أنشأ علماء أستراليون أول دارة حاسوبية كمية في العالم، تحتوي الدارة على كل العناصر الأساسية الموجودة في الرقاقات الحاسوبية التقليدية لكن على مقياس كمي.

تحقق هذا الإنجاز بعد العمل مدة تسع سنوات.

تقول ميشيل سيمونز عالمة الفيزياء الكمية والكاتبة الرئيسية للبحث ومؤسسة شركة سيليكون كوانتوم كومبيوتينغ ومديرة مركز إكسيلنس للحوسبة الكمية وتكنولوجيا الاتصالات في جامعة نيو ساوث ويلز: «إنه الاكتشاف الأكثر إثارة في مسيرتي المهنية».

لم تنشئ سيمونز وفريقها أول معالج كمي عملي فقط، بل اختبروه بنجاح أيضًا عبر نمذجة جزيء صغير تمتلك كل ذرة فيه عدة حالات كمية، سيعاني أي حاسوب عادي لإنجازه.

يشير الاقتراح إلى اقترابنا خطوةً أخرى من استخدام المعالجة الكمية لفهم المزيد عن العالم المحيط بنا، حتى على أصغر المقاييس.

تقول سيمونز: «قال ريتشارد فاينمان في خمسينيات القرن الماضي، لن نفهم أبدًا كيف يعمل العالم -كيف تعمل الطبيعة- إلا إذا استطعنا البدء بصنعه على نفس المقياس».

«إذا تمكنا من البدء بفهم المواد على هذا المستوى، فيمكننا تصميم أشياء لم تُصنع من قبل».

«السؤال المطروح هو: كيف تتحكم في الطبيعة فعليًّا على هذا المستوى؟»

يتبع الاختراع الأخير إنشاء الفريق أول ترانزستور كمي عام 2012.

(يعد الترانزستور جهازًا صغيرًا يتحكم في الإشارات الإلكترونية، ويشكل جزءًا واحدًا من الدارة الحاسوبية. إذا اجتمعت الكثير من الترانزستورات معًا تكون الدارة المدمجة معقدةً أكثر).

استخدم الباحثون لتحقيق هذه القفزة في الحوسبة الكمية مجهرًا نفقيًّا ماسحًا في وسط خالٍ من الهواء لوضع النقاط الكمية في مجال خطأ أقل من نانومتر.

وضِعت كل نقطة كمية بدقة تامة لتستطيع الدارة محاكاة كيفية قفز الإلكترونات على طول سلسلة من ذرات الكربون وحيدة وثنائية الروابط في جزيء بولي أستلين.

كانت المراحل الأصعب معرفة العدد الدقيق لذرات الفوسفور الواجب وجودها في كل نقطة كمية، وبُعد كل نقطة كمية عن الأخرى، ثم صنع آلة قادرة على وضع النقاط الصغيرة في الترتيب الصحيح ضمن شريحة السيليكون بدقة متناهية.

قال الباحثون إذا كانت النقاط الكمية كبيرةً جدًا، سيصبح التفاعل بين النقطتين «أكبر من أن يُتحكم فيه على نحو مستقل».

إذا كانت النقاط صغيرةً جدًا، فستُحدث عشوائيةً لأن كل ذرة فوسفور إضافية قد تغير جذريًّا كمية الطاقة المطلوبة لإضافة إلكترون آخر إلى النقطة.

احتوت الشريحة الكمية النهائية 10 نقاط كمية، كل منها مكون من عدد قليل من ذرات الفوسفور.

جرت محاكاة روابط الكربون الثنائية عبر ترك مسافات أقل بين النقاط الكمية من تلك في روابط الكربون الأحادية.

اختير البولي إستيلين لأنه نموذج معروف جيدًا، ولذلك يمكن استخدامه لإثبات صحة محاكاة الحاسوب لحركة الإلكترونات ضمن الجزيء.

نحتاج الحواسيب الكمية لأن الحواسيب العادية عاجزة عن صنع نماذج للجزيئات الكبيرة نظرًا إلى تعقيدها الشديد.

سيحتاج حاسوب عادي إلى 86^10 ترانزستور لإنشاء محاكاة لجزيء بنسلين مكون من 41 ذرةً، «أي أكثر من عدد الذرات في الكون المرئي».

أما بالنسبة لحاسوب كمي، فكل ما يتطلبه الأمر معالجًا ذا 286 كيوبت (بت كمي).

تتضمن جهود العلماء لإنشاء مواد جديدة الكثير من التخمين، بسبب محدودية رؤيتهم لكيفية عمل الجزيئات على المستوى الذري.

تقول سيمونز: «لطالما كان صنع موصل فائق بدرجة حرارة عالية أحد الأهداف بعيدة المنال، فلا يعرف أحد آلية عمله».

تعد دراسة التركيب الضوئي الصناعي، وكيفية تحويل الضوء إلى طاقة كيميائية عبر سلسلة تفاعلات عضوية، من التطبيقات الأخرى المحتملة للحوسبة الكمية.

قد تساعد الحواسيب الكمية على حل مشكلة كبيرة أخرى وهي صناعة الأسمدة. تتحطم حاليًّا روابط النتروجين الثلاثية تحت ظروف حرارة عالية وضغط مرتفع بوجود وسيط من الحديد لإنتاج نتروجين ثابت للسماد.

قد يوفر إيجاد وسيط مختلف قادر على زيادة فعالية صناعة السماد الكثير من المال والطاقة.

تقول سيمونز إن إنجاز الانتقال من ترانزستور كمي إلى دارة كمية في تسع سنوات فقط، يحاكي خارطة الطريق التي وضعها مخترعو الحواسيب التقليدية.

أُنشئ أول ترانزستور حاسوب تقليدي عام 1947، وبُنيت أول دارة مدمجة عام 1958. صُنع الاختراعان بفارق 11 سنة. حقق فريق سيمونز هذا الإنجاز قبل عامين من الموعد المحدد.

اقرأ أيضًا:

تقنية جديدة في الفيزياء الكمية قد تساهم في تغيير طريقتنا في دراسة الكون

العمل على تطوير جهاز يتحكم في الخصائص الكمية للمواد الصلبة باستعمال الضوء!

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: ميرفت الضاهر

مراجعة: نغم رابي

المصدر