اكتشف باحثون علميون حدوث تعديل جيني متعلق بالتخلق المتوالي على الخلايا الدماغية لثديات تعرضت للتوتر والإجهاد، ما قد يدل على وظائف عصبية دفينة.
ورغم أنهم ما زالوا غير واثقين كليًا من آلية عمل هذا النوع المحدد من تعديلات التخلق المتوالي، لكن وجوده المتزايد في الفئران التي تعاني من أوقات عصيبة يشير إلى أنه قد يلعب دورًا مركزيًا في عدد من المشاكل العصبية النفسية.
بشكل عام، يصف علم التخلّق مختَلَف التغيرات التي تبدّل طريقة قراءة شيفرة جينية ما، ويتضمن نوع شائع من التعديل الجيني إضافة أو حذف مجموعة (ميثيل – Methyl) إلى أساس نواة.
وتتكون هذه المجموعة من ذرة كربون حاملة لثلاث ذرات هيدروجين، ويمكن لها – أي المجموعة – عند إضافتها إلى أساس مكوِّن لتسلسل حمض نووي، أن تنجح في جعل جينةٍ ما غير مقروءة، وهي طريقة ملائمة لإطفاء جينة دون تغيير شيفرتها.
في معظم الحالات – خصوصًا عند الثديات – يكون أساس (السيتوزين – Cytosine) المرمّز بـ(C) هو المُمَثْيَل، بينما وُجدت مثيلة أساس آخر يسمى (الأدينوزين – Adenosine) مرمّز بـ(A) بشكل رئيسي في كائنات حية بسيطة كالجراثيم، ولكن تغيَّر كل ما سبق في السنوات الأخيرة باكتشاف مركب (6 ميثيل أدينوزين – 6-methyl A) في أجنة فئران.
وبينما يبدو أن هذا النوع من المثيلة يلعب دورًا مهمًا في ضبط تطور الخلايا الدماغية، ما زال الوقت باكرًا لتحري الاختلافات الكيميائية الحيوية المحيطة بالمقاربتين المختلفتين لعلم التخلق.
وفي محاولة لفهمٍ أفضل لنمط التبدل الجيني المعتمد على الأدينوزين، درس فريق علماء عالمي، قاده باحثون من كلية الطب في جامعة إيموري بالولايات المتحدة الأمريكية أدمغة فئران خاضعة لظروف مجهِدة.
لطالما عُرف الدور المهم الذي تلعبه العوامل البيئية في تحريض الخلايا على مثيلة حمضها النووي، ويعني ذلك غالبًا أن الأحداث التي تطرأ أثناء التطور قد تسبب عواقب جينية مدى الحياة، ومن الممكن حتى توارث هذه الأحداث التي تُعتبر كمفاتيح تشغيل، ما يعني أن الوقت العصيب الذي قد يعاني منه كائن حي ما قد يتردد صداه في الأجيال اللاحقة لهذا الكائن.
ولإضافة بعض الحزن على الفئران دون التسبب بتعاستها، أجبرها الباحثون العلميون على السباحة، ورفعوها بإمساك ذيولها، وهو المكافئ عند القوارض ليوم عمل شاق عند البشر، بعد ذلك حلل الباحثون القشرة أمام الجبهية لأدمغتها، ووجدوا أن مستويات الأدينوزين المُمثيَل قد قفزت لأربع أضعاف بالمقارنة مع فئران أقل توترًا.
يقول الباحث (بينغ جين – Peng Jin): «لقد وجدنا أن (6 ميثيل أدينوزين) فعال، ما قد يقترح أنه يمتلك دورًا وظيفيًا، ومع ذلك، لا تزال الإنزيمات التي تتعرف على هذا النوع من مثيلة الحمض النووي وتضيفه وتمحيه غامضة». كما وجد جين وزملاؤه أن الأساس المعدّل قد ظهر في مناطق بين جينية أكثر من ظهوره ضمن الجينات التي رمزت للبروتينات.
بمعنى آخر، ثمة شيءٌ ما أزال مجموعات الميثيل من الأدينوزين بداخل جينات معينة، والتي كانت مطلوبة للتعامل مع إجهادها، وقد تبيّن أن العديد من الجينات التي بقيت مُمثيلة هي في الحقيقة مطابقة لتلك التي ترافقت مع الاضطرابات العصبية النفسية، كتلك الموجودة ضمن طيف التوحد والفصام.
ويتطلب الأمر إجراء المزيد من الأبحاث لتوصيل نقاط العلاقة بين الإجهاد، ومثيلة الأدينوزين، وهذه الأنواع من الحالات العصبية، لكن بتفصيل الفروقات الدقيقة في كيفية تعامل الجينات مع التغيرات البيئية نكون قد أخذنا الخطوة الأولى لاكتشاف أين يمكن أن تخطئ.
نُشر البحث في دورية (Nature Communications).
ترجمة: سارة وقاف
تدقيق: محمد عبدالحميد ابوقصيصة
تحرير: رؤى درخباني
المصدر