هل يمكن أن نفهم الكون دون أن نفهم أكبر الهياكل الموجودة فيه؟ من حيث المبدأ، هذا غير محتَمل. أما من الناحية العملية، فبالتأكيد لا، إذ يمكن الأجسام الكبيرة للغاية أن تشوه فهمنا للكون.

اكتشف علماء الفلك أكبر هيكل في الكون حتى الآن، والذي أُطلِق عليه اسم “كويبو” نسبة إلى نظام قياس الإنكا. ويحتوي على كتلة صادمة تبلغ 200 كوادريليون كتلة شمسية.

إن علم الفلك هو المجال الذي تمثل فيه الأرقام الضخمة للغاية جزءًا من الخطاب اليومي. ولكن حتى في علم الفلك، فإن 200 كوادريليون هو رقم كبير جدًا لدرجة أنه نادرًا ما يُصادف. إذا لم تجذب كتلة كويبو شديدة الضخامة الانتباه، فإن حجمه بالتأكيد سيفعل. يبلغ طول الجسم المُسمّى البنية الفوقية، أكثر من 400 ميغابارسك، أي أكثر من 1.3 مليار سنة ضوئية.

لا بد لبنية بهذه الضخامة أن تؤثر ببساطة في محيطها، وفهم هذه التأثيرات أمر بالغ الأهمية لفهم الكون. وفقًا لبحث جديد، فإن دراسة كويبو وغيرها قد تساعدنا في فهم كيفية تطور المجرات، ومساعدتنا في تطوير نماذجنا الكونية، وتحسين دقة قياساتنا الكونية.

مؤلف البحث الرئيسي هانز بورينجر من معهد ماكس بلانك. وكتب المؤلفون في البحث الذي نُشر مؤخرا: «لتحديد العوامل الكونية تحديدًا أدق، نحتاج إلى فهم تأثيرات البنية المحلية واسعة النطاق للكون على القياسات. تشمل هذه التأثيرات تعديلات الخلفية الكونية الميكروية، وتشوهات صور السماء بسبب عدسات الجاذبية واسعة النطاق، وتأثير حركات التدفق واسعة النطاق على قياسات ثابت هابل».

البُنَى الفوقية هي بنى ضخمة للغاية تحتوي على مجموعات من العناقيد المجرّية والعناقيد الفائقة. هي ضخمة لدرجة أن حجمها يتحدى فهمنا لكيفية تطور كوننا، ويكسر بعضها نماذجنا للتطور الكوني لشدة ضخامته.

كويبو هو أكبر بنية وجدناها على الإطلاق في الكون، يحتوي كويبو والبنى الفوقية الأربع الأخرى التي وجدها الباحثون على 45% من عناقيد المجرات، و30% من المجرات، و25% من المادة، وتشغل حيزًا من الحجم يبلغ 13%.

وجد بوهرينغر وزملاؤه الباحثون كويبو وأربعة هياكل فوقية أخرى ضمن نطاق يتراوح بين 130 إلى 250 مليون ميغابارسيك، واستخدموا عناقيد مجرات الأشعة السينية لتحديد الهياكل الفوقية في مسحهم العنقودي للهياكل الكونية واسعة النطاق (CLASSIX) بالأشعة السينية وتحليلها.

قد تحتوي عناقيد مجرات الأشعة السينية على آلاف المجرات والكثير من الغاز شديد السخونة داخل العنقود، الذي تنبعث منه الأشعة السينية. تمثل هذه الانبعاثات المفتاح لرسم خريطة كتلة الهياكل الفوقية. تتتبع الأشعة السينية المناطق الأكثر كثافة لتركيز المادة والشبكة الكونية الأساسية، فالانبعاثات هي بمثابة علامات لتحديد الهياكل الفوقية.

يشير المؤلفون إلى أن الاختلاف في كثافة المجرات حول العناقيد الحقلية وأعضاء البنى الفوقية ملحوظ. قد يكون هذا لأن العناقيد الحقلية تحتوي عناقيد أقل كتلة من تلك الموجودة في البنية الفوقية، وليس لأن العناقيد الحقلية لها كثافة مجرات أقل. بغض النظر عن الأسباب، فإن لكتلة هذه البنيات الفوقية تأثير هائل على محاولتنا لمراقبة الكون وقياسه وفهمه. كتب المؤلفون: «هذه البنيات الضخمة تترك بصماتها على الملاحظات الكونية».

تترك البنيات الفوقية بصمة على اشعاع الخلفية الكونية الميكروية، وهو إشعاع باقٍ من الإنفجار العظيم ومن الأدلة الرئيسية التي تدعمه، وتتطابق خصائص الخلفية الكونية للميكروويف مع توقعاتنا النظرية بدقة شبه جراحية.

إن جاذبية البنى الفوقية تعمل على تغيير الإشعاع الميكروي للخلفية الكونية في أثناء مروره من خلالها (وفقاً لتأثير ساكس وولف)
ما ينتج عنه تقلبات في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي. هذه التقلبات هي آثار جانبية يصعب تصفيتها، ما يؤدي إلى تداخل فهمنا لإشعاع الخلفية الكونية الميكروي، ومن ثم الانفجار العظيم.

قد تؤثر البنى الفوقية أيضًا في قياسات ثابت هابل، وهي قيمة أساسية في علم الكونيات تصف مدى سرعة توسع الكون.

بينما تتحرك المجرات بعيدًا عن بعضها البعض بسبب التوسع، فإن لها أيضًا سرعات محلية، تُسمّى السرعات الغريبة أو حركات التدفق. يجب فصل البنى الفوقية عن التوسع لفهمه بوضوح، إذ تؤثر الكتلة العظيمة لهذه البنى الفوقية في هذه الحركات المتدفقة وتشوه قياساتنا لثابت هابل. يشير البحث أيضًا إلى أن هذه الهياكل الضخمة قد تغير صورنا السماوية وتشوهها عن طريق عدسة الجاذبية واسعة النطاق، فيؤدي هذا إلى إدخال أخطاء في قياساتنا.

تنتج عمليات محاكاة نموذج لامدا سي دي إم هياكل فوقية مثل كويبو والهياكل الأربعة الأخرى. نموذج لامدا سي دي إم هو نموذجنا القياسي لعلم الكونيات الذي استند إلى نظرية الانفجار العظيم، وهو يفسر الكثير مما نراه في الكون، مثل بنيته واسعة النطاق. كتب المؤلفون: «نجد هياكل فوقية ذات خصائص مماثلة في عمليات المحاكاة القائمة على نماذج علم الكونيات لامبدا سي دي إم».

من الواضح أن هذه الهياكل الفوقية مهمة لفهم الكون، فهي تحتوي على جزء كبير من مادته وتؤثر في محيطها بطرق أساسية، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهمها ومعرفة تأثيرها.

كتب المؤلفون في استنتاجهم: «تتضمن الأبحاث المستقبلية المثيرة للاهتمام لنتائجنا دراسات حول تأثير هذه البيئات في تعداد المجرات وتطورها على سبيل المثال».

لن تستمر هذه الهياكل الفوقية إلى الأبد وفق الدراسة، ويشرح بورينجر وزملاؤه: «في التطور الكوني المستقبلي، من المحتمل أن تتفكك هذه الهياكل الفوقية إلى عدة وحدات منهارة، لذا فهي تكوينات عابرة. لكن في الوقت الحاضر، فهي كيانات مادية خاصة ذات خصائص مميزة وبيئات كونية فريدة من نوعها تستحق اهتمامًا خاصًا».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف عنقود مجري هائل مذهل … سيغير منظورنا للكون

إذا كان عُمر الكون المرئي 13.7 مليار سنة فكيف وصل قطره لأكثر من 93 مليار سنة ضوئية؟

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: إشراق بن ثاير

مراجعة: باسل حميدي

المصدر