اكتشاف علمي هو الأول من نوعه استغرق عقودًا وظهر قبل بضعة أشهر فقط، وقد بدأ العلماء بالفعل في إدراك إمكاناته.

قيسَت الفجوة بين حالات الطاقة الكمومية لنواة عنصر الثوريوم، واستُخدمت لإنشاء أول ساعة نووية بدائية.

نجح فريق من الفيزيائيين في إثبات التكنولوجيا الأساسية التي ستقودنا إلى تطوير ساعة نووية مكتملة بالكامل، وذلك عن طريق ربط ساعة ذرية تعتمد على عنصر السترونتيوم مع بلورة تحتوي على نوى الثوريوم.

سيفتح تحقيق هذا الإنجاز الذي لم نصل إليه بعد، عالمًا جديدًا من قياس الوقت بدقة فائقة.

يشرح الفيزيائي ثورستن شتروم من جامعة فيينا التقنية قائلًا: «أثبتنا مع هذا النموذج الأولي أن الثوريوم يمكن استخدامه بمنزلة وسيلة لقياس الوقت بدقة فائقة. كل ما تبقى هو العمل على التطوير التقني، مع عدم توقع وجود عقبات كبيرة».

تعتمد الساعة الذرية على نبضات دقيقة للغاية تصدرها الذرات عندما تتحول بين حالات الطاقة عند تحفيزها بواسطة الليزر، وذلك وفقًا لحالات الإلكترونات التي تدور حول النواة في الذرة.

إن تحقيق هذا الأمر مع النواة نفسها أكثر صعوبة، إذ يتطلب تغيير حالة الطاقة في النواة كمية أكبر بكثير من الطاقة، وذلك مقارنة بالإلكترونات.

إن الساعة النووية مرغوبة جدًا لأنها ستكون أكثر استقرارًا ودقة من الساعة الذرية. وهذا بدوره سيمكن من إجراء قياسات أكثر دقة للكون الفيزيائي، ما قد يؤثر على كل شيء من أنظمة الملاحة إلى البحث عن المادة المظلمة.

في وقت سابق من هذا العام، أُعلِنَ عن قياس الفرق في الطاقة بين حالات نواة الثوريوم. وقد سمح هذا الاكتشاف لشتروم وزملائه بتحديد الطاقة الدقيقة المطلوبة لإحداث هذا التحول في حالات الطاقة، وهي الآلية التي ستعمل عليها الساعة النووية.

كانت الخطوة التالية إثبات إمكانية إنشاء ساعة باستخدام هذا التحول، وهذا ما تمكن شتروم وزملاؤه من تحقيقه الآن.

الساعة التي عرضوها ليست ساعة نووية مكتملة، لكنها أولى الخطوات في هذا الاتجاه. إن الساعة التي تعتمد على السترونتيوم في معهد جيلا التابع للمعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا تعمل باستخدام ضوء الأشعة تحت الحمراء.

أنشأ الفريق بلورة صغيرة من فلوريد الكالسيوم تحتوي على نوى الثوريوم، إذ تتغير حالات الطاقة باستخدام مادة ماصة لضوء الأشعة فوق البنفسجية.

لربط البلورة بالساعة الذرية، كان على الباحثين إيجاد طريقة لتحويل الضوء تحت الأحمر إلى فوق البنفسجي. قاموا بذلك عن طريق إنشاء مشط ترددي من أطوال موجات تحت الحمراء، وتشغيله عبر غاز الزينون الذي يتفاعل مع الضوء تحت الأحمر لينتج أطوال موجات فوق بنفسجية.

النتيجة كانت مشط ترددي مشترك يمكنه تحفيز انتقال نوى الثوريوم وتزامنه مع نبضات ذرات السترونتيوم.

مع أن نبضات الساعة النووية الناتجة ليست أكثر دقة من الساعة الذرية المعتمدة على السترونتيوم، فإن الفريق يظن أن التكنولوجيا الحقيقية باتت قريبة من التحقيق الكامل.

يقول الفيزيائي جون يي من جيلا: «تخيل ساعة يد لا تفقد ثانية واحدة حتى بعد تشغيلها لعدة مليارات من السنين. في حين أننا لم نصل إلى هذا المستوى بعد، فإن هذا البحث يقربنا من تحقيق تلك الدقة».

أجرى الفريق تجاربهم عدة مرات، وفي كل مرة حققوا نتائج متوافقة مع الساعة الذرية. الخطوة التالية ستكون تحسينها.

يقول شتروم: «عندما حفزنا الانتقال لأول مرة، تمكنا من تحديد التردد في حدود بضع جيجاهرتز. كان هذا بالفعل أفضل بأكثر من ألف مرة مما كان معروفًا من قبل. الآن ومع ذلك، لدينا دقة في نطاق الكيلوهرتز وهو أفضل بمليون مرة، نتوقع بهذه الطريقة التفوق على أفضل الساعات الذرية في غضون 2-3 سنوات».

نُشِرَ هذا البحث في مجلة نيتشر.

اقرأ أيضًا:

العلماء يقتربون من صنع ساعات تعتمد على الطاقة النووية

مفاعلات ناتريوم: الجيل الجديد من المفاعلات النووية

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: نور حمود

مراجعة: باسل حميدي

المصدر