مفاعل الاندماج النووي القابل للتطبيق، الذي يُنتج طاقة أكثر من التي يستخدمها، قد يوجد بحلول عام 2025. هذه خلاصة سبع دراسات جديدة، نُشرت في التاسع والعشرين من أيلول في مجلة فيزياء البلازما-Journal of Plasma Physics. قد يُمهد ذلك الطريق لتوليد كميات عظيمة من الطاقة النظيفة.
خلال الاندماج، تُجبر النوى الذرية على تكوين ذرات أثقل. عندما تكون كتلة الذرات الناتجة أقل من كتلة الذرات التي دخلت في تركيبها، فإن فرق الكتلة يتحول إلى طاقة، ما يحرر كمية كبيرة من الطاقة والضوء.
يزود الاندماج الشمس والنجوم بالطاقة، وبسبب الجاذبية العظيمة في أنويتها يندمج الهيدروجين منتجًا الهيليوم.
لكن يلزم كمٌ كبيرٌ من الطاقة لإجبار الذرات على الاندماج معًا، الأمر الذي يحدث عند حرارة لا تقل عن 100 مليون درجة مئوية.
في الوقت ذاته، تنتج هذه المفاعلات كمًا من الطاقة أكبر بكثير من تلك التي تحتاجها، ولا ينتج عن الاندماج أي غازات دفيئة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون، التي تسبب الاحتباس الحراري، ولا تسبب أي تلوث آخر. ووقود الاندماج مثل عنصر الهيدروجين في كوكب الأرض موجود بكم يكفي لسد حاجات الإنسان من الطاقة لملايين السنين.
قال العالم في فيزياء البلازما في معهد ماساتشوتس للتكنولوجيا-MIT، أحد أكبر العلماء العاملين على تطوير المفاعل الجديد مارتن غرينوولد: «في الواقع، اهتممنا جميعًا بهذا البحث لأننا نحاول حلّ مسألة عالمية خطرة جدًا»، وأَضاف: «نريد التأثير في المجتمع، وإيجاد حل للاحتباس الحراري الذي يهدد الحضارة البشرية، وهذا البحث قد يحل هذه المشكلة».
معظم مفاعلات الاندماج التجريبية تنشأ باستخدام تصميم روسي بشكل يشبه الكعكة يسمى توكاماك-Tokamak. تستخدم هذه التصاميم حقولًا مغناطيسية عظيمة لحجز غيمة من البلازما، أو لتأيين الغاز، في درجات حرارة عالية جدًا بشكل كافٍ للذرات لتندمج معًا.
الجهاز التجريبي الجديد الذي يسمى سبارك SPARC -أصغر مفاعل قوي مدمج، ممّول من القطاع الخاص وقليل الكلفة- الذي يطور بواسطة علماء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مع شركة فرعية تابعة لشركة Commonwealth Fusion Systems.
إذا نجح المشروع، سيكون سبارك أول جهاز يحقق البلازما المحترقة، يستمر الاندماج فيه بواسطة الحرارة الناتجة عن جميع تفاعلات الاندماج دون الحاجة لطاقة إضافية، لكن مسبقًا لم يتمكن أحد على كوكب الأرض من استخدام الطاقة الناتجة عن احتراق البلازما، ويحتاج سبارك إلى دراسات أكثر قبل أن يمكّننا من ذلك.
أُطلق مشروع سبارك عام 2018، ومن المقرر البدء بإنشائه في يونيو 2021 وأن يبدأ المفاعل عمله عام 2025. هذا أسرع بكثير من أكبر مشروع طاقة اندماج في العالم، المعروف باسم المفاعل التجريبي الحراري النووي العالمي-ITER، الذي صُمم عام 1985، لكن لم يطلق حتى عام 2007، وعلى الرغم من بدء البناء عام 2013، فلا يتوقع أن يبدأ المفاعل بالعمل قبل عام 2035.
من مميزات سبارك عن ITER أن مغناطيس سبارك مصمم لحصر البلازما فيه، إذ سيستخدم سبارك مغناطيس الحرارة العالية فائق التوصيل الذي أصبح متاحًا تجاريًا في السنوات الثلاث إلى الخمس الأخيرة، بعد مضي وقت طويل على تصميم ITER، ويمكن لهذا المغناطيس إنتاج حقول مغناطيسية أقوى بكثير من تلك التي ينتجها ITER، بحد أقصى يصل إلى 21 تيسلا، وللمقارنة مع الحقل المغناطيسي الأعظم للمفاعل ITER فإنه يبلغ 12 تيسلا، والحقل المغناطيسي للأرض تتراوح شدته من 30 إلى 60 جزء من التيسلا.
يشير هذا المغناطيس القوي إلى أن نواة سبارك قد يكون قطرها أصغر بثلاث مرات ممّا هي عليه في ITER، وأصغر حجمًا بنحو 60 إلى 70 مرة. أخبر غرينوولد مجلة LiveScience: «هذا النقص الكبير في الحجم يترافق بنقص كبير في الوزن والتكلفة، وهذا حقيقةً ما يغير اللعبة».
في سبع دراسات جديدة، لخص الباحثون الحسابات ومحاكاة الحواسيب العملاقة لتصميم سبارك.
تتوقع الدراسة أن يولد سبارك ما لا يقل عن ضعف إلى عشرة أضعاف الطاقة التي تطلق فيه.
ينتج بخار عن الحرارة في مفاعل الاندماج. هذا البخار سيشغل توربينة ومولد طاقة كهربائية، وهي طريقة إنتاج معظم الطاقة الكهربائية حاليًا.
يقول غرينوولد: «محطات طاقة الاندماج النووي يمكن أن تحل محل محطات الوقود الأحفوري، ولا نحتاج لبناء شبكات كهربائية خاصة بها».
للمقارنة، مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح، لا تتكيف جيدًا مع التصميم الحالي لشبكات الكهرباء.
في النهاية، يأمل الباحثون أن تولد محطات طاقة الاندماج المستوحاة من سبارك ما بين 250 إلى 1000 ميغا واط من الكهرباء. قال غرينوولد: «في سوق الطاقة الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية، تولد محطات الطاقة نحو 100 إلى 500 ميغا واط».
سينتج سبارك حرارة فقط، لا الكهرباء. عندما يبني الباحثون سبارك ويفحصوه، سيتطلعون بعد ذلك إلى إنشاء ARC (المفاعل المدمج القوي وقليل الكلفة)، الذي سيولد الطاقة الكهربائية في عام 2035.
أضاف غرينوولد: «هذا طموحٌ للغاية، لكنه الهدف الذي نعمل للوصول إليه، وأظن أنه معقول».
اقرأ أيضًا:
لم لا يستعمل الثوريوم بديلًا لليورانيوم في المفاعلات النووية؟
الصين تخطط لتشغيل مفاعل الاندماج النووي (الشمس الاصطناعية) قريبًا
ترجمة: وسام برهوم
تدقيق: مازن النفوري