استخدم جراحون من مستشفى في المملكة المتحدة لأول مرة عالميًا، زرعةً دماغية صغيرة لعلاج أعراض مرض باركنسون بإيقاف التحفيز الزائد غير الطبيعي للخلايا الدماغية الذي يسببه هذا المرض، يقول توني هاولز -المريض الأول الذي حصل على الزرعة- إن تأثيرها العلاجي مذهل.
تعمل الزرعة بنظام التحفيز الدماغي العميق (DBS)، حصل عليها توني هاولز في نوفمبر عام 2020، ويقول إنه أصبح قادرًا على المشي عدة أميال متواصلة، ولعب الغولف أيضًا، وقد كان عاجزًا عن ذلك قبل العملية.
يُعد داء باركنسون اضطرابًا تنكسيًا تتلف فيه أجزاء من الدماغ تدريجيًا على مدى سنوات. يؤثر داء باركنسون في الدماغ والجسم، ويؤدي إلى الارتعاش والتدهور المعرفي وتصلب العضلات، وتشمل الأعراض اهتزازًا لا إراديًا لأجزاء من الجسم وبطء الحركة. تظهر الأعراض لدى معظم مرضى باركنسون عادةً بعد سن الخمسين، وتظهر قبل سن الأربعين لدى قرابة 5% منهم.
أظهر نظام التحفيز الدماغي العميق نتائج واعدة في علاج الاعتلال الحركي لدى بعض المرضى، مع إنه لايوجد علاج لداء باركنسون حاليًّا. يقول هاولز: «يؤخر النظام سيطرة المرض على الجسم ويبث الأمل، مع إنه لا يشفي مرض باركنسون».
يجرب باحثون من صندوق الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة حاليًا، جهازًا مصغرًا يعمل بنظام التحفيز الدماغي العميق، ويعادل حجمه ثلث حجم الأجهزة الأخرى المتوفرة حاليًا. يحتوي الجهاز على بطارية صغيرة يمكن زرعها في الجمجمة مباشرةً، حيث تستطيع تحفيز الدماغ دون الحاجة إلى أي أسلاك مزعجة.
تُزرَع بطارية كبيرة الحجم في الصدر في عمليات باركنسون التقليدية، إذ لا يمكن زرعها في الجمجمة لضخامة حجمها، وتتصل الزرعة بالدماغ عبر أسلاك تحت الجلد في العنق. أما زرعة التحفيز الدماغي العميق الجديدة فهي أصغر حجمًا، وتعمل ببطارية صغيرة يمكن زرعها في الجمجمة عوضًا عن الصدر، فترسل نبضات كهربائية مباشرةً إلى المناطق المستهدفة في الدماغ.
تبين الصورة بطارية الجهاز الجديد القابلة للشحن، التي تُعَد أصغر حجمًا مقارنةً بالنسخ السابقة المزروعة في الصدر
تصل النبضات إلى وجهتها، بعد زرع مجسات كهربائية في مركز الدماغ أولًا، تحديدًا في نواة أسفل المهاد. لا تستغرق العملية أكثر من ثلاث ساعات، أي نصف المدة التي تستغرقها عمليات زرع أنظمة البطاريات الضخمة.
بيد أنه أقل من 5% من مرضى باركنسون في العالم لديهم أجهزة التحفيز الدماغي العميق حاليًا، بسبب تكلفة زرعها ومدى تعقيد العملية الجراحية.
نرجو أن يجعل النظام الجديد المبسط عملية زرعه أسرع وأرخص وأقل تعقيدًا، ومن ثم إتاحة نظام التحفيز الدماغي العميق لمزيد من المرضى.
يقول هاولز الذي أُجريَت عليه الجراحة عام 2019: «كانت العملية الجراحية سريعةً، وقد ذُهِلت عندما استيقظت ولم أشعر بأي ألم. أما النتيجة فكانت مذهلة، إذ لم أعد أعاني خلل التوتر العضلي، الذي كان من الآثار الجانبية لأدوية باركنسون».
«أستطيع الآن المشي ثلاثة كيلومترات أو أكثر. كنت عاجزًا قبل الجراحة عن مواصلة السير أكثر من 180 مترًا دون استراحة. أصبحت قادرًا على لعب الغولف مجددًا، لستُ ماهرًا مثل السابق لتقدمي في السن، لكن يمكنني على الأقل اللعب من جديد».
اختير 25 مريضًا لإجراء التجربة السريرية الحالية، لمراقبتهم مدة سنة وستنتهي التجربة العام المقبل.
قال الباحث الرئيسي للدراسة بعد نجاح الجهاز مبدئيًا: «لقد سُعدنا بنجاح العملية مع الحالة الأولى، وتحسن أعراض المريض خلال السنة الماضية. قد يصبح الجهاز ابتكارًا تقنيًا بارزًا لتحسين أعراض مرض باركنسون في أنحاء العالم إذا ثبت نجاح النتائج».
«لقد كان نظام التحفيز الدماغي العميق موجودًا منذ عام 1995، وقد عُولِج أكثر من 200,000 مريض بهذه التقنية حتى اليوم. نقيّم الآن الفائدة التي يقدمها جهاز مصغر من نظام التحفيز الدماغي العميق، الذي يُعَد أسهل في الزرع. لا نتوقع نتائج سريريةً أفضل من أجهزة النظام التقليدية، لكننا ندرس هل يتيح زرع الأجهزة في الجمجمة جراحةً أسرع وأقل تعقيدًا؟».
لن يستفيد على الأرجح سوى قرابة 10% من مرضى باركنسون من هذا العلاج، حتى إذا نجحت التجربة الآن. يقول وون: «لن يكون العلاج مناسبًا لمرضى باركنسون الأكثر تقدمًا في العمر، ومن يعانون مشكلات في الذاكرة نتيجة المرض. يلائم العلاج مرضى باركنسون الأصغر سنًّا، الذين يمكنهم إجراء جراحة دماغية».
اقرأ أيضًا:
امرأة مصابة بمرض عصبي نادر تتمكن من المشي بفضل زرعة إلكترونية
العلماء يحذرون من وباء باركنسون في المستقبل.. لا نستطيع الاستمرار بتجاهل الأمر
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: ميرفت الضاهر