كان إدوارد مويبريدج رائدًا في تجارب صنع الصور المتحركة، حيث كان أول من أضاف الحياة إلى الصور بدايةً بمشهد لثور أمريكي يتحرك ومجموعة من الشبان يقفزون عبر حافة، انتهاءً بحسمه لجدل استمر طويلًا بين المدربين وممتطي الخيول: هل تترك كل حوافر الخيول الأربعة الأرض في الوقت نفسه، أم لا؟
والآن وبعد أكثر من قرن، تمكن العلماء من وضع الصور الفوتوغرافية المتحركة التي قام بصنعها على الحمض النووي! هذا الأمر له تطبيقات عديدة أكثر من مجرد كونه ابتكارًا لشيء جديد لم يوجد من قبل، إن هذا السبق سيفتح إمكانية استخدام الخلايا الحية لتسجيل ما يحدث داخلها.
وإذا أمكن جعل الخلايا تسجل المعلومات عليها، فإن ذلك سيجعل أيضًا بالإمكان تحويل الميكروبات إلى حراس مكلفة برصد التلوث البيئي، كما أنه يمكن برمجة الخلايا العصبية لجعلها تسجل كيفية تطور الدماغ في حيوان حي.
يقول سيث شيبمان عالم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد: «لقد قمنا بترميز صور وأفلام بداخل الحمض النووي لخلية حية، وهو ما قد يبدو أمرًا ممتعًا ولكن هذه ليست النقطة الأساسية، إن الهدف مما نفعله هو محاولة تطوير مسجِّل جزيئي يمكنه البقاء داخل الخلايا الحية ويقوم بجمع البيانات».
ولكي يتم فريق هارفارد بناء النموذج المبدئي للمسجل الجزيئي، قاموا باختراق الدفاعات المناعية التي تحمي البكتيريا من غزو الفيروسات لها.
ما يحدث عندما يتم اختراق البكتيريا عن طريق فيروس طفيلي، فإنها تقوم بإفراز إنزيمات تقطع الشفرة الوراثية للفيروس.
ولكي تتأكد من أنها مستعدة لأي هجمة مستقبلية، تقوم البكتيريا بإضافة جزء من الشفرة الوراثية للفيروس إلى الجينوم الخاص بها حتى تتذكره.
ومع مرور الوقت فإن جينوم البكتيريا يزيد في الحجم، مثل قطع من الطعام الموضوعة على سيخ كباب، وبدلًا من قطع اللحم والخضار، فإن السيخ يتكون من قطع من الحمض النووي للفيروسات المتعاقبة التي حاولت اختراق البكتيريا.
صنع شيبمان وزملاؤه خيوطًا من الحمض النووي الصناعي في المختبر، وتم ترميز وضعية صورة ليد وخمس صور أخرى لحصان راكض -التقطهم مويبريدج في عام 1880- ودرجة الظلال في البكسلات الموجودة بها بالحروف G و T و C و A،.
ثم قام العلماء بتغذية هذه الخيوط لبكتيريا قولونية (E. Coli)، ثم قامت البكتيريا بالتصرف مع الشرائط مثلما تتصرف مع الفيروسات التي تحاول غزوها، أي أنها قامت بإضافتها إلى الجينوم الخاص بها.
ثم ترك الباحثون البكتيريا في طبق لمدة أسبوع كي تنمو في هذه الفترة وتنقسم إلى خلايا بكتيرية جديدة.
ثم جمع شيبمان بعض البكتيريا وقام بقراءة جينوماتها، والمفاجأة أنه وجد أن الخيوط الاصطناعية للحمض النووي التي تحمل كل المعلومات اللازمة لإعادة بناء صورة اليد أو صور الحصان الراكض قد انتشرت في الشفرة الوراثية للبكتيريا.
وقال شيبمان : «لقد وضعنا المواد التي تشفر الحصان بحيث يظهر إطار واحد في الوقت نفسه، ثم عندما نسلسل البكتيريا، قمنا بالنظر في الأماكن التي كانت تحتوي على الإطارات في الجينوم الخاص بها، واستنتجنا من ذلك الترتيب الذي ستظهر به الإطارات».
على الرغم من أن البكتيريا قد نمت وانقسمت على مدار الأسبوع، فإنها قد احتفظت بالخيوط الاصطناعية من الحمض النووي التي استخدمها شيبمان لإعادة بناء الصور بدقة بلغت 90٪.
وأضاف : «إن ما يظهر لنا هو أنه يمكننا إدخال المعلومات، ويمكننا استخراجها، ويمكننا أن نفهم كيف يعمل توقيت العرض أيضًا.
وفي حين أن البكتيريا قد لا تكون كبيرة الحجم لتقوم بتخزين البيانات لآلاف السنين، إلا أنها يمكن أن تخزن بشكل جيد عندما لا يتم الاحتفاظ بالمعلومات لمدة قصيرة لأيام أو أسابيع أو شهور.
ولأن البكتيريا تنمو بنجاح في البيئة، يمكن أن تنتشر على التربة لتقوم بالإبقاء على سجل لمستويات المعادن الثقيلة وملوثات الأخرى».
كما يمكن أيضًا جعل الخلايا الحية تسجل ما يحدث داخلها أو في الأنسجة والسوائل المحيطة بها، حيث قال شيبمان أن العلماء يكافحون منذ فترة طويلة لفهم نمو الدماغ لأنه من الصعب إجراء قياسات دون التدخل في العملية ما قد يتسبب في موت هذا الكائن الحي.
وقال : «إذا كان لدينا خلايا قامت بتسجيل المعلومات داخل المخ، فإنه يمكن له أن يكمل تطوره دون تعرضه لمشاكل مثل محاولات الاستكشاف الأخرى، وبمجرد اكتمال النمو فكل ما عليك فعله هو استعادة البيانات من الخلايا ثم القيام بتحليلها لترى كل شيء».
- ترجمة : أحمد حسين إبراهيم
- تدقيق: رؤى درخباني
- تحرير: طارق الشعر
- المصدر الأول
- المصدر الثاني