ينبغي على المسافرين الذين ينوون المكوث مدة طويلة في المحطات الأسترالية في القارة القطبية الجنوبية اتخاذ العديد من الاحتياطات قبل الذهاب، علاوة على ذلك، ينبغي على الأطباء تحديدًا إجراء عملية استئصال الزائدة الدودية، وقد أصبحت العملية شرطًا على جميع الأطباء الذين يقضون الشتاء في تلك المحطات؛ نظرًا إلى الصعوبة القصوى في إخراجهم منها عندما يبرد الطقس.
يُسمح للجميع إبقاء الزائدة الدودية قبل السفر إلى القارة القطبية الجنوبية ما عدا الأطباء. يُعزى هذا عادةً إلى عدم وجود سوى طبيب واحد في المحطة خلال الشتاء، ويستحيل الإجلاء الطبي على الأقل خلال ذلك الجزء من السنة.
تعد الزائدة الدودية عضوًا صغيرًا متصلًا بالقولون، ولا يسبب التهابها عادةً الموت ولكنه شائع إلى حد ما؛ إذ يتراوح معدل الإصابة في الولايات المتحدة مثلًا بين 5 إلى 9 أشخاص ضمن كل 100 شخص.
تحدث الإصابة بالتهاب الزائدة الدودية غالبًا بصورة فجائية وحادة، وتشتد حدتها خلال ساعات قليلة. ينبغي في هذه الحالة استئصال الزائدة الدودية قبل انفجارها وتسببها بعدوى خطيرة تتفاقم إلى التهاب البريتون الذي قد يكون مميتًا.
لحسن حظ معظم مستكشفي القارة القطبية الجنوبية، يرافقهم طبيب قادر على مساعدتهم عند إصابتهم بالتهاب الزائدة الدودية، مثلما حدث مع طباخ محطة جزيرة هيرد جاك ستار في ربيع عام 1951 عندما استأصل الطبيب أوتو ريك زائدته الدودية. بيد أن المسألة تصبح أكثر تعقيدًا عند إصابة طبيب المحطة.
قد نتساءل عن احتمالية حدوث ذلك، لكنها في الواقع مرتفعة إلى درجة أن ذلك حدث مرتين.
أصيب في المرة الأولى الطبيب سيرج أودوفيكوف الذي كان يعمل في محطة جزيرة هيرد في يوليو عام 1950، أي قبل سنة واحدة من جراحة جاك ستار خلال شتاء القارة القطبية الجنوبية القارس؛ ما قد يفسر تجهز الطبيب ريك الذي عمل في محل أودوفيكوف لإجراء العملية.
ورد عن التقارير الإخبارية في ذلك الوقت أن أودوفيكوف كان يفكر في إجراء العملية على نفسه، بيد أنها كانت فكرةً مروعة، إذ لم يسمع أحد في تلك الفترة عن طبيب تمكن من استئصال زائدته الدودية بنفسه. لم يكن أودوفيكوف مضطرًا إلى فعل ذلك في نهاية المطاف، إذ أُرسلَت سفينة تابعة للبحرية الأسترالية لإجلائه، غير أن المهمة كانت صعبة للغاية.
واجهت السفينة ريحًا هوجاء بلغت قوتها 65 عقدة وثلوجًا وأمطارًا متجمدة وبردًا شديدًا، إلى جانب مشكلات مع مياه التغذية ناتجة عن زيادة انتشار العوالق في البحر؛ إذ حُصِر استخدام المياه على الشرب وتنظيف الأسنان فقط، ولم يُسمَح لطاقم السفينة بالاستحمام. على الرغم من أن أحوال الطقس لم تتحسن عند وصول السفينة إلى جزيرة هيرد، فإن الطاقم أنزل قاربًا صغيرًا لإحضار أودوفيكوف بمجرد أن تراجعت قساوة الطقس. توجهت السفينة بعدئذ نحو مدينة فريمانتل الأسترالية.
أصبحت عملية استئصال الزائدة الدودية إجبارية على الأطباء بعد هذه الحادثة، إلا أن بعض الدول لم تتبع هذا الإجراء. واجه الطبيب ليونيد روغوزوف نتيجة لذلك المشكلة ذاتها في أبريل عام 1961 حينما كان يعمل في محطة نوفولازاريفسكايا، بيد أنه لم يكن محظوظًا بخلاف أودوفيكوف.
شخّص روغوزوف نفسه بالتهاب الزائدة الدودية في التاسع والعشرين من شهر أبريل، وفي حين أن محطته كانت على مقربة من المحطات الأخرى، لكن لم يكن هناك طائرة في أي منها.
لاحظ روغوزوف إصابته بالتهاب البريتون في اليوم الثلاثين من الشهر خلال هبوب عاصفة ثلجية في الخارج، ولم يكن لديه خيار سوى استئصال زائدته الدودية بنفسه نظرًا إلى أنه كان الطبيب الوحيد في المحطة في ذلك الوقت. بدأ روغوزوف بإجراء العملية على الساعة 22:15 بتوقيت موسكو بمساعدة شخصين ومخدر موضعي ومرآة.
قال روغوزوف في نشرة إخبارية لبعثة الاتحاد السوفياتي في أنتاركتيكا في عام 1962: «اضطررت إلى رفع رأسي باستمرار حتى أشعر بتحسن وعملتُ في بعض الأحيان بالإحساس فقط، إذ لم أتمكن من الرؤية جيدًا».
«تفاقم شعوري بالضعف العام بعد مدة تتراوح بين 30 و40 دقيقة، وأُصبتُ بالدوار، لذا كان من الضروري أن نأخذ استراحات قصيرة. لاحظنا أن الإصابة كانت شديدة ووجدنا ثقبًا في قاعدة الزائدة الدودية».
أُعطي روغوزوف بعد استئصال زائدته الدودية مضادات حيوية في التجويف البريتوني، وخيّط الجرح بإحكام. انتهت العملية في اليوم الثلاثين من شهر أبريل عند منتصف الليل.
كان روغوزوف محظوظًا؛ إذ أصبح قادرًا على أداء عمله في غضون أسبوعين، وعاش طويلًا بعد العملية حتى وفاته في عام 2000.
بيد أن هذه التجربة لم تكن سهلة ولا تحتمل التكرار، لذا تُفرَض الآن فحوصات طبية مكثفة ومتطلبات أخرى موحدة على جميع الأشخاص المتجهين إلى القارة القطبية الجنوبية.
اقرأ أيضًا:
الزائدة الدودية: كل ما عليك معرفته
أكبر أسرار أنتاركتيكا، القارة القطبية الجنوبية
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: جعفر الجزيري
مراجعة: لبنى حمزة