اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية حالة صحية عقلية يشعر المريض فيها بالانفصال عن جسده ومشاعره وبيئته، وهي حالة تميل للانتكاسة والهجوع على مدى طويل من الزمن، مسببةً الضيق والقلق لصاحبها. قد يشمل العلاج مزيجًا من الأدوية والعلاج النفسي.
يختلف مرضى اضطراب تبدد الشخصية عن الآخرين الذين تراودهم مشاعر مشابهة بين فترة وأخرى، بأن معاناتهم تستمر فترات طويلة أو قد تختفي فترةً ثم تُعاود الانتكاس.
يؤثر اضطراب تبدد الشخصية في قدرة التعرف على الأفكار والمشاعر والجسد الخاص بالفرد، إذ قد يشعر المريض كأنه منفصل عن ذاته.
مثلًا، إذا كان يتسوق من البقالة، فقد يشعر بأنه يشاهد شخصًا آخر يدفع عربة التسوق، أو قد لا يتعرف على صورته عند رؤيتها في الزجاج.
يؤثر الاغتراب عن الواقع في القدرة على رؤية المحيط بدقة. قد لا تبدو الأشياء حقيقيةً كالسابق بالنسبة إليه، أو قد تبدو مشوهةً في الشكل أو الحجم، أو قد يراها تتغير عند النظر إليها. قد لا يفقد الاتصال تمامًا بالواقع، ويفهم أن انطباعاته ليست حقيقية، ما يسببُ له الإحباط والقلق.
يصنف الأطباء النفسيون اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية بوصفه اضطرابًا انفصاميًا، وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، ويندرج اضطراب الهوية التفارقي وفقدان الذاكرة التفارقي أيضًا ضمن هذه الفئة.
ما مدى شيوع اضطراب الاغتراب عن الواقع؟
يخبر معظم الناس عن فترات من انقطاع التواصل مع البيئة المحيطة والانفصال عنها من وقت لآخر، ما يُسمَّى «تبدد الشخصية العابر»، لكن اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية حالة مزمنة طويلة الأمد. يشيع حدوثها عمومًا بنسبة 1-2% من الأشخاص، وهو أكثر شيوعًا لدى المراهقين والشباب ومرضى الاضطرابات العقلية الأخرى.
ما أعراض اضطراب الاغتراب عن الواقع؟
كثيرًا ما يجد المصابون باضطراب تبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع صعوبةً في التعبير عن أعراضهم بكلمات. ويشعر بعضهم أن لديهم كلمات لوصف تجربتهم، لكن يبدو أن الناس لا يفهمونها جيدًا أو لا يأخذونها على محمل الجد. العرض الرئيسي لاضطراب الاغتراب عن الواقع هو الشعور بالانفصال.
قد يشعر المريض بما يلي:
- الانفصال عن أفكاره ومشاعره وجسده «تبدد الشخصية».
- الانفصال عن البيئة المحيطة به أو البيئة «الاغتراب عن الواقع».
- أنه يشبه الروبوت.
- فقدان الإحساس العاطفي.
- الشعور بمراقبة نفسه من الخارج.
- العيش في عالم من الأحلام.
- الحزن أو القلق.
تسبب هذه الأعراض انزعاجًا كبيرًا لدى المريض، وقد يبدأ التساؤل عن الخطأ الفادح الذي ارتكبه ليحدث هذا. قد يركز على الأعراض، أو يفكر في الأحداث الماضية ويجترها مرارًا وتكرارًا، أو يحاول السيطرة عليها، قد تزيد هذه المحاولات من مشاعر القلق والضيق لديه، ما يفاقم الأعراض السابقة.
ما سبب اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية؟
لا يعرف مقدمو الرعاية الصحية بالضبط أسباب اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية، لكنه يرتبط عادةً بالتوتر الشديد أو الصدمة، مثل:
- الاعتداء الجسدي.
- العنف المنزلي.
- الحوادث أو الكوارث الطبيعية.
- خطر يهدد الحياة.
- الموت المفاجئ لأحد الأقارب.
- معاناة أحد الوالدين من مرض عقلي شديد.
ما عوامل الخطر؟
قد يكون بعض الأشخاص أكثر عرضةً للإصابة بالاضطراب الانفصامي، بسبب:
- انخفاض الوعي بالعواطف.
- بعض اضطرابات الشخصية أو غيرها من اضطرابات الصحة العقلية.
- الحالات الجسدية مثل اضطراب النوبات.
كيف يُشخص اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية؟
يطرح الطبيب سلسلة من الأسئلة عن الأعراض التي يعانيها المريض، ويبحث عن حالات الصحة العقلية الأخرى -الأمراض المرافقة- مثل:
- اكتئاب.
- قلق.
- اضطراب الوسواس القهري.
- اضطراب كرب ما بعد الصدمة.
- تقلبات الشخصية.
إذا لم يكن لدى الطبيب تشخيص آخر مناسب، ولم يتوقف المريض عن تناول الدواء ولم تكن لديه تاريخ مرتبط بتناول مواد تغير الحالة المزاجية مثل المخدرات أو الكحول، فقد يُشخَّص باضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية.
كيف يُعالج اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية؟
لم يتوصل الباحثون بعد إلى أفضل طريقة لعلاج اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية. لكن عند بحث خيارات العلاج، يهتم الطبيب النفسي بالتاريخ الطبي للمريض وأعراضه وأهداف العلاج. وقد يوصي بالأدوية والعلاج بالكلام -العلاج النفسي- مثل العلاج السلوكي المعرفي، أو المعالجة المعتمدة على إزالة حساسية حركة العين.
الأدوية:
تُعد أساليب العلاج بالكلام أفضل علاج للحالات المشابهة، ومع ذلك فإن مختص الصحة العقلية قد يوصي بدواء -أو مجموعة أدوية- جزءًا من الخطة العلاجية، مثل:
- مثبطات عود قبط السيروتونين الانتقائية.
- الأدوية المضادة للقلق.
- أدوية تثبيت المزاج.
- الأدوية المضادة للذهان.
الآثار الجانبية:
نظرًا إلى استخدام أدوية مختلفة لعلاج اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية، فإن الآثار الجانبية تختلف باختلاف الزمر الدوائية، من الآثار الجانبية الشائعة المشتركة:
- الإمساك.
- الدوار.
- النعاس.
- جفاف الفم.
- زيادة الشهية.
- التفاعل المحتمل مع الأدوية الموصوفة الأخرى أو الكحول.
- احتباس البول.
- زيادة الوزن.
ما الاختبارات التي تُجرى لتشخيص هذا الاضطراب؟
إذا اشتبه مقدم الرعاية الصحية العقلية في اضطراب تبدد الشخصية، فقد يطرح سلسلة من الأسئلة التي تساعد على تحديد الأعراض بدقة، وعدد مرات حدوثها، ومدى تأثيرها على الحياة والصحة. وقد يطلب من المريض إكمال بعض التقييمات ورقيًا أو عبر الإنترنت. مع أن العثور على الكلمات المناسبة لوصف المشاعر قد يكون أمرًا صعبًا، يساعد الطبيب مريضه قدر الإمكان على التعبير عن نفسه، حتى يتمكن من فهم الحالة ومساعدته.
إلى متى يستمر اضطراب الاغتراب عن الواقع؟
لا توجد الكثير من الأبحاث عن هذا الاضطراب والتوقعات المرتبطة به. إذا تُرك اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية دون علاج، فقد يستمر لسنوات. في بعض الأحيان قد تُحل المشكلة تلقائيًا، لكنها تؤثر سلبًا على علاقات المريض أو حياته العملية. مع العلاج، عادةً ما يبدأ الناس الشعور بتحسن أعراضهم في غضون بضعة أشهر.
كيف يعتني المريض بنفسه؟
الأعراض الدائمة لاضطراب تبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع، تجعل طلب العلاج من مختص الرعاية الصحية العقلية أمرًا ضروريًا للمريض. ومن المحتمل أن يحتاج إلى عدة زيارات في البداية، ثم متابعة منتظمة مع طبيب نفسي. سيساعده الطبيب النفسي على إيجاد العلاج المناسب لحالته المحددة والتحقق من إمكانية التحكم في الآثار الجانبية، ويستخدم العلاج بالكلام لتدريبه على المهارات اللازمة للتعامل مع الأعراض وتجنب مثيراتها قدر الإمكان.
في هذه الأثناء، ينبغي للمريض تناول أدويته الموصوفة وأن يرفق بنفسه قدر الإمكان. من الطبيعي أن يقلق المريض بشأن صحته، لكن عليه ألا يبالغ في التفكير بشأنها، ويساعد التنفس العميق على تهدئة مخاوفه.
ماذا يتجنب المريض من الطعام والشراب؟
يوصى مريض اضطراب الاغتراب عن الواقع وتبدد الشخصية بتجنب تعاطي المخدرات، إذ قد يؤدي إلى ظهور أعراض تبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكحول، وقد تتفاعل أيضًا مع الأدوية الموصوفة للمريض. الصدق مع فريق الرعاية أمر مهم جدًا، لمعرفة أوقات تعاطي هذه المواد وكميتها. يمكن للفريق بدوره تقديم الدعم الذي يحتاج إليه المريض لمساعدته على الإقلاع بأمان.
متى تجب مراجعة الطبيب؟
يُحدد الطبيب مواعيد متابعة منتظمة لمراقبة صحة المريض والأعراض المستمرة والآثار الجانبية المحتملة للعلاج. قد توجد أوقات يحتاج فيها المريض إلى إجابة عن استفسار أو دعم وليس لديه موعد مُسبق، عليه إذن ألا يتردد في التواصل مع الطبيب إذا تفاقمت الأعراض.
ما الأسئلة التي يُنصح بتوجيهها إلى الطبيب؟
من المهم أن يشعر المريض بالراحة عند طرح أسئلة على مقدم الرعاية الصحية، لكن في بعض الأحيان، يُرتج على الأشخاص عند سؤالهم عن الأسئلة التي يودون طرحها، لعدم قدرتهم على صياغتها بدقة. قد يكون من المفيد إحضار قائمة أسئلة مُعدة مسبقًا. قد يرغب المريض في السؤال عن:
- كم من الوقت يستغرق حتى يشعر بنفسه مرة أخرى؟
- ما الآثار الجانبية التي قد يسببها العلاج؟
- إلى متى يحتاج المريض إلى الدواء أو العلاج؟
- إذا كانت لديه أسئلة أو استفسارات، كيف يمكن أن أتصل بمقدم الرعاية؟
- ماذا يجب أن يفعل إذا تفاقمت الأعراض؟ ماذا لو كان بعد ساعات العمل أو في عطلة نهاية الأسبوع؟
ختامًا، من السهل أن يشعر الشخص بالوحدة إذا كان يعاني اضطراب تبدد الشخصية والاغتراب عن الواقع. من المهم معرفة أن فريق رعاية الصحة العقلية موجود للمساعدة دومًا، كذلك الأمر بالنسبة إلى العائلة والأصدقاء، حتى لو كانوا يكافحون من أجل فهم واقعه بالضبط. ليس عليهم أن يفهموا التجربة تمامًا لكي يحبوا المريض أو يساعدوه، فقط يجب على المريض إخبارهم بما يحتاج إليه منهم حتى يعرفوا كيفية مساعدته.
اقرأ أيضًا:
اضطراب الكابوس: حين يرتبط الحلم بمشاعر سلبية
ماذا يعني اضطراب الاكتئاب غير المحدد؟
ترجمة: لمك يوسف
تدقيق: غفران التميمي