تمثلت الاحتجاجات التي اندلعت في ميدان تيانانمين بمظاهرات قادها طلبة تنادي بحرية التعبير وحرية الصحافة في الصين. أخمدت الحكومة الصينية هذه الاحتجاجات عبر حملة قمع وحشية عُرفَت بمجزرة ميدان تيانانمين في الرابع والخامس من يونيو عام 1989.
انطلق المحتجون المؤيدون للديمقراطية -أكثرهم من الطلبة- في مسيرة عبر بكين وصولًا إلى ميدان تيانانمين، بعد وفاة هو يابانغ القائد السابق في الحزب الشيوعي، الذي سعى إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية في الصين. في رثائه طالب الطلبة بحكومة ديمقراطية أكثر انفتاحًا. انضم الألوف إلى الطلبة في ساحة تيانانمين وازدادت أعداد المحتجين إلى عشرات الألوف بحلول منتصف مايو.
يعود جوهر الخلاف إلى الإحباط وخيبة الأمل من القيود المفروضة على الحرية السياسية في البلاد بسبب الحكومة ذات الحزب الواحد وتحكم الحزب الشيوعي في صناعة القرارات والمشكلات الاقتصادية المستمرة. ومع أن حكومة الصين أجرت عدة إصلاحات في الثمانينيات، أفسحت المجال قليلًا لإرساء الرأسمالية في البلاد، بقيت الطبقة العاملة والفقيرة الصينية تواجه تحديات كبيرة منها نقص فرص العمل والفقر المتزايد.
أشار الطلاب في نقاشاتهم إلى فشل النظام التعليمي في إعدادهم للتعامل مع نظام اقتصادي يعتمد على رأسمالية السوق الحرة.
تعاطف بعض القادة في الحكومة الصينية مع الطلاب وقضيتهم، في حين رأى مسؤولون آخرون هذه الاحتجاجات تهديدًا سياسيًا.
إعلان الأحكام العرفية
في 13 مايو، بدأ عدد من الطلبة المحتجين إضرابًا عن الطعام ألهم احتجاجات أخرى عبر الصين للقيام بإضرابات مشابهة. أثار تزايد أعداد المحتجين قلق الحكومة، خاصةً مع ما أحدثوه من بلبلة وتشويش على زيارة رئيس الوزراء السوفيتي جورباتشوف.
لم تُقم مراسم استقبال جورباتشوف في ساحة تيانانمين مثلما خططت لها الحكومة الصينية، بدلًا من ذلك أًقيمت في المطار وانتهت الزيارة من دون أحداث.
مع ذلك، لشعور الحكومة بضرورة احتواء الاحتجاجات، أعلنت الأحكام العرفية في 20 مايو ودخل 250 ألف جندي بكين.
بنهاية مايو تجمع أكثر من مليون محتج في الميدان انطلقوا في مسيرات ووقفات احتجاجية، ونقلت وسائل الإعلام الأحداث إلى المشاهدين في أوروبا والولايات المتحدة.
مجزرة ميدان تيانانمين
مع فشل الوجود العسكري في إيقاف الاحتجاجات، قررت السلطات الصينية اعتماد أسلوب أكثر قسوة وعنفًا، ففي الواحدة صباحًا يوم 4 يونيو اقتحم الجنود الصينيون الميدان وأطلقوا الرصاص الحي على الحشود.
حاول ألوف المحتجين الهرب، في حين رد بعضهم الهجوم بإلقاء الحجارة وحرق المركبات. تقدر التقارير الصادرة عن الدبلوماسيين الغربيين في الصين أن مئات إلى ألوف المحتجين قد قُتِلوا في مجزرة ميدان تيانانمين، واعتُقل نحو عشرة آلاف.
أدان قادة العالم ومنهم جورباتشوف الهجوم العسكري على المحتجين. وبعد أقل من شهر على المجزرة صوَّت الكونجرس الأمريكي لصالح فرض عقوبات اقتصادية على الصين متهمًا إياها بانتهاك حقوق الإنسان.
رجل دبابة ميدان تيانانمين
تبقى صورة رجل مجهول يقف وحيدًا متحديًا رتلًا من الدبابات الصينية مغلقًا الطريق أمامها يوم 5 يونيو راسخة في ذاكرة العالم. اشتُهر هذا الرجل بلقب «رجل الدبابة في ميدان تيانانمين».
تاريخ ميدان تيانانمين
مع أن أحداث 1989 نالت الحظ الأوفر من التغطية الإخبارية العالمية لميدان تيانانمين، فإن الميدان ظل فترةً طويلة معلمًا مهمًا في مدينة بكين. يعني الاسم «بوابة السلام السماوي» ويُعد مدخلًا لما يُسمِى المدينة المحرمة. حاز الموقع أهمية إضافية مع تحوُّل الصين من ثقافة الإمبراطورية إلى ثقافة الحكم الشيوعي.
كانت سلالة كينغ آخر سلالة حكمت الصين، وقد حكمت البلاد من أواسط ستينيات القرن السابع عشر حتى عام 1912.
نتجت عن ثورة شينهاي التي اندلعت بين عامي 1911 و 1912 الإطاحةُ بأسرة كينغ ومهدت الطريق لتأسيس الجمهورية. تميَّزت السنوات الأولى من الجمهورية بالاضطرابات والقلاقل السياسية وخضوع البلاد للحكم الياباني في الفترة السابقة للحرب العالمية الثانية. وقد قُتِل قرابة 20 مليون صيني في ظل الاحتلال الياباني.
اليوم الوطني
مع انهيار اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، دخلت الصين حربًا أهلية. بنهاية هذه الحرب عام 1949 سيطر الحزب الشيوعي على معظم أراضي الصين وأسس جمهورية الصين الشعبية بقيادة ماو تسي تونغ.
أُقيم الاحتفال الأول بهذه المناسبة في ميدان تيانانمين في 1 أكتوبر 1949 وحضره أكثر من مليون ونصف مليون صيني. أصبح هذه الاحتفال يُعرَف باليوم الوطني وما يزال يُقَام سنويًا في التاريخ ذاته، إذ تقام كبرى الفعاليات في الميدان.
يُعَد ماو تسي يونغ مؤسس جمهورية الصين الشعبية، وبعد وفاته دُفِن في ضريح في الميدان.
ما زالت احتجاجات ميدان تيانانمين والمذبحة التي وقعت فيه يتردد صداها في جميع أنحاء العالم حتى اليوم. سنة 1999، أصدر أرشيف الأمن القومي الأمريكي وثيقة تتضمن ملفات وزارة الخارجية الأمريكية المتعلقة بالاحتجاجات والقمع العسكري الذي أعقبها.
لم تطلق السلطات الصينية سراح الصحفي يو دونجيو الذي ألقت القبض عليه لإلقائه الطلاء على صورة ماو تسي تونغ في ميدان تيانانمين في أثناء الاحتجاجات إلا سنة 2006.
في الذكرى العشرين للمذبحة منعت الحكومة الصينية الصحفيين من دخول ميدان تيانانمين، ومنعت المتابعين من الوصول إلى المواقع الإخبارية الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك حضر الألوف وقفةً احتجاجية احتفاءً بالذكرى السنوية للاحتجاجات في هونغ كونغ. سنة 2019، قبل حلول الذكرى الثلاثين للمجزرة، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش- ومقرها نيويورك- تقريرًا يذكر بالتفصيل الاعتقالات المبلغ عنها في الصين والتي طالت المحتجين.
خضعت أحداث ميدان تيانانمين لرقابة شديدة على الإنترنت الصيني الخاضع لسيطرة الحكومة الصينية المشددة. وفقًا لمسح نشرته جامعتا تورنتو وهونغ كونغ سنة 2019، فقد حُظِرت أكثر من 3200 كلمة تشير إلى المذبحة.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف تفاصيل أقدم طرق التحنيط
دراسة للحمض النووي تكشف التاريخ المروع لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: تسنيم المنجد