خلال العام المنصرم، اكتشف الفلكيون عنقودًا مجريًا هائلًا (supercluster) يبعد عن الأرض قرابة 4 مليارات سنة ضوئية، وهو ليس فقط من أكبر الأشياء المكتشفة في الكون، بل إنه أبعد عنقود مجري هائل تم رصده حتى الآن.
في الفضاء كل شيء نسبي. بدايةً من مكان جلوسك، والكوكب الذي تعيش عليه وأنت تقرأ هذا، ربما تبدو أشياء عظيمة، ولكن ما هي إلا مجرد جزء صغير من مجموعتنا الشمسية، والتي هي أيضًا نقطة متناهية الصغر في مجرتنا “درب التبانة”.
ما زال بإمكاننا أيضًا إيجاد ما هو أكبر. فها هي المجرات تتجمع لتكون مجموعات وعناقيد من المجرات، وبدورهم يكونون العناقيد المجرية الهائلة، وهي مجموعات هائلة الحجم تحوي الكثير من عناقيد المجرات، كقبضة ممتلئة بالكثير من العملات.
محور حديثنا هو أحد تلك الأيادي التي وجدها فريق فلكي من الهند، فقد رصدوا عنقودًا مجريًا هائلًا لم يكن معروفًا حتى الآن، لذا أعطوه اسم النهر الأسطوري (ساراسواتي-Saraswati).
العنقود المجري الهائل الملقب بـ”ساراسواتي” والذي تم اكتشافه على يد باحثين من المركز الجامعي المشترك للفلك والفيزياء الفلكية (IUCAA) يرينا أحد الإبداعات في الفضاء، فهو يمتد خلال 600 مليون سنة ضوئية كما قدرها الفريق البحثي، يحوي في هذه المساحة على ما يعادل كتلة 20 مليون مليار شمس مجتمعة معًا.
بجانب ضخامة حجم وعظم كتلة “ساراسواتي”، إلا أن ما يجعله مميزًا لهذه الدرجة هو أن الفلكيين لم يكتشفوا عددًا كبيرًا من العناقيد المجرية الهائلة حتى الآن، وهذا يعنى أن “ساراسواتي” يحرز تقدمًا بين تلك النخبة من العناقيد المجرية الهائلة.
ذكر اثنان من الفريق وهما الفلكيان (جويديب باجتشي Joydeep Bagchi ) و (شيشير سانكايان Shishir Sankhyayan) أنه: «سابقًا، تم اكتشاف القليل فقط من العناقيد المجرية الهائلة الضخمة، مثل (عنقود شابلي المجري الهائل -Shapley Concentration) أو (السور العظيم سلون -Sloan Great Wall)، وهما في محيطنا الكوني».
ما يجعل ساراسواتي مميزًا أيضًا هي تلك المسافة الشاسعة التي تفصلنا عنه، فهو يبعد عنا حوالي 4 مليارات سنة ضوئية.
و قد صرح (سوماك ريتشودوري Somak Raykhaudhury)، أحد أعضاء الفريق لـ (شوباشري ديسيكان Shubashree Desikan )، المتحدث باسم The Hindu: «إن هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها عنقودًا مجريًا هائلًا على هذا البعد منّا»، والجدير بالذكر أن سوماك ساهم في رصد العنقود المجري الهائل شابلي، «بل وإن شابلي أقرب بثماني أو عشر مرات».
حدد الباحثون موقع ساراسواتي بفحص البيانات القادمة من (مسح سلون الرقمي الفضائي- Sloan Digital Sky Survey)، وصرحوا بأنه يحتوي على الأقل 43 عنقودًا مجريًا والتي يشكلها حوالي 400 مجرة.
ما يثير العجب حول البعد الشاسع بيننا وبين ساراسواتي، هو أن الضوء الذي نرصده منه قد سافر بالفعل مسافةً هائلةً ليصل إلينا، وبهذا يرينا كيف كان العنقود المجري الهائل عندما كان عمر الكون 10 مليارات عام فقط.
الرجوع بالزمن للوراء بهذه الطريقة بمقدوره أن يكشف لنا كيف نشأت تلك العناقيد المجرية الهائلة الضخمة، وسيتيح لنا الفرصة لمعرفة ظروف تكوينها في بداية الكون.
هذا ما أوضحه باجغتشي لـ New Scientist: «شيء بهذه الضخامة لا بد وأنه سينمو ببطء شديد، ربما يستغرق ذلك مليارات السنين، كاشفًا لنا العديد من المعلومات عن تاريخ وكيفية تكونه».
إن تكون ساراسواتي الغامض منذ 4 مليارات سنة ضوئية كان بمثابة مفاجأة للباحثين، فدراستنا لتطور المجرات تقتضي عدم وجود العناقيد المجرية الهائلة في الكون بعمر 10 مليارات سنة، فهي لم تحظَ بالوقت الكافي للتكون.
هذا بإمكانه أن يؤدي بنا إلى أن المصطلحات النظرية الحديثة كالطاقة المظلمة والمادة المظلمة، والتي يجاهد العلماء لسبر أغوارها، ربما لعب كلاهما دورًا أساسيًا هنا.
صرح ريتشودوري إلى The Hindu قائلًا: «دائمًا ما تعمل الطبيعة على زعزعة النظرية».
«يمكن للتوازن بين الطاقة والمادة المظلمة إنتاج أشياء كبيرة، ولكن عنقودًا مجريًا هائلًا بهذا الحجم يبعث لنا لغزًا جديدًا».
وهكذا يمكننا القول أنه تم الكشف عن ساراسواتي بشكل كلي، إلا أن جعبته ما زالت تبدو مليئةً بالحقائق، فقط تنتظر من يقوم باكتشافها.
نُشرت الاكتشافات في The Astrophysical Journal.
- ترجمة: مريم معين غنيم
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: زيد أبو الرب