يحجب الزمن السحيق العديد من إجابات الأسئلة الفلكية، التي من أهمها: ما دور المستعرات العظمى (السوبرنوفا) في بداية نشأة الكون؟ كانت المستعرات العظمى الأولى تُنتِج العناصر الثقيلة التي لم تتشكل في الانفجار العظيم. لكن كيف جرت هذه العملية؟ وماذا كان دور المستعرات العظمى؟
لجأ 3 باحثين إلى المحاكاة باستخدام حاسوب خارق لإيجاد بعض الإجابات، وعُرضت نتائجهم في الورقة البحثية المنشورة في مجلة الفيزياء الفلكية بعنوان (الديناميكيات الغازية للاضمحلال الحراري لعنصر النيكل 56 في الزوج غير المستقر للسوبرنوفا). المؤلف الرئيس هو كي جونغ تشين من أكاديمية سينيكا بمعهد علم الفلك والفيزياء الفلكية في تايوان.
استهدفت الدراسة نوعًا من المستعرات العظمى يُسمى هايبرنوفا. وهو مستعر أعظم نشط، أقوى نحو مئة مرة من المستعرات العظمى الأخرى، يحدث فقط إذا بلغت كتلة النجم نحو 130 – 250 كتلة شمسية.
درس العلماء العديد من المستعرات العظمى، لذلك أحاطوا بأنواعها المختلفة وكيفية حدوثها، وكيف تُنتِج العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم وتنشرها في الكون عند انفجارها. لكن ما زالت توجد فجوات في فهمنا لها، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمراحل الأولى من نشأة الكون.
أراد الباحثون الثلاثة دراسة الهايبرنوفا، إذ قد يوفر أدلة على المستعرات العظمى الأولى التي كانت موجودة في المرحلة المبكرة من الكون، وكيف أنتجت العناصر الأولى. ربما كان هناك الكثير من الهايبرنوفا، لأن النجوم كانت غالبًا أضخم في مرحلة الكون المبكر.
ولما كان رصد الهايبر نوفا صعبًا جدًّا بسبب ندرته، لجؤوا إلى محاكاته باستخدام الحواسيب الخارقة. فدرسوا عميقًا قلب الهايبر نوفا الذي صمموا محاكاةً له لرؤية شكل النجم المنفجر بعد 300 يوم من انفجاره.
يتشكل الهايبرنوفا بإحدى طريقتين، بانهيار قلب النجم أو من الزوج غير المستقر.
في حالة المستعر الأعظم الناتج من انهيار قلب النجم، يصل النجم إلى نهاية حياته فينفد وقوده، ومع نقص الاندماج النووي ينخفض الضغط الخارجي، فتتمكن الجاذبية من ضغط النجم إلى قلبه، ما يسبب انهيار القلب، فينفجر النجم إلى مستعر أعظم. وقد يخلف نجمًا نيوترونيًا أو ثقبًا أسود، حسب كتلة النجم.
أما الزوج غير المستقر للمستعر الأعظم فيحدث في حالة النجوم الضخمة جدًا ذات الكتلة التي تقدر بنحو 130 – 250 كتلة شمسية.
عند اندماج الإلكترونات مع نظيرتها من المادة المضادة -البوزيترونات- داخل النجم، يصبح قلب النجم غير مستقر، ويقلل من ضغط الإشعاع الداخلي اللازم لصمود النجم الضخم ضد جاذبيته الهائلة، وبسبب عدم الاستقرار يبدأ انهيار جزئي، يؤدي إلى انفجار نووي حراري جامح، يدمر النجم بالكامل دون أن يترك أي بقايا منه.
ركز الفريق في المحاكاة على الزوج غير المستقر للمستعرات العظمى لأنها تُنتِج كمية كبير من النيكل 56، وهو نظير مشع للنيكل، مهم في رصد المستعرات العظمى، فانحلاله ينتج شفق المستعر الأعظم، ودونه يكون المستعر الأعظم مجرد وميض ساطع لا يستمر ضوءُه.
استخدم الفريق المرصد الفلكي الوطني من مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية التابع لمركز المحاكاة الياباني. كان الحاسوب كراي إكس سي 50 أسرع حاسوب خارق يُستخدم للمحاكاة في مجال الفيزياء الفلكية سنة 2018 عندما بدأ المركز مهامه الأولى، فهل تفتح لنا هذه القوة الحاسوبية أبواب المعرفة عن العصور الغابرة للكون؟
وفقًا لتشين، كان المشروع بأكمله صعبًا جدًا، وصرح قائلًا: «كلما زاد حجم المحاكاة ازداد تعقيد الحسابات، فالأمر يتطلب المزيد من قوة الحوسبة للحفاظ على الدقة العالية للمحاكاة، ناهيك بتعقيد الفيزياء المستعملة».
يقول تشين إن الأمر يتطلب خوارزمية متقنة وبنية برمجية قوية، وقد كان الباحثون الثلاثة ملائمين لهذا التحدي لأن لديهم خبرة في محاكاة المستعرات العظمى طويلة الأمد.
ليست هذه المحاكاة الأولى للهايبرنوفا، فقد درسه باحثون آخرون وصمموا محاكاةً له. لكن كانت المحاكاة تستمر 30 يومًا فقط بعد الانفجار، في حين استمرت هذه المحاكاة 300 يوم.
اتضح أن السبب الرئيسي هو النيكل 56، فهو لا ينتج فقط توهجًا دائمًا للمستعر الأعظم، بل إن له دورًا دائمًا آخر، وللتدقيق أكثر في ذلك حاكى الباحثون ثلاثة نجوم سلف منفصلة.
يحتاج الهايبرنوفا إلى نجم سلف ضخم جدًا تبلغ كتلته أحيانًا 200 كتلة شمسية. وربما ينتج كمية هائلة من النيكل 56. ووفقًا للورقة البحثية، قد ينتج 0.1 – 30 كتلة شمسية من النيكل 56 المشع، وإضافةً إلى الضوء الذي ينتجه النيكل 56، فهو يؤدي أيضًا إلى تأثيرات ديناميكية مهمة عميقة في المقذوفات، التي تستطيع خلط العناصر، والتأثير في البصمات الرصدية لهذه الأحداث.
أراد الفريق التحقق من العلاقة بين حركة الغاز وإشعاع الطاقة داخل المستعر الأعظم، ووجدوا أن الغاز الساخن توسع في المرحلة الأولى من اضمحلال النيكل 56، مشكلًا هياكل ذات قشرة رقيقة.
يوضح تشين نتائج المحاكاة قائلًا: «درجة الحرارة داخل قشرة الغاز عالية جدًّا، تمثل نحو 30% من الطاقة الحركية للغاز، أما الباقي فيتحول إلى الوميض الذي يصاحب المستعر الأعظم. سبب اختلاف هذه النتائج عن النماذج القديمة للمستعرات العظمى هو أن الأخيرة تجاهلت التأثيرات الديناميكية للغاز، لذلك تبالغ في نتائجها المتعلقة ببريق المستعر الأعظم».
«وجدنا أن توسع الفقاعة الساخنة للنيكل 56 يشكل قشرة في قاعدة طبقة السيليكون الموجود في المقذوفات، بعد نحو 200 يوم من الانفجار، لكن دون عدم استقرار هيدروديناميكي قد يؤدي إلى اختلاط النيكل 56 مع السيليكون 28 أو الأكسجين 16 المقذوف. ومع أن التأثيرات الديناميكية الحرارية للنيكل 56 قد تكون ضعيفة، قد تؤثر في البصمات الرصدية للزوج غير المستقر للمستعرات العظمى، بتحويل طاقة الاضمحلال إلى توسع داخلي للمقذوفات على حساب شدة اللمعان لاحقًا».
ستزيد هذه المعلومات الجديدة عن الزوج غير المستقر للهايبرنوفا من معرفتنا للظاهرة، وربما تساعد أيضًا في عمليات الرصد المستقبلية. ولما كان الهايبرنوفا يحتاج إلى نجوم عملاقة، كانت موجودة بكثرة في الكون المبكر، فربما وُجد الكثير من الهايبرنوفا في الماضي. وقريبًا ستكون لدينا الأدوات اللازمة لرصد الضوء القديم للهايبرنوفا.
كتب الباحثون: «ربما يكون الزوج غير المستقر للسوبرنوفا بمثابة منارات كونية فائقة، لأنه يمكن كشفها بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي في منطقة الأشعة تحت الحمراء القريبة في الفجر الكوني مع إزاحة حمراء نحو 25، أو بواسطة تليسكوب نانسي غريس الروماني والجيل القادم من التلسكوبات العملاقة».
إذا تمكنت هذه التلسكوبات المستقبلية من رصد هذه الظواهر المبكرة، فإن دراسات كهذه ستمهد الطريق للملاحظات، وتوفر وسيلة لفهم بعض ما نراه.
اقرأ أيضًا:
المستعر الأعظم ( السوبرنوفا ) – الحدث الأكثر تألقًا في الكون !
ما الفرق بين المستعر و المستعر الاعظم ؟
ترجمة: صابر مخلوف
تدقيق: أيمن الشطي
مراجعة: أكرم محيي الدين