دعك من كل ما كنت تعتقده عن جزيء الماء H2O.

الماء هو أحد أهم الجزيئات الأساسية الموجودة على سطح الأرض، وقد لفتت مدى غرابة تلك المادة أنظار العلماء واهتمامهم للتو، ولكنها مجرد البداية
مثال على ذلك: اكتشاف الباحثين أن الماء لا يتواجد في حالة سائلة واحدة بل حالتين مختلفتين، يختلفان بشكل كبير في كيفية بناء الجزيئات وكثافتها، فعند استخدام الأشعة السينية لدراسة جزيء الماء H2O بشكل مفصَّل غير مسبوق، استطاع فيزيائيون من جامعة استوكهولم بالسويد الإثبات بالدليل أن سائل الماء الذي نعرفه ونحبه لا يتواجد في حالة سائلة واحدة، إنه في الحقيقة يتقلب بين حالتين أحدهما عالية الكثافة والأخرى منخفضة الكثافة.

يقول أحد الباحثين (لارس ج.م بيتيرسون –Lars G.M Pettersson) :«النتائج الجديدة تَدعَم بكل قوة تلك الصورة التي يتواجد عليها الماء في درجة حرارة الغرفة والتي لا تستطيع تحديد في أي صورة يجب أن تكون، مرتفعة أم منخفضة الكثافة، ولكن النتائج أثبتت لنا أنه تقلب بين الحالتين، باختصار شديد، الماء ليس بالسائل المعقد ولكنه سائلان مختلفين بينهما علاقة معقدة».

تعلَّم معظمنا في المدرسة الثانوية أن الماء قد يتواجد في ثلاث حالات مختلفة: الماء السائل، الثلج المتجمد، بخار الماء، ولكن الأمر ليس بتلك السهولة، فيمكن للماء أن يتواجد أيضًا في حالة البلازما الغريبة، وحتى تلك الحالات الثلاثة الأساسية المألوفة بالنسبة لنا هي أكثر غرابة مما قد يوحى إليك؛ على سبيل المثال، باستثناء الزئبق، الماء لديه أعلى درجة (توتر سطحي – Surface Tension ) من بين كل السوائل، وبخلاف جميع المواد المعروفة الأخرى فإن الماء يتمدد حينما يتجمد، أيضًا أثناء نقاط الغليان للهيدريدات الأخرى (تلك المركبات الكيميائية التي تحتوي على أيون الهيدروجين السالب) مثل توليريد الهيدروجين وكبريتيد الهيدروجين تقل كلما قلَّت أحجام جزيئاتها، ولكن جزيء H2O يفاجئنا كالعادة بنقطة غليان كبيرة لوزن جزيئي صغير.

في الحقيقة حدد العلماء 70 خاصية لسائل الماء الذي يُعتبر فريدًا من نوعه مختلفًا عن كل المواد السائلة التي نعرفها، ومن إحدى تلك الغرائب هي ذلك النقاش المستمر حول إذا كان الماء يتواجد في صورة سائلة واحدة فقط أم لا؟ تلك الفكرة اعتمدت على حقيقة أن الباحثين يعرفون جيدًا أن الثلج يمكنه التواجد في صورتين مختلفتين عالية الكثافة وأخرى منخفضة الكثافة، فنحن لا نتحدث عن الثلج الذي تُخرجة من علبة الثلج هنا، فهذا يُسمى بالثلج البلوري، حيث تنتظم جزيئاته واحدة تلو الأخرى بدقة شديدة في أنماط متكررة.

لكن الجليد يتواجد في صورة أخرى هي الجليد غير متبلور، حيث تكون جزيئاته غير منتظمة، بالرغم من أن ذلك النوع ليس مألوفًا للكثير منا، إلا أنه يشبه ذلك النوع الشائع للمياه المتجمدة في أي مكان بالكون والتي يمكنها التحول بين الحالتين المرتفعة والمنخفضة الكثافة.

نتيجة لذلك، تشكّك الباحثون حول إمكانية أن يتواجد الماء السائل في حالتين بالمثل، ولكن حتى الآن لم يتمكن أحد من دراسة التغيرات الجزيئية بصورة مفصَّلة كافية لاكتشاف ما كان يحدث بالضبط هناك.

البحث الجديد يستخدم نوعين مختلفين من الأشعة السينية التي تُصور وتتتبع حركة جزيئات H2O والمسافات بينها أثناء تحول الماء من الحالة المتجمدة غير بلورية الزجاجية إلى سائل لزج ثم إلى سائل أكثر لزوجة بكثافة أقل، وما شاهدوه كان دليلًا على حالتين سائلتين مختلفتين.

يقول أحد الباحثين (أنديرس نيلسون – Anders Nilsson):« الخاصية الملفتة للنظر التي اكتشفناها هي أن الماء يمكنه التواجد في حالتين سائلتين مختلفتين في درجات حرارة منخفضة حيث تكون عملية بلورة الثلج بطيئة نوعًا ما»، إن هذه بالطبع مجرد دراسة واحدة فقط، أما عن الفرق البحثية المستقلة الأخرى فسوف تتحقق بنفسها من تلك النتائج قبل أن يتم اعتمادها وإعادة كتابة الكتب العلمية مرة أخرى.

ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يتعثر فيها العلماء حول الحالة الثانية الغريبة للماء، ففي العام الماضي عرض فريق من جامعة (أكسفورد – Oxford) تجربة توضح أنه بين درجتي حرارة 40 و 60 درجة سيليزية (104 و 140 درجة فهرنهايت) يمكن للماء السائل أن يُغير من حالته ويتخذ مجموعة من الخصائص الجديدة التي تعتمد على الحالة التي تغير لها، الأهم من ذلك أن هذا البحث الجديد يضيف قطعة جديدة للأحجية التي بدأت في التكشُّف حول كم هو غريب وساحر حقًا ذلك الجزيء الأوسع انتشارًا.

يقول (فيليب بول – Philip Ball) في مجلة الطبيعة العام الماضي:«لا أحد يفهم الماء حقًا»، ثم يُضيف قائلًا: « أنه لأمر مُحرج أن نعترف بذلك، ولكن ذلك الشيء الذي يُغطي أكثر من ثُلثين كوكبنا مازال غامضًا، والأدهى من ذلك أنه كلما بحثنا كلما زادت المشكلات والألغاز التي تواجهنا، فالطُرق الحديثة في الاستكشاف العميق داخل بناء جزيئات الماء تُلقي لنا بالكثير من الألغاز».


  • ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن
  • تدقيق: أحمد عبد القادر
  • تحرير: يمام اليوسف
  • المصدر