تزداد الطبقة الخارجية من الدماغ، المعروفة بالقشرة المخية، ثخانةً من لحظة الولادة حتى عمر عامين. طبقة الخلايا العصبية الكثيفة هذه بعد كل ذاك العمل الشاق في أثناء أول سنتين من الحياة، تصغُر في عملية تُسمى الترقق القشري.

وجدت دراسة حديثة فوارق حاسمة في العملية السابقة لدى الأطفال المصابين بالتوحد، اعتمادًا على جنسهم وقت الولادة.

وجدت دراسات سابقة اختلافات في آلية حدوث الترقق القشري في أدمغة الأطفال المصابين بالتوحد. مع ذلك، ما زالت النتائج السابقة غير واضحة أو مؤكدة تمامًا. إذ إن الدراسات المُجراة بشأن اضطراب طيف التوحد غير شاملة للإناث بدرجة كافية مقارنةً بالذكور، والأمر ذاته ينطبق على الأبحاث حول تطور القشرة المخية.

تقول عالمة الأعصاب كريستين نوردال من جامعة كاليفورنيا ديڤيس: «تمثل قلة تشخيص الإناث بالتوحد أحد الأسباب الرئيسة وراء التحيز في الدراسات السريرية. مع ذلك، تشير الدراسة السابقة إلى أن الاختلافات في التشخيص ليست السبب الوحيد، بل توجد فوارق بيولوجية أيضًا تؤثر في عملية تطور القشرة المخية».

عادةً، تكون نسبة تشخيص الإناث إلى الذكور أقل، إذ تُشخص أنثى واحدةً بالتوحد مقابل أربعة ذكور، ما يشير إلى أن لجنس المريض أثر في تطور مرض التوحد لديه.

استطاع الباحثون في الدراسة مقارنة الفروقات في ثخانة القشرة المخية المترافقة مع التوحد ضمن كل جنس، بالاستعانة بأطفال مصابين بالتوحد وآخرين أصحاء، لدراسة الفرق في ثخانة القشرة المخية بين الإناث المصابات بالتوحد وغير المصابات، إضافةً إلى مقارنة نتائج المشاركين المصابين بالتوحد، الذكور والإناث.

أجرى الفريق ضمن الدراسة مخططات للدماغ لنحو 290 طفلًا مصابًا بالتوحد (202 ذكر و88 أنثى)، إضافةً إلى 139 طفل سليم (79 ذكرًا و60 أنثى).

أُجريت مخططات الدماغ أربع مرات لكل طفل مشارك بالدراسة، الذين تراوحت أعمارهم بين 3 و12 سنة، ما ساعد على توفير معلومات وصور مفصلة عن مراحل تطور القشرة المخية لدى الأطفال ابتداءً من العمر الذي تكون فيه القشرة في أثخن حالاتها، حتى العمر الذي تصل فيه إلى أرق حالاتها، أي نحو 14 سنة.

اتصفت بعض مناطق القشرة المخية، نحو 9% من مساحتها الكلية، لدى الإناث بعمر 3 سنوات المصابات بالتوحد، بكونها أثخن مقارنةً بأقرانهن الإناث من العمر ذاته غير المشخصات بالتوحد. ولم يُلحظ الفارق ذاته لدى الذكور.

أصبحت الفروقات في القشرة المخية بين الجنسين بعمر 11 سنة أصعب في الكشف، إذ اقتصرت الفروقات الظاهرة على تغيرات القشرة المخية بمرور الوقت.

لوحظ أيضًا لدى الإناث المشخصات بالتوحد وجود ترقق أسرع في القشرة المخية في مناطق معينة مقارنةً بغيرهن غير المصابات بالتوحد في فترة الطفولة، في حين كان هذا الترقق أبطأ لدى الذكور المصابين بالتوحد مقارنةً بأقرانهم السليمين في الفترة ذاتها.

تقتصر النتائج السابقة على مناطق تمثل أقل من 5% من القشرة كاملة، إذ تتضمن الشبكات المتحكمة في حركة الجسم، والحفاظ على الانتباه، وحل المشكلات، إضافةً إلى «رادار الدماغ» الذي يساعد في تغيير محور الانتباه عند تغير الظروف المحيطة بالجسم.

في مناطق أخرى، مثل الشبكة الحوفية حيث تنشأ الاستجابات السلوكية والعاطفية، تبين للباحثين أن ترقق القشرة المخية كان أسرع لدى الذكور المشخصين بالتوحد مقارنةً بأقرانهم الأصحاء، في حين كان ترقق القشرة المخية لدى الإناث المصابات بالتوحد أبطأ مقارنةً بالإناث السليمات في تلك المناطق.

تؤدي عدة عوامل إلى الارتباط بين بيولوجيا شخص ما ونوعه عند الولادة، إذ ترتبط بعض الصفات مثلًا بوجود الكروموسوم X أو Y، وتتأثر بعض السمات الأخرى بمستويات الهرمونات المختلفة في الجسم. أيضًا ترتبط بعض الصفات بالتوجهات الثقافية والدينية تجاه جنس المولود، ما يؤدي إلى اختلاف تصرفاته ونمط حياته مستقبلًا.

وجدت الدراسات فروقات ملحوظة بين مجموعتي الذكور والإناث المصابين بالتوحد، مع ذلك فنحن بحاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث المفصلة في سبيل فهم الآلية المؤدي إلى الفروقات السابقة، وما تعنيه هذه الاختلافات للأشخاص المتحولين جنسيًا المصابين بالتوحد.

هذا الفارق الدقيق مهم خصوصًا، إذ إن البالغين المتحولين في الجنس أكثر عرضة للتشخيص بالتوحد بنحو ستة أضعاف مقارنةً بأقرانهم الملتزمين بجنسهم المحدد عند الولادة.

يقول الباحث النفسي ديريك أندروز من جامعة كاليفورنيا ديڤيس: «يُظن أن الاختلافات بين الجنسين تكون أوضح بعد البلوغ، إلا أن تطور الدماغ في عمر سنتين حتى 4 سنوات ديناميكي للغاية، إذ إن أي اختلافات في توقيت تطور الدماغ بين الجنسين -وإن كانت ضئيلة- قد تتجمع مؤدية إلى فروقات أكبر لاحقًا. تبرز من النتائج السابقة أهمية معرفة الاختلافات في تطور الدماغ بين الجنسين وتأثيرها في تطور اضطراب التوحد، ووجود نتائج مختلفة في النمو بين الذكور والإناث».

اقرأ أيضًا:

مرض التوحد لدى الأطفال مرتبط بالتغيرات في ميكروبيوم الأمعاء

تأثير المتفرج: التوحد قد يجعل الناس أكثر مناعة ضد هذه الظاهرة

ترجمة: رهف وقاف

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: باسل حميدي

المصدر