
فإذا تمكّنا من فهم سبب حدوث سن اليأس عند الحيتان، رُبَّما سنتمكن من فهمه على أنفسنا بصورةٍ أفضل.
- ترجمة: سنان حربة.
- تدقيق: رند عصام.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر