ما تزال أصول القمر ونشأته تُشكّل هاجسًا للكثير من العلماء والباحثين، وعلى الرغم من ظهور الكثير من النظريات ومناقشتها، فإن أصل القمر ظل لُغزًا مُحيرًا. تُفضي نتائج الدراسات الجديدة التي أُجريت على الرواسب المعدنية في الفوهات القمرية إلى إعادة النظر في أصل القمر.
كشفت الدراسات عن غِنى الفوهات القمرية بالمعادن كالحديد والتيتانيوم، ومن ثم احتمالية احتواء القمر عمومًا على مخزن ضخم جدًا للمعادن في باطِنه.
يعتمد العلماء في بحثهم عن أصل القمر بالأساس على مقارنة المواد المعدنية التي يحويها مع نظيراتها على كوكب الأرض، وتُشير أشهر نظريات نشوء القمر إلى أن القمر انشقّ عن الأرض نتيجة الاصطدام بجسم ثالث، لكن قشرة الأرض فقيرة بأكسيد الحديد إذا ما قورنت بما يحتويه القمر وكذلك بالنسبة للكثير من المعادن، وهذا يقود للاستنتاج باحتمالية أن القمر لم ينشأ نتيجة الانفصال عن الأرض.
أظهرت النتائج المُلتقطة بواسطة جهاز الترددات الراديوية المصغرة Mini-RF المثبت على مُستكشف القمر المداري التابع لوكالة ناسا أن الفوهات القمرية الأكبر تحوي كمًا أكبر من المعادن. جاءت هذه النتيجة بعد أن لاحظ العلماء في أثناء بحثهم عن الجليد على سطح القمر أن مستويات ثابت العزل الكهربائي -خاصية كهربائية خاصة بالتربة القمرية داخل الفوهات- ارتفعت بزيادة حجم الفوهة، حتى الفوهات التي يبلغ قطرها خمسة كيلومترات، وفي الفوهات الأكبر كان ثابت العزل مُستقرًا. توصلت هذه النتائج أيضًا بعد مقارنتها بنتائج دراسات أخرى ومعلومات من المركبات الفضائية المختلفة إلى أن القمر عائمٌ على بحرٍ من المعادن داخل جوفه في حين أن سطحه خالٍ تمامًا منها.
يُفيدنا هذا الكشف في التحرّي بدقة عن أصل القمر وكيفية نشوئه اعتمادًا على كمية المعادن الموجودة فيه.
وتعقيبًا على ذلك يقول عالم الفلك والكواكب في وكالة ناسا نواه بيترو: «يقودنا هذا الكشف الجديد إلى أنه بعد أحد عشر عامًا من العمل على سطح القمر، ما زال لدينا الكثير لاكتشافه حول أصله وكيفية تشكله. إن المعلومات التي حصلنا عليها من جهاز الترددات الراديوية المُصغرة قيّمة جدًا في دراسة خصائص سطح القمر ومكوناته، لكننا نستخدمها الآن لمعرفة ما كان يحدث قبل أكثر من أربعة مليارات سنة!».
عمومًا، ما يزال أمام العلماء الكثير حتى يخرجوا بنظرية تُفسر نشوء القمر استنادًا إلى كمية المعادن الموجودة فيه، خاصًة أن المسألة بحاجة إلى تفسير كيفية سقوط القمر في مدار كوكب الأرض، ويُعمَل الآن على التحقق من نتيجة البحث في نصف القمر الجنوبي، فمن المحتمل أن القمر قد نشأ من مادة أعمق بكثير مما اعتُقد سابقًا داخل الأرض، أو أن هذه المعادن الإضافية ناتجة عن سطح القمر المُنصهر الذي يبرد تدريجيّا.
الاحتمالات أصبحت أقل والأسئلة أصبحت أكثر، لكن هذه الدراسات والأبحاث المُشابهة تزيد من فرصة كشف الغموض المتعلق بمنشأ القمر وأصله مستقبلًا، ومن ثم البحث في الأقمار الأخرى داخل مجموعتنا الشمسيّة.
يقول عالم الفضاء عصام حجي عضو الفريق العلمي لمستكشف القمر المداري: «تحتوي مجموعتنا الشمسية وحدها على أكثر من 200 قمر، فهي تلعب دورًا هامًا وحاسمًا في تشكل الكواكب وتطورها، وقد يُكسبنا فهم هذا الدور رؤية أعمق وأوضح عن كيفية الحياة خارج كوكب الأرض وكيفية ظهورها، ومكان تشكلها».
نُشر هذا البحث في قسم علوم الأرض والكواكب في مجلة ساينس دايركت.
اقرأ أيضًا:
سنة 1110 اختفى القمر، والآن نعرف السبب!
مفاجأة: الأرض والقمر ليسا مصنوعين من المواد الخام ذاتها!
ترجمة: بيان علي عيزوقي
تدقيق: عون حدّاد