يُستدلّ على إساءة استهلاك الكحول باستهلاك كميات كبيرة منه، أو كميات تفوق المعتاد، أو عدم القدرة على التحكم في هذا الاستهلاك. في بعض الحالات قد تدل هذه العلامات على اضطراب استهلاك الكحول- AUD.
سُميَ اضطراب استهلاك الكحول سابقًا بأسماء أخرى كإدمان الكحول، والاعتماد على الكحول، والكحولية، وفي 2013 اعتمد الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DMS-5) تسميةً واحدة تحقق التكامل بين هذه المصطلحات ضمن اضطراب واحد قابل للتشخيص، وهو اضطراب استهلاك الكحول AUD الذي يختلف عن إساءة استهلاك الكحول، وهذه التفرقة تقلل من الوصمة التي تلحق هذه الحالة.
يشير مصطلح إساءة استهلاك الكحول إلى نوبة واحدة من الشرب المفرط، عندما تتكرر النوبات مع الوقت قد تتحول الحالة إلى اضطراب استهلاك الكحول وتؤثر في الحياة والحالة الصحية. قد ينقسم هذا الاضطراب إلى أنواع فرعية تشمل الاضطراب الخفيف، والمعتدل، والشديد.
يقول المعهد الوطني لتعاطي الكحول (NIAAA) إن 14 مليون بالغًا تقريبًا في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون اضطراب استهلاك الكحول، وهذا النوع من الاضطرابات قد يخرّب الحياة ويعرّضها للخطر.
تختلف طرق تأثير الكحول في الأشخاص، ما يجعل اكتشاف الإصابة باضطراب استهلاك الكحول أمرًا صعبًا يختلف من شخص إلى آخر. يتناول في هذا المقال أعراض هذا الاضطراب، وعوامل الخطورة، والتشخيص، والعلاج، وكيفية الحصول على الدعم.
الفرق بين إساءة استهلاك الكحول واضطراب استهلاك الكحول
يختلف تأثير الكحول من شخص لآخر، لكن الفرق بين إساءة استهلاك الكحول واضطراب استهلاك الكحول يظهر بالنظر إلى طريقة استهلاك الفرد للكحول على المدى القصير، ومقارنتها بطريقة شربه خلال فترة مطولة من الزمن.
يعدّ اضطراب استهلاك الكحول أحد اضطرابات الإدمان، ما يعني احتمال أن يجد الفرد صعوبة في التوقف عن استهلاك الكحول حتى عند رغبته في ذلك. يشمل تعريف اضطراب استهلاك الكحول أيضًا التأثير الذي تلقي به هذه الطريقة من شرب الكحول في الحياة والحالة الصحية للفرد.
إساءة استهلاك الكحول
ترى مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن شرب الكحول باعتدال هو باستهلاك مشروبين في اليوم أو أقل لدى الرجال، ومشروب واحد أو أقل لدى النساء، وإن شرب أكثر من ذلك قد يوحي بإساءة استهلاك الكحول. ويُعد شرب الكحول مفرطًا لدى استهلاك 15 مشروبًا في الأسبوع أو أكثر لدى الرجال، و8 مشروبات في الأسبوع أو أكثر لدى النساء.
ومن جهة أخرى، قد تشمل إساءة استهلاك الكحول النظر إلى طريقة شرب الكحول وليس فقط كميته، فمثلًا أي استهلاك للكحول من امرأة حامل يُعد إساءة للاستهلاك، وينطبق الأمر على الشرب تحت السن القانوني (21 سنة).
اضطراب استهلاك الكحول
يعرَف اضطراب استهلاك الكحول في اللغة العامية باسم الكحولية، لكن الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM- 5 توقف عن استخدام هذا المصطلح، ويرى أن وجود اثنين من الأعراض الآتية على الأقل خلال فترة سنة يشير إلى احتمال الإصابة باضطراب استهلاك الكحول المعتدل على الأقل:
- شرب كميات كبيرة من الكحول لفترات طويلة.
- الرغبة في تخفيف شرب الكحول أو الإقلاع عنه، أو محاولة فعل ذلك دون جدوى.
- قضاء وقت طويل في شرب الكحول، أو الشعور بالغثيان، أو التعافي من الآثار التي تلي الشرب.
- الرغبة الشديدة في شرب الكحول إلى درجة لا يمكن عندها التفكير في أي شيء آخر.
- تداخل شرب الكحول، أو الشعور بالغثيان مع الاعتناء بالمنزل أو العائلة، أو التسبّب في مشكلات دراسية أو مهنية.
- الاستمرار في شرب الكحول مع إنه سبب للمشكلات مع العائلة أو الأصدقاء.
- الاستغناء عن ممارسة النشاطات الممتعة أو المهمة أو المثيرة لاهتمام الفرد أو التخفيف منها من أجل الشرب.
- التورط في مواقف تزيد من احتمال تعرض الشخص للأذى في أثناء شرب الكحول أو بعده (مثل القيادة، أو السباحة، أو استخدام الآلات الثقيلة، أو المشي في مناطق خطرة، أو ممارسة الجنس غير الآمن).
- الاستمرار في الشرب مع إنه يسبّب الشعور بالقلق أو الاكتئاب، أو يزيد من سوء مشكلة صحية أخرى، أو بعد نوبة من فقدان الذاكرة.
- الحاجة إلى شرب كمية كبيرة من الكحول للوصول إلى التأثير المرغوب، أو ملاحظة أن الكمية المعتادة من المشروب تترك تأثيرًا أقل من السابق.
- ظهور أعراض انسحابية بعد زوال تأثير الكحول مثل اضطرابات النوم، أو الرجفان، أو عدم الارتياح، أو الغثيان، أو التعرق، أو سرعة ضربات القلب، أو الاختلاج، أو الإحساس بأشياء غير موجودة.
الأعراض
قد تتداخل أعراض إساءة استهلاك الكحول مع أعراض اضطراب استهلاك الكحول، لكن لإساءة استهلاك الكحول أو الشرب المفرط تأثير فوريّ، بينما تستغرق أعراض الاضطراب فترة أطول.
الأعراض الجسدية لإساءة استهلاك الكحول:
يسبب المستوى المرتفع من الكحول في الدم أعراضًا جسدية مثل:
- الكلام المتداخل.
- تباطؤ ردات الفعل.
- انخفاض قدرة التحكم في الحركات الجسدية.
- صعوبة في التركيز.
- فجوات في الذاكرة أو انقطاعات مفاجئة في الذكريات.
- قدرات متدنية في اتخاذ القرارات.
- البقاء في حالة الوعي لكن دون تذكر الأفعال، ما يسمى بفقدان الذاكرة التالي لشرب الكحول.
قد تسبب المستويات المرتفعة جدًا من الكحول في الدم اضطرابات تنفسية، أو غيبوبة، أو الموت، وقد تسبب التسمم الكحولي.
الأعراض السلوكية للشرب المفرط:
قد يسبب الخلل السلوكي الناتج عن الشرب المفرط سلوكيات خطرة أو موت الشخص المتأثر. إذ تظهر الأبحاث ترابطًا وثيقًا بين إساءة استهلاك الكحول والسلوك الجنسي الخطر، والعنف، وارتكاب الجرائم، والحوادث المميتة (كالناتجة عن حوادث الدراجات النارية)، وأذية النفس إذ يمثل المصابون باضطراب استهلاك الكحول نسبة 20-35% تقريبًا من حالات الانتحار.
يجب تفادي القيادة أو تشغيل الآليات الثقيلة عندما يكون الفرد تحت تأثير الكحول، ويبلغ الحد القانوني للقيادة تحت تأثير الكحول نسبة 0.08 بالمئة في الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء ولاية يوتاه إذ يبلغ 0.05 بالمئة.
المضاعفات الجسدية لاضطراب استهلاك الكحول:
يستمر معظم المصابون باضطراب استهلاك الكحول في الشرب رغم تطور المشكلات الصحية المتعلقة باستهلاك الكحول لديهم. على المدى الطويل، قد يؤدي اضطراب استهلاك الكحول إلى اضطرابات صحية خطيرة، وقد يزيد سوء الاضطرابات أخرى. يشمل ذلك:
- الأرق.
- العجز الجنسي.
- تلف الكبد المرتبط بالكحول أو التندب (تليّف الكبد).
- تلف في الدماغ.
- التهاب البنكرياس.
- النزف المعوي.
- الخرف.
تظهر الأبحاث أيضًا أن استهلاك الكحول فترة طويلة قد يُفاقم مشكلة ارتفاع ضغط الدم وقد يزيد من خطورة الإصابة باضطرابات قلبية ووعائية مع الوقت. قد يطوّر أيضًأ أنواعًا مختلفة من السرطان، ويعود هذا إلى الآلية التي يفكك بها الجسم الكحول إلى أسيتالدهيد (acetaldehyde) وهي مادة كيميائية تؤذي الحمض النووي ما يسبب نمو الخلايا بطريقة خارجة عن السيطرة.
من المضاعفات الأخرى متلازمة الانسحاب الكحولي التي تحدث بعد التوقف عن الشرب، وقد تسبب أعراضًا كالغثيان، والارتعاش، والتعرق. وقد تسبب أعراضًا خطيرة أيضًا كالاختلاجات، أو الحمى، أو الهلوسة، وقد تُعد حالة من حالات الطوارئ الطبية.
في حال وجود سبب سابق لأعراض الانسحاب يجب استشارة أحد العاملين في المجال الطبي قبل الإقلاع عن شرب الكحول، ويجب استشارة أحد المختصين كذلك قبل الإقلاع في حال وجود اضطرابات صحية أخرى.
علاج اضطراب استهلاك الكحول
يخفّف علاج اضطراب استهلاك الكحول من أعراض الانسحاب الكحولي على المدى القصير، ويكبت اشتهاء الكحول على المدى الطويل. ويختلف التعافي من اضطراب استهلاك الكحول من شخص إلى آخر، فقد يحتاج المرء إلى أدوية مدى الحياة بينما لا يحتاج آخرون إلى ذلك، وقد يشرب البعض باعتدال في أثناء فترة التعافي بينما يمتنع الآخرون تمامًا عن الشرب.
غالبًا ما يشمل العلاج إزالة السمية يليها علاج دوائي ونفسي، لكن تختلف خطة العلاج من شخص إلى آخر، فقد لا يحتاج جميع المصابين إلى إزالة السمية، وقد ينسحب البعض من العلاج النفسي مثلًا.
يُنصح بالعلاج الدوائي لكل المصابين باضطراب استهلاك الكحول المعتدل وحتى الشديد، لكن قد يستفيد المصابون باضطراب استهلاك الكحول المعتدل من العلاج النفسي دون تناول الأدوية.
الأدوية
يصف المختصون في المجال الصحي أحيانًا أدوية تخفف من أعراض الانسحاب الكحولي، وتوجد أدوية أخرى تساعد على الإقلاع عن شرب الكحول بكبت الرغبة في شربه أو إثارة الشعور بالغثيان عند دخوله للجسم. ويساعد العلاج الدوائي أيضًا على التقليل من اشتهاء الكحول.
وتشمل بعض الأدوية المستخدمة في علاج اضطراب استهلاك الكحول:
- نالتريكسون-Naltrexone (ريفيا-Revia، فيفيترول- Vivtrol).
- أكامبروستات- acamprostate (كامبرال-Campral).
- دايسولفيرام- disulfiram (أنتابيوز- Antabuse).
العلاجات السلوكية
من المفيد استشارة معالج نفسي يستخدم العلاج المعرفي السلوكي (CBT) في أثناء فترة علاج اضطراب استهلاك الكحول. هذا النوع من العلاج يعدل الأفكار والسلوك، ويعلم تقنيات تأقلم بديلة.
من المُعرَّض لخطر الإصابة باضطراب استهلاك الكحول؟
تنتج إساءة استهلاك الكحول أحيانًا عن عوامل نفسية أو اجتماعية، فقد يكون الشرب وسيلة للاسترخاء والشعور بالمزيد من الراحة في المواقف الاجتماعية، وقد يستخدم البعض الكحول للتأقلم مع المشكلات النفسية أو الضغط النفسي في حياتهم اليومية.
قد تكون الإصابة باضطراب استهلاك الكحول متوارثة ضمن العائلة، لكن علم الوراثة لم يجد بعد سببًا وراثيًا لهذه المشكلة، وما تزال الآلية الدقيقة التي تسبب إساءة استهلاك الكحول غير واضحة.
يشيع انتشار إساءة استهلاك الكحول في مراحل معينة من الحياة أكثر من غيرها، ويزيد احتمال الإصابة أكثر لدى الذكور، وطلاب الجامعة، والأشخاص الذي يمرون بمواقف حياتية صعبة أو يعيشون صدمةً ما.
وتشمل عوامل الخطر الأخرى:
- الاضطرابات النفسية مثل الفصام.
- الاضطرابات المزاجية مثل الاكتئاب أو القلق.
- الاضطرابات الشخصية.
- الاندفاعية.
- الوحدة.
- الضغط النفسي.
تشخيص اضطراب استهلاك الكحول
قد يُستشار أحد المتخصصين في المجال الطبي لدى القلق من وجود إصابة باضطراب استهلاك الكحول، فيسأل عن عادات شرب الكحول وعن التاريخ الطبي للشخص، وقد يُجري أيضًا بعض تحاليل الدم لتقييم الحالة الصحية العامة، مع الانتباه خصوصًا لأعضاء الجسم التي تتأثر بالكحول أكثر من غيرها كالدماغ وأجزاء أخرى من الجهاز العصبي مع القلب والكبد.
كيف نحدد إصابة الشخص باضطراب استهلاك الكحول؟
قد تصعب ملاحظة الاضطراب حتى لو أثّر الكحول سلبًا في الحياة والصحة، لكن يوجد فحص يساعد على تشخيص الإصابة لدى الفرد نفسه أو لدى الآخرين، فبحسب IAAA، يُصنّف اضطراب استهلاك الكحول بناء على ما يلي:
- الإصابة الخفيفة: يعاني الفرد من عارضين أو ثلاثة.
- الإصابة المعتدلة: يعاني الفرد من 4 أو 5 أعراض.
- الإصابة الشديدة: يعاني الفرد من 6 أعراض أو أكثر من الأعراض المذكورة سابقًا.
كيف يمكن الحصول على الدعم؟
يزيد الحصول على الدعم وطلب العلاج من مختصين فرص التعافي من اضطراب استهلاك الكحول، فتوجد مجموعات مثل مدمني الكحول المجهولون (Alcoholics Anonymous) التي تقدم الدعم للأشخاص الذين يتعافون. وتشمل خيارات الدعم مؤسسات أخرى إذ توفّر بعضها خطًا ساخنًا مجانيًا لمساعدة من يعانون أنواعًا مختلفة من اضطراب استهلاك المخدرات.
الخلاصة
تساعد معرفة العلامات المبكرة وعوامل الخطر للإصابة باضطراب استهلاك الكحول على البحث عن علاج والتدخل المبكر لكسر أنماط إساءة استخدام الكحول، وقد يتطلب هذا جهدًا مدى الحياة. وإن لم يُعالج اضطراب استهلاك الكحول، قد يزيد احتمال الإصابة بمشكلات صحية خطيرة. قد ينتكس الأشخاص بعد انتهاء علاج الاضطراب، لذا من المهم معرفة العلامات التحذيرية وطلب المساعدة لدى القلق بشأن حدوث ذلك، ويقلّل الدعم والعلاج النفسي المستمران من هذا الخطر.
اقرأ أيضًا:
كمية صغيرة من الكحول أثناء الحمل تسبب تشوهات في وجه الطفل
يتحسن الإدراك لدى مدمني الكحول في حال الإقلاع عنه بعد 18 يوم فقط!
ترجمة: حاتم نظام
تدقيق: فاطمة جابر
مراجعة: محمد حسان عجك