يمر الفيزيائيون في الوقت الحالي بفترة ذهبية فيما يتعلق بمعرفتهم بالثقوب السوداء منذ عام 2015، فقد تمكن العلماء من رصد إشارات ناتجة عن اندماج الثقوب السوداء باستخدام مرصد تداخل الأمواج التثاقلية باستخدام الليزر (ليغو)، بينما أخرج تلسكوب إيفينت هورايزون (EHT) أول صورة لظل الثقب الأسود، ولم يكن هذا العام استثناءً؛ إذ توصلنا إلى اكتشافات مذهلة لتتسع أفق معرفتنا بالثقوب السوداء، ونستعرض معكم الاكتشافات المهمة في عام 2020.
جائزة نوبل في الفيزياء تذهب إلى الثقوب السوداء
مثلما كان العام مذهلًا في ما يتعلق بالثقوب السوداء، فقد حقق ثلاثة فيزيائيين الإنجاز العلمي الأعظم في العام بحصولهم على جائزة نوبل، بسبب تفسيرهم لحيوات تلك الكيانات الكونية الغامضة.
إذ حصل روجر بينروز من جامعة أوكسفورد بالمملكة المتحدة على نصف الجائزة؛ لاكتشافه أن تَكوّن الثقوب السوداء هو توقع دقيق للنظرية النسبية العامة، في حين تشارك في النصف الآخر من الجائزة كل من أندريا غيز من جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلس ورينارد غينزل من جامعة بون ومعهد ماكس بلانك لفيزياء خارج الأرض بألمانيا؛ لاكتشافهم جسمًا كثيفًا وفائق الضخامة في مركز مجرتنا، وفقًا للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم.
تُعد غيز رابع سيدة تحصل على جائزة نوبل في الفيزياء بعد ماري كيوري في 1903، وماريا غيوبيرت-ماير في 1963 ودونا ستريكلاند في 2018.
رصد أكبر تصادم لثقبين أسودين حتى الآن
يرصد مرصد ليغو، ونظيره الأوروبي، فيرغو، الثقوب السوداء عبر الأمواج التثاقلية والانحناءات العملاقة في نسيج الزمكان عند تذبذب الأجرام العملاقة.
رغم تحقيق المرصدين لاكتشافات مذهلة، أعلن المرصدان المتعاونان معًا شهر مايو الماضي عن رصد أكبر تصادم لثقبين أسودين على الإطلاق، إذ بلغت كتلة أحداهما 85 مرة كتلة الشمس، وبلغت كتلة الآخر 66 مرة كتلة الشمس، ونشأ عن الاصطدام ثقب أسود بكتلة 142 مرة كتلة الشمس.
إضافة إلى تحقيق رقم قياسي، فقد كان هذا الاكتشاف الأول من نوعه في المنطقة المعروفة بالمنطقة «المحرمة» للثقوب السوداء متوسطة الحجم، فرغم رصد العلماء لثقوب سوداء صغيرة في حجم الشمس تقريبًا، وثقوب سوداء هائلة تبلغ كتلتها ملايين المرات كتلة الشمس، ولكن تُعد تلك المرة الأولى التي يرصد فيها العلماء ثقوبًا سوداء متوسطة الحجم.
يعمل العلماء في الوقت الحالي على حل اللغز الذي يكمن وراء طريقة تكوينها.
ثقوب سوداء بدائية عملاقة
بعد الانفجار العظيم، كان الكون يعج بالإشعاع الساخن والمضطرب. في بعض المناطق، كانت الطاقة كثيفة لدرجة أنها انهارت نظريًا على نفسها وكونت ثقوبًا سوداء.
بينما ما يزال الفيزيائيون لا يعرفون بوجود تلك الكيانات، المعروفة بالثقوب السوداء البدائية من عدمها، فإنهم يبحثون عما يمكن حدوثه إذا كانت موجودة بالفعل.
تقترح بعض الأوراق البحثية -من بينها ورقة نُشرت في نوفمبر- أن تلك الثقوب السوداء قد يكون بعضها أصغر من تلك المتكونة من موت النجوم، التي ربما تكوّن المادة المظلمة، وهي مادة غير معروفة تحدث تأثيرًا تجاذبيًا عبر الكون، وما تزال التجارب قائمة للبحث عن حقيقة وجود الثقوب السوداء البدائية من عدمها.
الثقوب السوداء الهائلة جدًا قد تكون موجودة
ماذا لو حولنا الثقوب السوداء العملاقة القابعة في مراكز المجرات إلى 11 ضعفًا؟
هذا ما تناقشه إحدى الأوراق المنشورة في شهر سبتمبر، وهو احتمالية وجود الثقوب السوداء الكبيرة الهائلة، قد تبلغ كتلة تلك الأجسام الهائلة على الأقل تريليون مرة كتلة الشمس، وهو ما يبلغ عشرة أضعاف كتلة الثقب الأسود الأكبر المعروف لنا حتى الآن، وهو TON 618 الذي تبلغ كتلته 66 مليار مرة كتلة الشمس.
تكونت بعض الثقوب السوداء الهائلة في بدايات الكون، الأمر الذي يجعلها فئة أخرى من الثقوب السوداء البدائية، ما يعني أننا قد نتمكن من رصد بصمتها في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي.
يمكن رصد البعض الآخر بتتبع الانحراف الذي تحدثه الثقوب السوداء في الضوء القادم من النجوم البعيدة.
ما تزال تلك الفكرة مجرد فرضية ولكنها تجذب اهتمام الكثير من العلماء.
ليغو يكتشف اندماجًا غير متكافئ
في أغلب الأحيان، ينشأ الاصطدام الذي يرصده مرصدا ليغو وفيرجو عن ثقبين أسودين متقاربين في الكتلة. لكن في شهر أبريل رصد المرصدان أكثر ارتطام غير متماثل على الإطلاق.
إذ ارتطم الجسمان على مسافة 2.4 مليار سنة ضوئية، وكانت كتلة الثقب الأسود الأول 8 مرات كتلة الشمس، بينما بلغت كتلة الآخر 30 مرة كتلة الشمس.
اعتُقد أن تلك الأحداث نادرة جدًا لدرجة أن المراصد المعتمدة على الأمواج التثاقلية لن تتمكن من رصدها خلال سنوات قليلة من تشغيلها.
دحضت الاكتشافات الحديثة تلك الفرضيات، بل أن الباحثين توقعوا حدوث اندماجات هرمية، إذ يرتطم ثقبان أسودان، ثم يندمج الثقب الأسود الناتج مع ثقب أسود جديد.
رصد ثأثير السباغيتي بين ثقب أسود ونجم
حين يقترب جسم ضخم من ثقب أسود، يمكن أن تتسبب قوى الجذب الهائلة في تمزيق الجسم وتحويله إلى جدائل طويلة من المادة المتناثرة.
تُعرف تلك العملية بالتأثيرات المعكرونية ونادرًا ما تُرصد تلك الظاهرة؛ لأن غالبية الثقوب السوداء تحيطها سحب حاجبة من الغازات والغبار، الناتجة من تجشؤ الثقوب السوداء بعد الوجبات التي التهمتها في السابق، إضافة إلى المواد التي هربت من مصيرها كوجبة للثقوب السوداء.
في أكتوبر، تمكن المرصد الأوروبي الجنوبي من رصد تأثير السباغيتي لنجم بتفاصيل غير مسبوقة.
يمنح هذا الحدث، المُسمى AT 2019qiz للباحثين فرصة عظيمة للتعرف على تلك الظاهرة وتحقيق فهم جيد للجاذبية في البيئات المتطرفة.
رصد أقرب ثقب أسود على الإطلاق
بالطبع لا يرغب أحد في الاقتراب من ثقب أسود، ولكن الثقب الأسود المكتشف في مايو كان على مسافة كونية آمنة من النظام النجمي HR 6819.
مختبأً على بعد 1000 سنة ضوئية من الأرض في نجوم المرقب، يُعد الثقب الأسود المكتشف حديثًا أقرب بثلاث مرات من الثقب الأسود الذي حمل الرقم القياسي السابق لأقرب ثقب أسود من الأرض، لا يمكن للعلماء رصد الثقب الأسود رصدًا مباشرًا، ولكن تأثيره التجاذبي يمكن رصده في النظام النجمي.
قد تكون الثقوب السوداء كرات زغب
لكي تتكون الثقوب السوداء، لا بد للمادة والطاقة أن ينضغطا إلى نقطة ذات كثافة لا نهائية، لكن تستحيل غير النهائية فيزيائيًا.
وجد واضعو النظريات طريقة للالتفاف حول تلك النتائج الغريبة؛ وفقًا لنظرية الأوتار، التي تستبدل كل الجسيمات والقوى بأوتار مهتزة دون ذرية، لتصبح الثقوب السوداء أكثر غرابة من ذلك، كرة مشوشة من الأوتار الأساسية.
في أكتوبر، أظهرت دراسة أن الذرات في النجوم النيوترونية -أحد البقايا النجمية- لا تعد كثيفة بما يكفي لتكوين ثقب أسود.
إذا وجدت مجموعة من الأوتار، فإن ضغطها معًا لن يكون ثقبًا أسود ولكن كرة مشوشة قد تبدو مثل كرة الخيوط المذكورة أعلاه.
لم تُستكمل تلك الفكرة الغريبة بعد، ولكنها قد تكون أحد الخيارات الممكنة للتعامل مع اللا نهاية.
ربما تختبئ ثقوب سوداء عارية في الكون
طبقًا للفيزيائيين، لا بد أن يحاط أي ثقب أسود بما يُعرف بأفق الحدث، وهي حدود فور وقوعك بها لن تخرج أبدًا. ولكن منذ الافتراض بوجود الثقوب السوداء لأول مرة يتساءل العلماء عن حتمية وجود أفق الحدث.
هل يمكن وجود ثقب أسود دون أفق حدث؟ وهو ما يسمى الثقب الأسود العاري.
قد يكون هذا الأمر خطيرًا، إذ أن قوانين الفيزياء المعروفة تتحطم داخل أفق الحدث للثقب الأسود، وهو ما لا يقدمه الثقب الأسود العاري.
يرجح غالبية الفيزيائيين عدم وجود تلك الاحتمالية، ولكن اقترحت ورقة بحثية في شهر نوفمبر إمكانية وجود طريقة للتأكد.
تكمن الحيلة في البحث عن الاختلافات في القرص المزود أو حلقات الغاز والغبار المتكونة حين يتغذى الثقب الأسود، قد يظهر حينها اختلاف مرئي بين الثقب الأسود الطبيعي والعاري.
اكتشاف كنز دفين من الثقوب السوداء
جاءت أعياد الميلاد مبكرًا هذا العام بالنسبة لعلماء الثقوب السوداء.
في أكتوبر، أصدر مرصد ليغو ومرصد فيرجو بيانًا مصورًا يحوي العديد من إشارات الأمواج التثاقلية المرصودة بين أبريل وسبتمبر من عام 2019.
شملت الأحداث الـ39 العديد من الاكتشافات المذهلة، مثل الاندماج بين ثقبين أسودين نتج عنه ثقب أسود بلغت كتلته 142 مرة كتلة الشمس، والحدث غير المتكافئ الذي نشأ عن اندماج ثقب أسود بلغت كتلته 8 مرات كتلة الشمس، مع آخر بكتلة 30 مرة كتلة الشمس وجسم آخر غامض قد يكون ثقبًا أسودًا صغيرًا أو نجمًا نيوترونيًا كبيرًا.
ابتهج الباحثون بالنتائج التي كانت ترصد إشارة جديدة كل خمسة أيام تقريبًا، ما ساعدهم في فهم سلوك وتردد الثقوب السوداء عند اندماجها فهمًا أفضل.
اقرأ أيضًا:
للمرة الأولى: رصد ثقب اسود خامل داخل عنقود نجمي
هل اتى كوننا من ثقب اسود هائل ؟
ترجمة: شريف فضل
تدقيق: تسبيح علي