العقل البشري مدهش! مع أنه يستهلك طاقة تعادل ما تنتجه موزتان فقط في اليوم، فإن هذا لا يمنعه من تنفيذ مهام معقدة بشكل يفوق التصور وبكفاءة عالية. صمم فريق من الباحثين طريقة لبناء نموذج أولي من الخلايا العصبية الاصطناعية المكونة من شرائح الجرافين الرقيقة جدًا، التي تحتوي على طبقة واحدة من جزيئات الماء، وبدلًا من الإلكترونات، تستخدم هذه الخلايا العصبية الاصطناعية الأيونات، تمامًا مثل الدماغ البشري، وفقًا لدراسة جديدة نُشرت في مجلة Science.
تعتمد الكفاءة الفائقة للدماغ على وحدات أساسية وهي الخلايا العصبية، التي تتكون من مسام نانوية تسمى القنوات الأيونية. تُغلق هذه القنوات وتنفتح بالتبادل اعتمادًا على المحفزات، لكن تدفق الأيونات الناتج من هذه العملية يولد تيارًا كهربائيًا، إحدى تلك القنوات تبعث تيارات كهربية عالية النشاط، وهي الإشارات الحاسمة التي تسمح للخلايا العصبية بالتواصل بينها. يمكن الذكاء الاصطناعي القيام بذلك أيضًا، لكن الذكاء الاصطناعي يستهلك الكثير من الطاقة، أكبر بعشرات الآلاف من المرات من الدماغ البشري! لذا فإن التحدي في هذا المجال هو تصميم أنظمة إلكترونية تنافس كفاءة الطاقة في الدماغ البشري.
تعد دراسة الموائع النانوية ذات صلة لأنها تدرس سلوك السوائل في قنوات يقل عرضها عن 100 نانومتر. أظهرت الدراسة الجديدة كيف يمكن المجال الكهربائي أن يجمع الطبقة المفردة من جزيئات الماء في مجموعات طويلة، التي تُطور خاصية رئيسية تسمى تأثير (memristor)، إذ تحتفظ هذه المجموعات بجزء من المنبهات التي تلقتها في الماضي القريب. تمامًا مثل الدماغ البشري، لاحظ الباحث في تصميمه أن شقوق الجرافين تعيد إنتاج القنوات الأيونية، إضافةً إلى التدفقات الأيونية والعناقيد، وبمساعدة الأدوات الرقمية والنظرية، اكتشف العلماء طريقة لتجميع هذه المجموعات الخاصة حتى يتمكنوا من إعادة إنتاج الآلية الفيزيائية لإرسال جهد من التيارات الكهربائية عبرها.
قد تطور الخلايا العصبية الاصطناعية أبحاث واجهة أدمغة الحواسيب، للأفضل والأسوأ معًا!
بمعنى آخر، القدرة على نقل المعلومات من خلية عصبية اصطناعية إلى أخرى. هذا العمل التاريخي يمضي قدمًا بواسطة فريق فرنسي وعلماء من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، والخطوة التالية هي إثبات قدرة هذه الأنظمة الجديدة تجريبيًا على تنفيذ خوارزميات التعلم الأساسية، التي قد تصبح بدورها أساسًا لتوفير ذاكرة كهربائية تُستدعى عبر الخلايا العصبية الاصطناعية. بطبيعة الحال، فإن السعي وراء محاكاة نشاط الدماغ البشري له أيضًا أهمية محتملة لزيادة الوظائف العصبية. مثلًا، يهدف إيلون ماسك عبر شركة «نيورالينك» إلى زرع شرائح الكمبيوتر في أدمغة البشر وبدء عصر جديد من الإدراك البشري الخارق، أي عندما تُدمج قوة الحوسبة غير الملموسة لتحليلات التعلم الآلي مع حدس إبداعي لا مثيل له للعقل البشري.
مع ذلك توجد عيوب، ليست كلها عيوب محتملة فقط. كتبت الفيلسوفة وعالمة النفس المعرفي سوزان شنايدر: «دون قوانين مناسبة تحكُم شرائح الدماغ، يمكن بيع أفكارك العميقة وبيانات مقاييسك الحيوية في مزاد. قد يشعر الناس أنهم مجبرون على استخدام شرائح الدماغ للحفاظ على وظائفهم في مستقبل حيث يتفوق علينا الذكاء الاصطناعي». وإذا كانت شرائح الدماغ مثل شرائح شركة نيورالنك، تعمل على تمكين أو تحسين الأنشطة المألوفة للهواتف الذكية، فقد تُفحص هذه البيانات بحثًا عن علامات على وجود نشاط رقمي إجرامي محتمل باستخدام أدوات يمكن خداعها بسهولة لجعلها أنشطة طبيعية أو العكس ما يؤدي إلى اتهام الأبرياء! وقال بيان حديث من شركة آبل إن الخط الفاصل بين الخصوصية والأمن العام يتضاءل بسرعة.
اقرأ أيضًأ:
اكتشاف نوع جديد من الإشارات العصبية قد تساعدنا على فهم طريقة عمل الدماغ البشري
العلماء يبتكرون أول ذكاء صناعي مصنوع من الحمض النووي وهذا هو مستقبله
ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب