على بُعد ما يقارب مليار سنةٍ ضوئية عن الأرض، عُثر على مجرةٍ إهليلجية عملاقة لتكون مسرحًا لعملية إعادة تدويرٍ مشوّقة تدور حول مادةِ تشكيل النجوم والمجرات لا بعضِ العبوات البلاستيكية.
يدفع الثقب الأسود فائق الكتلة في قلب هذه المجرة جزيئات الغاز الباردة بقوةٍ نحو الخارج، والتي تسقط بعد ذلك فيه ليُعاد دفعها من جديد.
تُعرف هذه الظاهرة باسم «النافورة»، وقد تكون وسيلةً المجرات لإعادة تدوير مادة تشكيل النجوم.
توقّع علماء الفلك هذه الظاهرة منذ مدةٍ طويلة، ولكنها المرة الأولى التي تُرصَد فيها وتُراقَب، ولقد وجدوا هذا المشهد المدهش في مجرةٍ وسط عنقود مجراتٍ يُعرف بـ Abell 2597.
الثقب الأسود يدفع جزيئات الغاز ثم يجذبها:
يوضّح جرانت تريمبلاي من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية: «ربما يكون هذا هو النظام الأول الذي نجد فيه دليلًا واضحًا على تدفّق جزيئات الغاز البارد نحو الثقب الأسود من ثم تطايرها إلى مسافاتٍ هائلة نتيجة قذفها من قِبل تيارات الثقب الأسود».
إنَّ ديناميكية الثقب الأسود فريدةٌ من نوعها، فهو ينفث كمياتٍ هائلة من البلازما من مناطقه القطبية، قوةُ الدفع التي تحظى بها هذه البلازما تجعلها تبتعد في الفضاء بسرعةٍ قريبة من سرعة الضوء.
في حالة الثقب الأسود الهائل المذكور، تدفع التيارات النفّاثة جزيئات الغاز البارد مسافة 30000 سنة ضوئية في الفضاء.
ولكن، بعد هذا الدفع العظيم, تتباطأ هذه الجزيئات وتبرد، من ثم يجذبها الثقب الأسود فتتجمّع في القرص المتنامي حول مركز الثقب الذي أصبح يمتد لأكثر من مئة ألف سنة ضوئية بكتلة تعادل ثلاثة مليارات شمس.
راقب تريمبلاي وفريقه لأول مرةٍ هذا القرص العملاق في عام 2016 باستخدام مقياس التداخل الفلكيّ (ALMA)، ولاحظوا جزيئاتٍ من أول أكسيد الكربون بدرجات حرارةٍ منخفضة مثل: (13 – 23) كلفن؛ (-260 إلى 250) درجة مئوية، تنجرف نحو الثقب الأسود.
ومنذ ذلك الحين، جمع الفريق نتائج هذه المراقبة مع الأبحاث السابقة التي أُجريت باستخدام أداة MUSE على تليسكوب ESO الكبير جدًا؛ إذ رُصد الغاز الأدفأ الذي ينطلق في الفضاء مدفوعًا بتيارات الثقب الأسود.
تُظهر هذه الصورة المركّبة الغاز البارد باللون الأصفر من بيانات ALMA، والغاز الساخن المتدفّق باللون الأحمر من بيانات MUSE.
تابع مرصد شاندرا للأشعة السينية التابع لناسا مراقبة هذا الثقب الأسود، وتبيّن أنَّ اندفاع الجزيئات خارج الثقب الأسود من ثم انجذابها نحوه عمليةٌ متكررة.
مقارنةٌ مع دورة المطر على كوكب الأرض:
قارن تريمبلاي بين هذه العملية، وسقوط الأمطار على كوكب الأرض مضيفًا: «إذن، يمكن للغاز شديد السخونة الذي يقذفه الثقب الأسود أن يبرد بسرعة، ويتكثّف، ويندفع بعدها نحو الثقب الأسود بنفس الطريقة التي يتكثّف من خلالها الهواءُ الرطب الدافئ في الغلاف الجوي للأرض لتتشكّل الغيوم وتهطل بعدها الأمطار.
الغيوم الجزيئية المكثّفة حديثًا «تمطر» على المجرة، لتساعد في تشكيل النجوم وتغذّي الثقب الأسود الهائل».
أهميّة هذه الدراسة:
إنها المرة الأولى التي نرصد فيها عملية «دورة المطر المجريّة» بكل مراحلها: إطلاق الغازات، تبرّدها، وجذبها مجددًا.
لكن، يعتقد الباحثون أنَّ هذا شائعٌ جدًا في عملية تكوّن المجرات وتشكّل النجوم، والطريقة التي تتغذّى بها الثقوب السوداء لتصبح في وزنها الهائل، ودورة الحياة العامة للمجرات.
نُشرت هذه الدراسة في مجلة The Astrophysical Journal
- ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
- تدقيق: تسنيم المنجّد
- المحرر: ماتيو كيرلس
- المصدر