ذكرت دراسة جديدة في علوم الأرض اكتشاف نظام نهر قديم لم يرَ الضوء منذ 14 مليون سنة على الأقل تحت الغطاء الجليدي في شرق القارة القطبية الجنوبية.
استخدم ستيوارت جاميسون؛ عالم الجليد في جامعة دورهام وزملاؤه بيانات الرادار والأقمار الصناعية التي تخترق الجليد لرسم خريطة لملامح التضاريس المخفية تحت الغطاء الجليدي في شرق القارة القطبية الجنوبية، من أجل فهم أفضل لكيفية تقلب الصفائح الجليدية بمرور الزمن.
غالبًا، تقع الطبقة الجليدية الشرقية للقارة القطبية الجنوبية؛ التي تُعد أكبر طبقة جليدية على وجه الأرض، عند قاعدة صخرية فوق مستوى سطح البحر، لكنها ليست مستقرةً مثلما اعتقد العلماء سابقًا.
بينما يتجه كوكبنا مباشرةً في طريقه نحو ارتفاع درجة حرارة أكثر من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، قد يضيف نظام نهر إيس EAIS حوالي 0.5 متر من ارتفاع مستوى سطح البحر سنويًا، إضافةً إلى ذوبان الجليد بحلول عام 2100.
إن استجابة الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي للاحتباس الحراري هو أكبر عامل غير معروف، ومع ذلك قد يكون أكبر مساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر في المستقبل. لهذا السبب يعمل العلماء لرسم خريطة لقاع نهر إيس وتطوير نموذج مستقبلي له، إلى جانب ما يحمله مستقبل الصفائح الجليدية الأخرى.
يقول مات كينج؛ العالم القطبي في جامعة تسمانيا ومؤلف دراسة النمذجة العام الماضي: «لدينا فهم أفضل للقمر من فهمنا لشرق القارة القطبية الجنوبية، لذلك مازلنا لا نفهم تمامًا مخاطر المناخ القادمة من هذه المنطقة».
في الدراسة الجديدة، بحث جاميسون وزملاؤه عن تفاصيل أكثر دقةً حول ماضي نهر إيس EAIS المسجلة في العصور القديمة للأرض الواقعة أسفل حوضي أورورا وشميدت داخل نهرَي دينمان وتوتن الجليديين.
لقد أوضح الباحثون في علوم الأرض في ورقتهم المنشورة: «عندما تتقلب الصفائح الجليدية، فإنها تغير المشهد الطبيعي الذي تقع فيه تاركةً بصمةً ما، لكن من النادر العثور على مناظر طبيعية غير متغيرة توثّق الظروف الجليدية الماضية».
تشكل نظام نهر إيس EAIS منذ حوالي 34 مليون سنة عندما تجمدت القارة القطبية الجنوبية، ثم تقدمت وتراجعت فأصبحت سميكةً ثم رقيقةً، مع تقلب درجات الحرارة عبر العصور الجيولوجية.
وظلّ الغطاء الجليدي مستقرًا إلى حد ما على مدى الـ 14 مليون سنة الماضية، إذ إنه غطّى جزءًا كبيرًا من شرق القارة القطبية الجنوبية. ومع ذلك، فإن مدى تراجعه خلال الفترات الدافئة ما يزال غير مؤكد.
بواسطة مسح أحواض أورورا-شميت، اكتشف الفريق منظرًا طبيعيًا قديمًا على بعد 300 كيلومتر في الداخل حيث تلتقي الطبقة الجليدية الحالية بالمحيط.
إنها مجرد جزء صغير من قارة شاسعة، لكنها مفيدة بشكل لا يصدق. إذ تتكون المنطقة من ثلاث كتل منحوتة بشكل أنهار، تفصل بينها أحواض عميقة يبلغ عرضها حوالي 40 كيلومترًا، وتغطي هذه الكتل شبكة معقدة من التلال والوديان. لكن هذه الميزات لا تتفق مع التدفق البطيء للأنهار الجليدية باتجاه الشمال عبر هذا الجزء من القارة في العصر الحديث.
لذلك، فمن الأرجح أن تكون التضاريس قد تشكلت قبل التجلد في القطب الجنوبي، عندما تدفقت الأنهار عبر المنطقة لتصل إلى الخط الساحلي الذي ظهر عندما انجرفت القارة العملاقة غوندوانا.
يعتقد الباحثون أيضًا أن التضاريس قد نحتت بواسطة الشقوق التي تشكّلت في الأصل عندما انقسمت غوندوانا، إذ تآكلت هذه الشقوق بشكل أكبر في أحواض أعمق.
يشير كل ما سبق إلى أن هذه التضاريس المدفونة ربما تكونت قبل 14 مليون سنة. ونظرًا لأن شبكة الأنهار والوديان محفوظة جيدًا، فإن هذا يشير إلى أن المنطقة تجمدت بسرعةٍ، وأن منطقة نهر إيس EAIS لم تتراجع كثيرًا خلال الـ 14 مليون سنة الماضية بشكل يترك المناظر الطبيعية معرضةً لقوى تآكل أخرى مثل الأنهار الجليدية.
مع ذلك، يحذر الباحثون من أن تراجع الغطاء الجليدي قد يصل إلى المنطقة في المستقبل، إذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 3 إلى 7 درجات مئوية، مثلما حدث عندما تشكلت منطقة نهر إيس EAIS قبل 14 إلى 34 مليون سنة.
خلص الباحثون في علوم الأرض إلى أنه: «بالنظر إلى هذا الاكتشاف وغيره من المناظر الطبيعية القديمة المخفية على مرأىً من الجميع نعتقد أن هناك مناظر طبيعيةً قديمةً أخرى مماثلةً لم تُكتشف بعد تحت نظام نهر إيس EAIS».
نشر البحث في مجلة Nature Communications.
اقرأ أيضًا:
العثور على كميات ضخمة من المياه تحت جليد القطب الجنوبي
دراسة تقترح وجود أنظمة بيئية كاملة تحت جليد القطبين الشمالي والجنوبي
ترجمة: حمداش رانية
تدقيق: منال توفيق الضللي