من التفاؤل أن نقترح أن لدينا تحليلًا جيدًا للمادة المظلمة، لكن حتى الفهم البسيط الذي نمتلكه ربما يفتقر إلى شيء مهم. وجدت الملاحظات الجديدة لتلسكوب هابل الفضائي تركيزات من المادة المظلمة أعلى مما كان متوقعًا في بعض المجرات، بأكثر من ترتيب في الحجم. وفقًا لفريق البحث، لا تتوافق هذه التركيزات مع النماذج النظرية، ما يشير إلى فجوة كبيرة في فهمنا للأمر. قد تكون عمليات المحاكاة غير صحيحة، أو أنه توجد خاصية للمادة المظلمة لا نفهمها جيدًا.
قال عالم الفيزياء الفلكية ماسيمو مينغيتي من المعهد الوطني للفيزياء الفلكية في إيطاليا: «أجرينا الكثير من الاختبارات الدقيقة لمقارنة نتائج المحاكاة بالبيانات في هذه الدراسة، وما يزال عدم التطابق مستمرًا. أحد الأسباب المحتملة لهذا التناقض هو فقد بعض مفاتيح الفيزياء الأساسية في عملية المحاكاة».
المادة المظلمة هي أحد أكبر التساؤلات في فهمنا للكون، وببساطة لا نعرف ماهيتها، لا تمتص ولا تعكس ولا تبعث أمواجًا كهرومغناطيسية، ما يجعلها غير قابلة للكشف أو الفهم، مع ذلك فهي تتفاعل مع مادة الكون المرئية بالجاذبية.
هذا يعني أنه يمكننا دراسة كيفية توزيع أشياء مثل المجرات والنجوم وتحركها حول الكون، وحساب الجاذبية المطلوبة لإنتاج تلك التوزيعات والتحركات، ثم طرح الجاذبية الناتجة عن المادة المرئية، وبذلك نقدّر كمية المادة المظلمة الموجودة في الكون.
وفقًا لهذه التقديرات، فإن 85% من مادة الكون هي مادة مظلمة.
إحدى الطرق التي يمكننا بها اكتشاف المادة المظلمة بطريقة غير مباشرة هي باستعمال عدسة الجاذبية، إذ تخلق الأجسام الضخمة أو العناقيد المجرّية مجالًا مكثّفًا من الجاذبية، ينحني فيه الزمكان، ما يعني أن أي ضوء يمر عبر ذلك الزمكان يتحرك في مسار منحنٍ.
لذا فإن الأجسام الموجودة على الجانب الآخر البعيد من مجال الجاذبية، مثل المجرات البعيدة تبدو لنا هائلة، مُلطخة، مضاعفة ومشوّهة.
يمكننا معرفة كيفية تشوّه الضوء وتعيين مجال الجاذبية بدراسة هذه التشوهات وإعادة تجميع المجرات معًا، وكلما زاد التشوه كان مجال الجاذبية أقوى، وبهذا نحصل على خريطة للمادة المظلمة داخل مجموعة العدسة هذه، إنها طريقة بالغة الذكاء.
هذا ما يفعله مينغيتي وفريقه، بملاحظة بيانات 11 مجموعة من المجرات باستخدام تلسكوب هابل الفضائي والتلسكوب الكبير التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي.
أوضح مينغيتي: «إن مجموعات المجرات هي مختبرات مثالية لفهم هل تعيد المحاكاة الحاسوبية للكون إنتاج ما يمكننا استنتاجه بشأن المادة المظلمة وتفاعلها مع المادة المضيئة؟».
عندما حلّل الفريق البيانات، وجدوا تأثيرات واسعة النطاق للعدسة كما هو متوقع من المجرة بأكملها، لكنهم وجدوا أيضًا تأثيرات لعدسة أصغر متداخلة معها، هذه العدسات الصغيرة التي تنتجها مجرات فردية داخل المجموعات لم تظهر في محاكاة المجموعات، ما يشير إلى وجود المزيد من المادة المظلمة.
للتحقق من النتائج التي توصلوا إليها، أجرى الفريق مراقبة طيفية للمجرات بإزاحة الضوء لحساب سرعة النجوم التي تدور في مدارها، وهي أداة كلاسيكية لقياس المادة المظلمة.
ثم راجعوا حسابات المسافة مرة أخرى، لأن ذلك قد يحدث فرقًا مهمًا في حسابات المادة المظلمة.
وجد الباحثون تركيزات من المادة المظلمة في تلك المجرات الفردية أكثر مما تظهره نتائج المحاكاة. لكن المحاكاة استندت إلى أفضل فهم لنا للمادة المظلمة.
إذن من أين تأتي المادة المظلمة الإضافية؟
لا نعرف حتى الآن، لكنها ستكون رحلة اكتشاف مثيرة حقًا.
قال عالم الفيزياء الفلكية ناتاراجان من جامعة ييل: «إن اكتشاف فجوة بين الملاحظة والتوقع النظري -عامل التباين 10 في هذه الحالة- أمر مثير للغاية. يتمثل أحد الأهداف الرئيسية لبحثنا في اختبار النماذج النظرية وتحسين جودة البيانات لسدّ هذه الفجوات. يكشف هذا النوع من الفجوات إما أننا فقدنا شيئًا ما في النظرية الحالية، وإما أنها ستقودنا إلى نموذج جديد تمامًا، سيكون له أثر توضيحي أكبر».
في كلتا الحالتين، يقودنا اكتشاف سبب التناقض بين المحاكاة والمراقبة إلى فهم أفضل للمادة المظلمة.
اقرأ أيضًا:
خلل في النجوم النابضة قد يكون دليلًا على جزيئات المادة المظلمة
ترجمة: سلام محمد حسن
تدقيق: أكرم محيي الدين