يشعر الإنسان أحيانًا بالسعادة والرضا، ويظن أن الحياة تسير على ما يرام، فيستخدم Instagram مثلًا لتمرير الوقت ليكتشف منشورًا لأحد الأصدقاء عن حصوله على وظيفة أحلامه فيخطر على باله وجوب إعادة النظر في الحياة المهنية، فكيف تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي من تحويل المزاج بهذه السهولة والسرعة؟

ليس الحديث هنا عن عدد محدد من الدقائق التي يُعد قضاؤها على وسائل التواصل الاجتماعي آمنًا، فلا يتعلق الأمر بالضرورة بمقدار الوقت الذي يقضيه، بل بالتأثير السلبي الذي قد تحدثه هذه الوسائل.

علامات تدل على ضرورة الاستراحة

إذا وجد الشخص نفسه يسأل نفسه كثيرًا عن الوقت الذي يضيعه، أو لا يتذكر لماذا فتح هذا التطبيق أو ذاك لتصفح الإنترنت أساسًا، أو غيرها من العادات التالية، فربما حان الوقت لأخذ قسط من الراحة.

  •  تفقّد التطبيقات بلا تفكير: يشبه الأمر انتقال الشخص بذاته إلى وضع الطيار الآلي وكأن لأصابعه عقلًا يدفعه إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يدرك ذلك، يدلّ هذا على أنه مستغرق فيها جدًا.
  •  الاتصال الدائم بالإنترنت: وجدت إحدى الدراسات أن الأشخاص يتفاعلون مع هواتفهم الذكية بمعدل 2617 مرة يوميًا.
  •  العجز عن التوقف عن المقارنة: تمثل وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا مميزًا للاطلاع على حياة الآخرين، ولكن من السهل جدًا أن يبدأ الشخص بالشعور بالسوء تجاه نفسه مهما كان وضعه، فعندما يقارن الشخص نفسه سلبيًا بما يراه على الإنترنت، قد يبدأ بالشعور بأن حياته الخاصة ناقصة.
  •  خوف الفوات FOMO: قد تثير وسائل التواصل الاجتماعي الخوف لدى الشخص من تفويت شيء ما (FOMO التي تختصر fear of missing out)، ما يجعله يشعر وكأن الجميع يفعلون شيئًا مذهلًا ومثيرًا إلا هو ويشعر بافتقاده لهذا الشيء.
  •  الشعور بعدم الأمان: تزيد حالة FOMO من شعور الشخص بأنه ليس جيدًا كفايةً حتى في مرحلة البلوغ، فقد يتذكّر البعض بأنهم لم يتلقوا دعوات من الأصدقاء حينما كانوا بسن 13 مثلًا، ما يخلق لديهم مشاعر عميقة من عدم الأمان.
  •  الشعور بالانزعاج من محتويات الإنترنت: إذا كان الشخص يشعر أن وسائل التواصل الاجتماعي تثير استياءه في كل مرة يدخل إليها، فقد حان الوقت لتسجيل الخروج.

– الشعور بالعزلة عن الحياة الحقيقية: بعكس ما يوحي اسمها، قد تسبب وسائل التواصل الاجتماعي شعورًا بالوحدة أكثر، فبدلاً من تناول فنجان من القهوة مع صديق، قد يتم التواصل بالرسائل المباشرة وينتهي الأمر، إن شعور الافتقار إلى التواصل البشري المباشر يزيد من إحساس الشخص بالعزلة.

  •  الحياة لا تبدو أصيلة: قد تمر لحظات على الإنسان يشعر فيها أنه لا تستطيع الاستمتاع بما يفعله دون النشر عنه أولًا، فيستمرّ بتصوير وجبات الطعام قبل تناولها أو لا يستطيع حضور الحفلة دون النشر. إن ضغط التظاهر قد يفوق أي متعة حقيقية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
  •  فقدان المتعة: تشمل هذه العلامة الجميع، إذ يجب أن يحدد الشخص إن كانت تجلب له وسائل التواصل الاجتماعي السعادة أم العكس.

فوائد أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي

بعكس خوف الفوات سيجلب أخذ قسط من الراحة سيجلب بهجة تفويت شيء ما، وفيما يلي فوائد قيّمة يحققها الشخص باستراحة من مواقع التواصل الاجتماعي:

  •  المزيد من الوقت: عندما لا يقضي الإنسان ساعات لا حصر لها في التمرير، يستطيع قضاء كل هذا الوقت في فعل ما يريد، باختياره هوايةً مثلًا أو حصوله على قسط إضافي من النوم. الاحتمالات لا حصر لها!
  •  الوضوح الجديد: يساعد التخلص من هذه العادة في إلقاء نظرة أكثر موضوعيةً على ما يشعر به الشخص، يبدأ عندها بالتفكير في كيفية قضاء الوقت ومع من يتواصل، بدلًا من التفاعلات الزائفة أو السطحية.
  •  امتنان أعمق: يغيّر عدم الاتصال بالإنترنت وجهة نظر الشخص لمتنحه شعورًا بمزيد من الامتنان لما لديه، بدلًا من التأسف على ما لا يملكه، ليصبح أكثر قدرةً على التركيز على الأشياء الجيدة في حياته.
  •  ارتفاع احترام الذات: قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي منحدرًا زلقًا للقلق وتدني احترام الذات، وقد ثبت أنها تؤثر في تصوّر الجسم لدى بعض الأشخاص، لذلك قد يساعد تسجيل الخروج -وإن لبضعة أيام- على الشعور بالتحسن تجاه النفس.
  •  مزاج أفضل: وجدت إحدى الدراسات أن تقليل وقت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد الصحة العقلية وإحساس الرفاهية عمومًا، حتى أن المشاركين أبلغوا عن انخفاض في الاكتئاب والشعور بالوحدة.

كيفية أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي

إذا قررت أن الوقت قد حان للتخلص من سموم وسائل التواصل الاجتماعي، فالهدف التالي هو تعلم كيفية التعامل مع الوقت عبر الإنترنت بالوعي والنية المقصودة، ويُسمى هذا باليقظة الذهنية لتعلقه بالحفاظ على التركيز على اللحظة الحالية، ومحاولة تحقيق الحضور العاطفي اللحظي قدر الإمكان، والتدرّب على تلقين الشخص ذاته (أنه سيفعل هذا عن قصد).

ستساعد النصائح التالية على ابتعاد الشخص عن الاتصال بالإنترنت، والعودة عندما يريد بمزيد من التفكير وضبط النفس.

 الانتباه للعادات والمحفّزات

ينصح سقراط بمعرفة النفس لتحقيق الحكمة، وتفيد هذه النصيحة مع التكنلوجيا الحالية ليعرف الشخص متى يكون أكثر عرضةً لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانتباه إلى الاستجابات العاطفية في أثناء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي (كتوقيت التوتر والغضب والانزعاج)، وهل هي مستوحاة من أنواع معينة من المحتوى أو الإجراءات؟ تدوين هذه الملاحظات وتتبعها يفيد في التعرف على النفس.

 تعيين العوامل الشخصية

لا توجد قواعد محددة لأخذ إجازة من وسائل التواصل الاجتماعي، يستطيع الإنسان تحديد مدة الاستراحة وما تتضمنه، ومحاولة الاستجابة للمحفزات والعادات هي نقطة جيدة للبداية.

بالوسع مثلًا البدء بفرض حد زمني على بعض التطبيقات، كتحديد آخر 15 دقيقة فقط من استراحة الغداء لتصفحها، وذلك مباشرةً قبل العودة إلى العمل لكي لا يكون لدى الشخص الوقت للتمرير إلى ما لا نهاية. ويُنصح أيضًا بما يلي:

  •  إزالة أحد التطبيقات أو جميعها من الهاتف.
  •  الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي طوال فترة زمنية محددة، كأسبوع أو شهر.
  •  تقليص استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعدد معين من الدقائق كل يوم.
  •  مشاركة النوايا مع الآخرين

عند أخذ استراحة أو الرغبة في التوقف التامّ، يُنصح بالإعلان عنها عبر الإنترنت أولًا، فقد تفيد مشاركة الخطة مع أحد أفراد، وتوجد أيضًا بعض الوسائل المساعدة الإضافية لتقليل الاستخدام لوسائل التواصل الاجتماعي، فبالوسع البدء بنسخة مصغرة:

  •  تشغيل وضع عدم الإزعاج.
  •  إيقاف تشغيل إشعارات التطبيق كافةً.
  •  ضبط مؤقِّت لمدة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

قد يبدو استخدام التكنولوجيا للمساعدة على فرض قيود على التكنولوجيا فكرة غريبةً، لكنها صحيحة بالفعل.

 إيلاء الاهتمام للجسم

يعد إدراك المشاعر والأحاسيس الجسدية جانبًا رئيسيًا من الوعي الذهني، وفي أثناء فترة الراحة يجب ملاحظة ما يشعر به الإنسان عاطفيًا وجسديًا.

عندما يتوقّف الشخص مؤقتًا للتفكير في الأمر، قد يدرك أنه متشوق لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الأمر كله يعود إلى التدريب على اليقظة الذهنية، ولا يجب أن يقسو الشخص على نفسه، ولكن يُنصح بتقبل حقيقة أن هذا ما يحدث الآن، والتعامل معه.

 معرفة استثمار وقت الفراغ:

من المهم أن يكون لدى الشخص شيء ما ليحل محل الوقت الذي يقضيه عادة على وسائل التواصل الاجتماعي، كاكتشاف شيء آخر للجوء إليه عند الشعور بالرغبة في التصفح، وممارسة الحياة المعيشية دون الحاجة إلى تحويلها إلى محتوى.

العودة بعد الانقطاع عن وسائل التواصل الاجتماعي

تنتهي فترة الاستراحة بدروس مفيدة يجب تعزيزها واحترامها للاستمرار بنيل الفوائد حتى بعد الاستراحة، وفيما يلي نصائح لتحويل هذا الشعور بالانفصال إلى عادة دائمة:

 إنشاء روتين جديد

للحفاظ على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى الحد الأدنى، يجب إجراء تغييرات على الروتين، كالعودة إلى تلك العادات والمحفزات الأولية والتحولات التي طالت الحياة اليومية، ومنها:

  •  بدء اليوم بالاستماع الى البودكاست بدلًا من القفز على الإنترنت
  •  قراءة كتاب قبل النوم بدلًا من التصفح بلا تفكير.
  •  بدلًا من ترك الهاتف على المكتب في أثناء يوم العمل، يجب مقاومة الإغراءات وإخفائه في الحقيبة أو الدرج.
  •  تنظيم خلاصة التجربة

للحفاظ على المنظور الجديد عن وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن يذكر الإنسان نفسه باستمرار كيف يريد استخدام طاقته، تمامًا كما لو كان شخصية في لعبة فيديو ذات حياة محدودة.

في المرة القادمة عندما تجد نفسك منحنيًا أمام هاتفك أو مستعدًا لدخول جدال في التعليقات، اسأل نفسك: هل هذا هو ما يهمني؟ ماذا أستطيع أن أفعل بطاقتي المحدودة والثمينة؟ ومن ثم الابتعاد وفقًا لذلك.

 الاحتفال بالخطوات الصغيرة

يُنصح بالتفكير في الجهود التي يبذلها الشخص لقضاء وقت أقل على وسائل التواصل الاجتماعي بأنها نظام تمرين جديد أو بناء عادات غذائية صحية، فلا ينبغي أن يتوقع الشخص أن الأمور ستكون مثالية فورًا، خاصةً وأن وسائل التواصل الاجتماعي قد تصبح مسببةً للإدمان. وفي أي موقف كهذا، يتعلق الأمر بخطوات متواضعة ويحتفل بالانتصارات الصغيرة التي تتراكم وتمنح الدافع للاستمرار.

وجدت إحدى الدراسات أن الأمر يستغرق نحو ثلاثة أسابيع لبدء ملاحظة مزايا الوقت المحدود لوسائل التواصل الاجتماعي، فامنحها الوقت وتوقع بعض العقبات في الطريق أحيانًا، لكن لا تتراجع عن أهدافك فأنت قادر على ذلك!

اقرأ أيضًا:

التقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يخفف مشاعر القلق والاكتئاب والوحدة

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من خطر الاكتئاب لكافة السمات الشخصية

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر