قد يكون الدليل على وجود جسيم افتراضي يُبحث عنه منذ فترة طويلة، متخفيًا أمامنا طوال الوقت ألا وهو الأشعة السينية. أشار العلماء إلى أن انبعاث الأشعة السينية القادم من مجموعة من النجوم النيوترونية المعروفة باسم (النجوم المدهشة السبعة) مفرطٌ للغاية لدرجة أنه قد يكون قادمًا من الأكسيونات، وهي نوع من الجسيمات التي توقع وجودها العلماء منذ فترة طويلة، وتشكل في النوى الكثيفة لتلك الأجسام المعتمة.
إذا ثبتت النتائج التي توصلوا إليها، فقد يساعد هذا الاكتشاف على حل بعض ألغاز الكون الفيزيائي، بما في ذلك طبيعة المادة المظلمة الغامضة التي تُبقي الكون متماسكًا.
قال عالم الفلك ريموند كو من جامعة مينيسوتا: «كان العثور على الأكسيونات أحد الجهود الرئيسية في فيزياء الجسيمات عالية الطاقة، سواء من الناحية النظرية أو التجريبية».
ويضيف: «نعتقد أن الأكسيونات قد تكون موجودة لكننا لم نكتشفها بعد، يمكن القول إن الأكسيونات جسيمات شبحية، فهي قد تكون في أي مكان في الكون، لكنها لا تتفاعل بقوة كافية، لذلك ليس لدينا أي وصد لها حتى الآن».
الأكسيونات جسيماتٌ افتراضية ذات كتلة منخفضة للغاية، افتُرضت نظريًا لأول مرة في السبعينيات لحل مسألة سبب اتباع القوى الذرية القوية ما يسمى بتناظر تكافؤ الشحنة، عندما تفيد معظم النماذج أنها لا تحتاج إلى اتباعه.
تنبأت العديد من نماذج نظرية الأوتار بالأكسيونات، وهي أيضًا حل مقترح للتعارض بين النسبية العامة وميكانيك الكم، كما أن أكسيونات كتلة معينة هي أيضًا مرشحة كي تكون مادة مظلمة، لذلك لدى العلماء عدد من الأسباب الوجيهة للبحث عن الأكسيونات.
إن كانت موجودة، فمن المتوقع أن الأكسيونات تُنتج داخل النجوم، هذه الأكسيونات النجمية ليست هي نفسها أكسيونات المادة المظلمة، لكن وجودها يعني وجود أنواع أخرى من الأكسيونات.
تكمن إحدى طرق البحث عن الأكسيونات في البحث عن الإشعاع المفرط، من المتوقع أن تتحلل الأكسيونات إلى أزواج من الفوتونات في وجود مجال مغناطيسي، لذلك إذا اكتشف إشعاع كهرومغناطيسي أكثر مما ينبغي في منطقة متوقعة لحدوث هذا الانحلال، فقد يكون ذلك دليلًا على وجود الأكسيونات.
في هذه الحالة، فإن الأشعة السينية المفرطة هي تمامًا ما وجده علماء الفلك عند دراسة (النجوم المدهشة السبعة).
هذه النجوم النيوترونية، وهي النوى المنهارة للنجوم الضخمة المعتمة التي انفجرت في شكل مستعر أعظم، لا تتجمع في مجموعة، ولكنها تشترك في عدد من السمات، فكلها نجوم نيوترونية معزولة في منتصف دورة حياتها تقريبًا، بعد مرور بضع مئات الآلاف من السنين من الموت النجمي.
كلها تبرد وتنبعث منها أشعة سينية منخفضة الطاقة (ضعيفة) أثناء تبردها، ولدى جميعها مجالات مغناطيسية قوية وهي أقوى بتريليونات المرات من الحقل المغناطيسي للأرض، أي أنها قوية بما يكفي لتحفيز تحلل الأكسيونات، وجميعها قريبة نسبيًا فهي على بعد 1500 سنة ضوئية من الأرض.
هذا يجعلها مختبرًا ممتازًا للبحث عن الأكسيونات، وعندما درس فريق من الباحثين -بقيادة المؤلف الرئيسي والفيزيائي بنجامين سافدي من مختبر لورانس بيركلي الوطني- النجوم المدهشة السبعة باستخدام العديد من التلسكوبات، عثروا على انبعاث أشعة سينية عالي الطاقة (قوي) غير متوقع من النجوم النيوترونية من ذلك النوع.
هناك العديد من العمليات التي يمكن أن تنتج الإشعاع في الفضاء، لذلك تعين على الفريق أن يدرس بعناية المصادر المحتملة الأخرى للانبعاثات، فالنجوم النابضة، على سبيل المثال، تنبعث منها أشعة سينية قوية، لكن الأنواع الأخرى من الإشعاع المنبعث من النجوم النابضة، كموجات الراديو، غير موجودة في النجوم المدهشة السبعة.
هناك احتمال آخر وهو أنه قد تنتج المصادر غير المتفككة بالقرب من النجوم النيوترونية انبعاث أشعة سينية قوية. لكن مجموعات البيانات التي استخدمها الفريق، من مرصدين فضائيين مختلفين للأشعة السينية –إكس إم إم نيوتن وتشاندرا- أشارت إلى أن الانبعاث قادم من النجوم النيوترونية، كما وجد الفريق أنه من غير المحتمل أن تكون الإشارة نتيجة تراكم انبعاثات الأشعة السينية الضعيفة.
قال سافدي: «نحن على ثقة تامة من وجود هذا الفائض من الإشعاع، ونحن واثقون جدًا من وجود شيء جديد ضمن هذا الفائض، إذا كنا متأكدين بنسبة 100٪ أن ما نرصده هو جسيم جديد، فسيكون ذلك إنجازًا ضخمًا وثوريًا في الفيزياء».
هذا لا يعني أن الفائض هو جسيم جديد، قد تكون عملية فيزيائية فلكية غير معروفة من قبل، أو قد يكون شيئًا بسيطًا مثل أثر متبق من التلسكوبات أو معالجة البيانات.
وقال كو: «نحن لا ندعي أننا توصلنا إلى اكتشاف الأكسيون حتى الآن، لكننا نقول إنه يمكن تفسير الفوتونات الزائدة للأشعة السينية بواسطة الأكسيونات.
تعد الزيادة في فوتونات الأشعة السينية اكتشافًا مثيرًا للاهتمام، وهو احتمال مثير للحماس ويتوافق فعلًا مع تفسيرنا للأكسيونات».
ستكون الخطوة التالية محاولة التحقق من النتيجة، فإذا أنتج الفائض بواسطة الأكسيونات فيجب أن ينبعث معظم الإشعاع عند مستويات طاقة أعلى من المستويات التي يستطيع مرصدا إكس إم إم نيوتن وتشاندرا كشفها. يأمل الفريق باستخدام تلسكوب أحدث وهو التلسكوب (نوستار) التابع لناسا لمراقبة النجوم المدهشة السبعة عبر نطاق أوسع من الأطوال الموجية.
يمكن أن تكون النجوم القزمة البيضاء الممغنطة مصدرًا آخر للبحث عن انبعاثات الأكسيون فيه، فمثل النجوم المدهشة السبعة تمتلك هذه الأجسام مجالات مغناطيسية قوية ولا يتوقع أن تنتج انبعاث أشعة سينية قوي.
أضاف سافدي: «إذا رأينا فائضًا في الأشعة السينية هناك أيضًا، فقد يبدأ ذلك بإقناعنا حول تجاوز هذا الاكتشاف النموذج المعياري».
اقرأ أيضًا:
الإعلان عن الدليل الأول على وجود الأكسيونات
مرور تيار- S1 النجمي يوفّر فرصة للكشف عن الجسيمات الأولية المفترضة للمادة المضادة
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: جعفر الجزيري