وجد العلماء في الفراغ بين النجوم، في الغبار الذي تتولد منه، مجموعة جزيئات لم تسبق رؤيتها من قبل في الفضاء. اكتُشفت آثار انبعاثات من السحب الكثيفة المشكّلة للنجوم، وهي نوعٌ خاصٌ من فئة من الجزيئات، تُعرف بالهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، قد يساعد تحديد وجودها في الفضاء على فك غموض كيفية ومكان تشكل هذه الجزيئات. قال بريت ماكغواير عالم الكيمياء الفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «اعتقدنا دائمًا أن الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات تتشكل أصلًا في الغلاف الجوي للنجوم المحتضرة. في هذه الدراسة وجدناها في غيوم مظلمة باردة، حيث لم تكن النجوم قد بدأت بالتشكل».
الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات ليست نادرة هنا على الأرض، فهي تظهر كثيرًا حتى دون أن نبحث عنها، ويمكن العثور عليها في النفط الخام المتشكّل من بقايا الكائنات مثل العوالق الحيوانية والطحالب التي تتعرض لحرارة فائقة للغاية، وكذلك الفحم الحجري المتشكّل من النباتات بعد تعرضها لضغط وحرارة هائلين.
معظم أصول الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات في الكون تعود إلى مصادر غير حيوية، لكنها قد تأتي من مصادر حيوية أيضًا، ويشير تحليل سابق أن 15% من كل الكربون الموجود بين النجوم في المجرات متضمنةً مجرتنا مرتبط بالهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، ومعظمه يطفو في الفضاء بين النجوم.
لدينا الآن دليل على أن الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات موجودة هناك، وليست مجرد جزيئات فردية يمكن إيجادها في الغاز بين النجمي.
قال ماكغواير: «نملك الآن للمرة الأولى نافذةً مباشرة على الكيمياء التي ستُمكننا من دراسة كيفية تفاعل هذا المخزون الهائل من الكربون وتطوره خلال عمليات تشكل النجوم».
ركز بحث الفريق على سحابة الثور الجزيئية المعروفة باسم (TMC-1)، وهي سحابة جزيئية باردة كثيفة في منطقة الثور التي تبعد 430 سنة ضوئية.
تتبع الفريق الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات في هذه السحابة ضمن مشروع غوثام.
الغيوم الجزيئية هي مكان تولد النجوم الصغيرة، عندما تنهار عقدة كثيفة من الغاز في أثناء الدوران تحت تأثير جاذبيتها، ما يؤدي إلى اختزان المزيد من المواد معًا من السحابة المحيطة بها.
وجد الفريق داخل سحابة توروس الجزيئية أمرًا مختلفًا عما توقعته النماذج؛ إذ كان وجود الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات متوقعًا، لكن توافرها أعلى من المتوقع بكثير.
تعرض الورقة البحثية الأخيرة بالتفصيل اكتشاف السيانونافتالين 1 و2، وتُبيِّن نتائج أبحاث الأشهر الأخيرة لماكغواير وفريقه القيمة الهائلة لما كشفوه باستخدام تقنيات تجميع البيانات إذ اكتُشف وجود مصاوغ السيانوبولين وغيره من المركبات.
قال ماكغواير: «نصادف مجموعة جديدة من الجزيئات تختلف عن أي جزيئات لوحظت سابقًا، ما سيغير فهمنا لطريقة تفاعل الجزيئات بالكامل».
عندما تكبر الجزيئات كفاية لتشكل أصول الغبار النجمي، تستطيع التأثير في تركيب الكويكبات والمذنبات والكواكب والأسطح التي يتشكل عليها الجليد، ومواقع وجود الكواكب ضمن الأنظمة النجمية.
لا نعلم تحديدًا تفسير وجود هذه الكمية الوفيرة من السيانونافتالين في سحابة توروس الجزيئية، فهو إما أنه تشكل هناك، وإما انتقل إلى هناك من مكان آخر، وربما مزيج من الاحتمالين.
نعلم الآن أنه موجود هناك، وأنه وصل إلى هناك بطريقة ما، اكتشاف الباقي مسألة وقت لا أكثر.
تُظهر الدراسة أيضًا أن كيمياء السحب الجزيئية ربما كانت أغنى وأعقد مما نظن، ما يمثل وسيلةً جديدة لفهم الكون.
وصف الكيميائي الفلكي مايكل مكارثي من جامعة هارفارد هذا الاكتشاف بالمدهش، إذ لم يسبق أن اكتُشفت هذه الجزيئات أو بُحث عنها بدرجة كافية. وأضاف: «يجعلنا هذا نتساءل عن الأشياء الموجودة في الفضاء دون أن نكتشفها بعد».
اقرأ أيضًا:
الكشف عن نواة جزيئية حارة خارج المجرة
اكتشاف دورة هيدروكربونية هائلة غير معروفة مختبئة في المحيطات
ترجمة: حلا بوبو
تدقيق: أكرم محيي الدين