يقدر محتوى جينات الجينوم البشري بنحو 30 ألف جين، فالجينات هي التعليمات التي تزود خلايانا بالمعلومات التي تحتاج إليها لتكوين أجزاء الجسم البشري كافة. ولتؤدي هذا الدور، يجب على خلايانا الوصول إلى الحمض النووي لتحويله إلى شكل أوسع من الحمض النووي الريبي RNA ، ثم تُستخدم المعلومات لخلق البروتينات اللازمة للحياة. نمتلك فهمًا جيدًا لكيفية تحويل الحمض النووي إلى الحمض النووي الريبي، وفق عملية تسمى النسخ، لكن معرفتنا لا تشمل كيفية معرفة الخلايا بوقت توقفها عن القراءة (عملية إنهاء النسخ).
لسنوات ظن العلماء أن البروتين المسمى (رو-Rho) سيتسلق الحمض النووي الريبي خلال إنتاجه، وعند الوصول إلى تسلسل إنهاء محدد، سيسحب الحمض النووي الريبي بعيدًا عن آلات النسخ (إنزيم البلمرة في الحمض النووي الريبي)، نتساءل دائمًا حول الآلية التي يستخدمها هذا البروتين لإيجاد المنطقة الصحيحة للتدخل والتوقف عن النسخ.
تقول إيرينا أرتسيموفيتش، الكاتبة المشاركة في الدراسة وأستاذة علم الأحياء المجهرية بجامعة ولاية أوهايو: «بدأنا دراسة بروتين «رو»، وأدركنا أنه من غير الممكن أن يعمل على النحو الذي يظنه البعض ناجحًا». يشير البحث المنشور في مجلة ساينس إلى احتمالية خطأ النظريات الموضوعة حول ذلك، وبدلاً من ربطه المعقد في المرحلة النهائية، يرتبط البروتين «رو» على إنزيم بوليمر الحمض النووي الريبي في أثناء عملية النسخ.
تكمن صعوبة التحقق من انتهاء عملية النسخ في سرعة حدوثها، إضافةً إلى تفكك البروتينات المعنية عن بعضها، وللتغلب على هذه العقبة استخدم العلماء المجهر الثوري كريو-إلكترون لتصوير المعقد بتفاصيل مبهرة، وجعله أكثر تماسكًا لتداوله فترةً أطول.
اكتشف العلماء ارتباط البروتين «رو» بمعقد بلمرة الحمض النووي الريبي طوال مدة النسخ، وعند الوصول إلى موقع الإنهاء يستعمل «رو» والمعقد بروتينات إضافيةً لفصل الناسخات عن سلسلة الحمض النووي الريبي. يقدم ذلك آليةً محتملةً لكيفية عمل البروتين «رو» على إيقاف النسخ، ويجيب أيضًا عن السؤال الملحّ المطروح حول كيفية توقف البروتين عن إنتاج الحمض النووي الريبي في ظل غياب تسلسل إنهاء، تلك الآلية الدقيقة التي استعصى اكتشافها على العلماء سنوات عدة.
كما تبين، يؤدي بروتين «رو» أيضًا دور مدير ضمان الجودة، حتى بغياب سلاسل الإنهاء التي تشير إلى بروتين «رو» بالتوقف عن إنتاج الحمض النووي الريبي، يتمكن البروتين دائمًا من إيقافها في المكان الصحيح. حاليًا يظن العلماء أنه بدلاً من الارتباط بتسلسلات إنهاء «رو» المحددة، فإنها ترتبط بإنزيم بلمرة الحمض النووي الريبي قبل الارتباط بالحمض النووي نفسه، وتعمل بالتزامن مع آلات النسخ لاختيار الحمض النووي الريبي المطلوب.
لاحظ العلماء قدرة البروتين «رو» على تحديد الحمض النووي الريبي المطلوب وتجاهل أي قطع غير مرغوب فيها ترتبط بإنزيم بلمرة الحمض النووي الريبي.
تابعت أرتسيموفيتش: «يجيب ذلك عن سؤال جوهري، فعملية النسخ واجبة الحدوث لإيجاد الحياة، لكن من دون محاولاتنا للتحكم في سيرها فلن ينجح شيء. يجب أن يعمل إنزيم بلمرة الحمض النووي الريبي باستقلال تام، وأن يكون كامل القدرة على صنع سلاسل الحمض النووي الريبي، متضمنةً تلك السلاسل التالفة أو التي قد تلحق الضرر بالخلية، يستطع البروتين «رو» خلال ارتباطه بإنزيم بلمرة الحمض النووي الريبي تجديد أهمية الحمض النووي الريبي المعني، والتخلي عنه إذا كان عديم الأهمية».
يظن الباحثون أن قدرة البروتين تشكل علامةً فارقةً في فهم الكيفية التي تنتج بها خلايانا التعليمات الصحيحة من حمضنا النووي، ومع إجراء هذه الدراسة في البكتيريا، فإنها تؤكد أن عمليات خلوية من هذا المستوى تتشابه آلياتها غالبًا في البكتيريا وحقيقيات النوى. تختم أرتسيموفيتش: «يبدو الأمر شائعًا، إذ تستخدم الخلايا عمومًا آليات عمل مماثلة، وتكون ذات أصل مشترك، فقد تعلمت جميعها الخطوات نفسها التي ستوصلها إلى الهدف».
اقرأ أيضًا:
الشيفرة الوراثية أو الكود الجيني Genetic Code
ترجمة: بشرى عيسى
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: أكرم محيي الدين