إذا كنت داخل الإمارات العربية المتحدة كم ستستغرق من الوقت كي تنتقل من دبي إلى أبو ظبي، بعد تطبيق نظام الهايبرلوب؟
في إطار السَّعي إلى تحقيق رؤية إيلون ماسك المستقبليَّة لوسيلة نقل جنونيّة السّرعة، أعلنت هذا الأسبوع شركة أمريكيّة ناشئة تدعى “هايبرلوب ون – hyperloop one” عن نيّتها في بناء أوّل هايبرلوب في العالم في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة.
أمّا الهايبرلوب، فهو مفهوم لنظام نقل عالي السّرعة، أطلقه إيلون ماسك، رجل الأعمال والمخترع الأمريكيّ، وهو عبارة عن دمج أنابيب منخفضة الضّغط خالية من الهواء، تربط بين محطّتين، وتوجد داخلَ الأنبوب كبسولات ركّاب تندفع بسرعات عالية على وسادة هوائيّة مضغوطة، ولا تحتكّ بجدران الأنبوب لوجود حقلٍ مغناطيسيّ يولّده محرّك كهربائيّ يعمل بالطّاقة الشّمسيّة.
يبلغ طول الطّريق الواصل بين دبي وأبو ظبي 159 كيلومترًا، وعادةً ما يستغرق قطعُه بالسيَّارة حوالي ساعتين، لكنْ استنادًا إلى مهندسي شركة هايبرلوب ون، فإنّ كبسولة الهايبرلوب قد تمكّنك من قطع المسافة في 12 دقيقة فقط! واصلةً بذلك إلى سرعة 1220 كيلومترًا في السّاعة.
يواجه هذا النّظام -الّذي سيكون جاهزًا بحلول 2020 م بحسب تصريح الشّركة- عددًا من العقبات الواجب تخطّيها قبل أن يصبح أمرًا واقعيًا، ولمْ يتمّ التأكّد بعدُ من عمل تكنولوجيا الهايبرلوب، فهي لا زالت قيدَ الاختبار في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، إذْ هناك العديد من الأعمال التّحضيريّة في الإمارات العربيّة المتّحدة قبل أن تبدأ عمليّة البناء.
للبدء في هذه الخطّة، وقّعت شركة هايبرلوب ون اتفاقيّةً مع هيئة الطّرق والمواصلات الإماراتيّة يومَ الثّلاثاء للبحث في القضايا المحيطة ببناء خطّ نقلٍ سريعٍ كهذا.
وسوف تعقد دراسةً للجدوى خلال اثني عشر أسبوعًا من الآن، متضمّنةً المصمّمين والمعماريّين واستشاريّي النّقل؛ سيدرس جميع هؤلاء طريقةَ ومكان بناء الهايبرلوب للوصل بين دبي وأبو ظبي.
على الرّغم من أنّ الوقت لا زال مبكّرًا للبدء بهذا المشروع، إلا أنّه لدينا فكرة جيّدة عن ماهيّة شكل نظام النّقل بالهايبرلوب وكيف سيبدو، يعود الفضل في ذلك إلى هذا الفيديو التّوضيحيّ للفكرة الّذي كشفت عنه الشّركة هذا الأسبوع:
كما رأينا في الفيديو، إنْ تمكّنت هذه الشّركة من النّجاح في مشروعها، فسوف يصبح السّفر لمسافاتٍ طويلةٍ أمرًا اعتياديًا وتجربةً مرحةً بفضل الهايبرلوب.
سيتمكّن المسافرون من حجز كبسولة هايبرلوب على الإنترنت بالسّهولة نفسها الّتي يتمّ بها طلب وسيلة مواصلات على أوبر، وسيجلسون في كبسولاتٍ ذاتيّةِ القيادة مكعّبة الشّكل، كما ستوفّر لهم هذه الكبسولات مختلف سبل الرّاحة؛ سواء أكانت كرسيًا أم أريكةً، وحتّى طاولة اجتماعات.
تنقل الكبسولة المسافرين إلى بوّابة الهايبرلوب، وبمجرّد أنْ تصبح الكبسولة هناك فإنّها تنضمّ إلى مجموعةٍ تتكوّن من أربع كبسولات قبل أنْ تدخل إلى كبسولات النّقل، ثمّ تدخل كبسولات النّقل إلى أنبوبة الهايبرلوب، وهناك تسافر بسرعة تصل إلى 1220 كيلومترًا في السّاعة، بفضل مزيج من الطّفو المغناطيسيّ والضّغط المنخفض.
تعمل كبسولات النّقل بوساطة محرّكات كهرومغناطيسيّة أثناء طفوها بلطفٍ في الهواء المضغوط، ولا يمكن أنْ نقول إنّ ما بداخل الأنبوبة فراغٌ بالكامل، لكنّ إبقاءَ ضغطٍ منخفضٍ عن عمْد يعني أنّ مقاومةَ الهواء موجودة بالكاد، ممّا يسمح للكبسولات بالسّفر بسرعة عالية كهذه.
لن يتوقّف الهايبرلوب فجأة عند المحطّة الأخيرة بمجرّد انتهاء الرّحلة، إذْ يأمل الباحثون أن يتمكّنوا من إيجاد وسيلة نقل أخرى توصلك إلى وجهتك، بالرّغم من الصّعوبات اللّوجستيّة الّتي تحيط بهذه المسألة.
نعم إنّها رؤية خياليّة بالفعل، وقد تكون تجربةً رائعةً إنْ نجحت، لكنّ هذا النّوع من النّقل الأفلاطونيّ الخاصّ لا يأتي بثمن زهيد، فقد أظهرت إحدى الوثائق المسرّبة الّتي حصلت عليها شركة “فوربس-Forbes” في الشّهر الماضي أنّ التّكلفة المتوقّعة لهايبرلوب دبي أبوظبي تصل إلى 4.8 مليار دولار! (أي أكثر من 30 مليون دولار لكلّ كيلومتر).
نظرًا لأنّ الشّركة لمْ تجمع حتّى الآن سوى 160 مليون دولار، نرى أنّها ستحتاج إلى الكثير من الاستثمار للمساعدة على تحويل هذه الفكرة الرّائعة إلى واقع، وفي هذا الخضمّ قد تكون العقبات الماليّة في المحصّلة أصعبَ تجاوزًا من العقبات الهندسيّة والعلميّة.
وفي هذا المجال كان خبير الطّرق جيل تال من جامعة كاليفورنيا قد صرّح لميجان جيس في موقع “Ars technica”:
«لا أعلم ما إذا كانت فكرة الهايبرلوب معقولةً اقتصاديًا، لكنّ العقباتِ التّكنولوجيّة ليست أمرًا يصعبُ تخطّيه».
ويعطي جيل تال مثالًا لطائرة الكونكورد الّتي فشلت من ناحية الرّكاب، لأنّ النّقل السريع لا ينجح دائمًا إذا كانت الخدمة متاحةً حصرًا لذوي الدّخل العالي، نعم يمكننا السّفر من لندن إلى نيويورك في أربع ساعات فقط لكنْ لا جدوى لهذا الأمر من النّاحية الاقتصاديّة، حتى إنْ وُجِد أشخاص مستعدّون لدفع خمسة أو عشرة أضعاف تكلفة التّذكرة.
من المبكّر لنا معرفة إنْ كان هذا التنبّؤ الواقعيّ ينطبق على الهايبرلوب، لكنّ الأمر المؤكّد أنّنا متشوّقون لرؤية التحوّلات القادمة في الإمارات العربيّة المتّحدة، لأنّ شركة “هايبرلوب ون” تستطيع أن تبني بنجاحٍ أوّل نظام هايبرلوب تجاريّ، مطلقة بذلك حقبةً جديدةً كليًا لنظام النّقل الأرضيّ، وهذا شيء مثير.
لننتظرْ ونترقّب.
ترجمة: قصي أبوشامة
تدقيق: سيلڤا خزعل