افتح يا سمسم
مصنعُ «أشعة X» الأول في الشرق الأوسط يتهيَّأ للعمل!
أُعِدّ مشروع سمسم (SESAME) ليغيّر العلوم بشكلٍ جذري في المنطقة، ولكنه مُقيّدٌ بسبب التمويل.
سيدير مسرّع الجزيئات (SESAME) الإلكترونات بطاقاتٍ عالية، مشكِّلًا أشعةً ذات نشاطٍ إشعاعيٍّ شديدٍ ستُستَخدم لدراسة كنوز الحضارات.
وصمد مركز الأبحاث الرئيسي الأول في الشرق الأوسط في وجه الاضطرابات السياسية، والعقوبات الاقتصادية العالمية، وحتى اغتيال مُفوَّضَين اثنين (عالمَين إيرانيَّين ساهما في تطوير الأبحاث النووية)، أما الآن فإن جهاز السينكروترون* الضوئي للعلوم والتطبيقات التجريبية في الشرق الأوسط، المدعو بـ “سمسم” (SESAME: Synchrotron-light for Experimental Science and Application in the Middle East)، شارف على تدوير أولى جسيماته الدُّون ذريّة.
*السينكروترون أو المسرّع الدوراني التزامني هو نوعٌ خاصٌّ من مسرّعات الجسيمات التي يُطبَّق فيها كلٌّ من الحقل المغناطيسي (من أجل تحريك الجسيمات بحركةٍ دورانية)، والحقل الكهربائي (من أجل تسريع الجسيمات)، وذلك بشكلٍ متزامنٍ مع حزمة الجسيمات المتنقلة، وتمَّ تطويره بواسطة لويس ولتر ألفاريز لدراسة فيزياء الجسيمات عالية الطاقة.
سيبدأ الجهاز الذي يقع خارج عمّان، الأردن، بتسريع الإلكترونات حول حلقته التي يبلغ طولها 133 مترًا في كانون الأول-December، وسيستخدم الأشعة الناتجة ذات القدرة الإشعاعية الشديدة لممارسة العلوم ابتداءً من شهر أيار-May لعام 2017.
بدايةً سيعمل سمسم المقيّد ماليًا بنصف قدرته المخطَّط لها، ولكنَّ موقعه في الشرق الأوسط يعني أنَّه سيقوم بمساهمةٍ مهمةٍ في العلم، <<سيُشيّد المسرحَ لثقافةِ التكنولوجيا والعلوم المتقدمة في منطقتنا >> يقول المدير خالد طوقان.
SESAME هو تعاونٌ بين البحرين، وقبرص، ومصر، وإيران، وإسرائيل، والأردن، وباكستان، وفلسطين، وتركيا، وأُنشِئ تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO) ، كما أنه تلقى تمويلًا من دول أخرى من الاتحاد الأوروبي.
ستولّد الآلة الضوء بمجال أطوال أمواج، ومن ثم تحوّله إلى خطوط أشعةٍ شديدةٍ بتوترات معيَّنة (انظر صورة “افتح يا سمسم”)، والتي يمكن استخدامها لإظهار بنى موادَّ وعيناتٍ بيولوجية وآثار من صنع الإنسان هبوطًا إلى المقياس الذرّي، ويتسع SESAME لـ 24 خطًّا شعاعيًا (beamline)، وقد كانت الخطة هي الانفتاح بدايةً بأربع فتحات ممتلئة، ولكنَّ نقص التمويل يعني أنه سيفتح باثنين فقط، واحدة للأشعة تحت الحمراء والأخرى لأشعة X.
<<يوجد سمسم في مكانٍ من العالم يمرُّ بأوقات عصيبةٍ سياسيًا، وبالكثير من عدم الاستقرار، كما أنَّ التمويل لم يزد>> يقول طوقان، <<فلم تستطع إيران دفع مساهمَتها حتى كانون الثاني- January، بسبب عقوباتٍ اقتصاديةٍ منعتها من تحويل المال دوليًا، ولم تدفع قبرص حصَّتَها من تكاليف التشغيل كونها تعرّضت لأزمةٍ ماليةٍ في عام 2011، أما باكستان فقد دفعت نصف ما عليها فقط لهذا العام، بينما كانت الأردن وتركيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان دفعتا كامل مساهمتهما السنوية والاستهلالية>> يضيف طوقان، و أثرت السياسة في سمسم أيضًا، إذ قُتل فيزيائيان إيرانيّان في تفجير سيارةٍ عامَي 2009 و 2011، وكانا عضوَين في المجلس.
ومع ذلك، يُتوقع من المهندسين إتمام فحص السينكروترون بحلول شهر أيار، وعندها ستتمكن مجموعةٌ من 260 باحثًا من جامعات من الشرق الأوسط بشكلٍ عام، وفي عدة مجالات، من علم تأثير الأدوية إلى الفيزياء، من التقدم بطلب استخدام الخطين الشعاعيَّين.
يأمل طوقان أن تُسهّل المنشأة التخلُّص من جفاف العقول في المنطقة، وتعزز التعاون بين المجتمع العلمي والصناعي، وأن تصنع فرصًا للباحثين الذين يمنعهم نقص المال من مغادرة الشرق الأوسط.
كما تُقدِّم المنشأة فرصةً جديدةً لدراسة الإرث الحضاري للمنطقة، بسبب قربها من العديد من كنوز العالم الأثرية، فيأمل (Jan Gunneweg) وهو باحثٌ في علم الـarchaeometry (علم يختص بتطبيق التقنيات والمناهج العلمية على علم الآثار) في الجامعة العبرية في القدس، أن يستخدم العلماء SESAME في التعاون على فهم ماضيهم المشترك، فالعديد من القطع الأثرية، مثل المومياء المصرية وورق البردي الرقيق، هشةٌ ويجب تأمينها بتكاليف مرتفعة إذا كانت ستُنقل لمسافاتٍ بعيدة، <<إذا نُقلت هذه المواد جوًّا، فإنها ستُدمَّر>> يقول جان، وهو يريد استخدام السينكروترون لتعزيز دراساته لتركيب، وبالتالي لأصول، مخطوطات رقّيّة، بما فيها لفائف البحر الميت، أقدم نصوصٍ توراتية معروفة.
ويُكلِّف بناء SESAME حوالي 110 مليون دولار أمريكي، أي سُدس تكلفة منشأة السينكروترون الشعاعية الأوروبية (European Synchrotron Radiation Facility) في مدينة غرينوبل، فرنسا، وهي من أحدث السينكروترونات في العالم، وبالإضافة للمساعدة التي قُدِّمت، اعتمد SESAME أيضًا على أجزاء تبرعت بها المنشآت الأوروبية المفككة، كما أنه بُنيَ على أرضٍ ممنوحة بالمجان.
وسيتم تثبيت خطين شعاعيَّين آخرين بحلول نهاية عام 2018، وقد أمَّن SESAME مليونَيّ دولار أمريكي من صندوق دعم البحث العلمي الأردني من أجل الشعاع الثالث، والذي سينفّذ كريستالوغرافيا البروتين (protein crystallography)، ويثق طوقان أن التعاون سيوجِد التمويل للشعاع الرابع المخصص لعلم المواد.
لا يوجد جدول مواعيد محضّر لملء الفتحات العشرين المتبقية بعد هذه الأشعة الأربعة، <<القليل من الأكوام من ملايين الدولارات قد تحقق هذا الحلم، >> يقول (Roy Beck)، عالم في الفيزياء الحيوية في جامعة تل أبيب وعضو في لجنة مجموعة مستخدمي SESAME ، كما يشتكي من عدم رغبة العديد من الأمم تجاوز المشاكل القومية لأجل العلم، فلن تشارك بعض دول الخليج بسبب مشاركة إسرائيل، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قدمت مساهمةً صغيرة فقط، والتي يعزيها كل من طوقان وبيك للاعتبارات السياسية.
ولكن يأمل المؤيدون لـ SESAME بأن يرعى السلام بطريقةٍ مماثلة لما قام به المخبر الأوروبي للفيزياء الجزيئية CERN المُنشأ بالقرب من جينيف، سويسرا، من مداواةٍ لجروح الحرب العالمية الثانية، وجمع الاتحاد السوفييتي وعلماء الغرب معًا في قمة الحرب الباردة.
ولكنَّ عوامل النجاح الضرورية كانت المساحات المجتمعية لـCERN، حيث يُمكن للعلماء أن يتناولوا كوبًا من القهوة معًا ويتعارفوا، >> يقول بيك، أما SESAME فهو معَدٌ لأن يفتح دون مقهى أو إقامة مخصصة، على الرغم من محاولة اللجنة لجمع 32 ألف دولار أمريكي من التبرعات لإنشاء ما سبق.
<<أتمنى أن يفهم الناس أنها فرصةٌ حقيقةٌ للشعوب في الشرق الأوسط كي يضعوا يدًا بيد ويتحدثوا عمّا يوحدهم>> يقول بيك.
ترجمة: سارة وقاف
تدقيق بدر الفراك
المصدر