ما تزال قدرات الروبوتات الذكية محدودةً وغير متطورة بما يكفي لفهم البشر والتعامل باحتراف مع المواقف الاجتماعية المعقدة. لذلك -حسب الدكتور ماسيميليانو كابتشيو من جامعة نيو ساوث ويلز بأستراليا (UNSW)- يجب أن نفكر في أسلوب للتفاعل مع هذه الروبوتات الاجتماعية التي تستطيع مساعدتنا على رفع وعينا بسلوكنا وعاداتنا السيئة وحدود قدراتنا، وهذا كله ممكن في مجال الانضباط الذاتي وضبط النفس، وأيضًا في تعلم القيم الأخلاقية كالكرم والتعاطف.
يُذكر أن الدكتور كابوتشيو المؤلف الرئيسي لكتاب: «هل تستطيع الروبوتات جعلنا أناس أفضل؟» -Can Robots Make Us Better Humans، والذي شارك في تأليفه أيضًا الدكتور إدواردو ساندوفال من جامعة نيو ساوث ويلز والبروفيسورة ماري فيلوناكي، وأكاديميون آخرون من جامعة ويسترن سيدني وجامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد.
يُعدّ الكتاب أيضًا أول عمل من سلسلة أعمال شارك في تحريرها الدكتور كابوتشيو والدكتور ساندوفال والبروفيسورة فيلوناكي، ونُشرت في المجلة الدولية للروبوتات بمثابة عدد خاص بعنوان «الروبوتات الفاضلة: العملاء الاصطناعيون والحياة الجيدة».
نهج أخلاقي
تقترح الورقة العلمية أنه ونظرًا لأن الروبوتات الاجتماعية قادرة على خلق أو تعزيز القيم والعواطف البشرية، فإن على البشر الالتزام بأخلاقيات عالية عند تصميمها والتفاعل معها.
يحاول معظم علماء الروبوتات تنفيذ ذلك عن طريق الرجوع إلى مذهب الواجب الأخلاقي أو المذهب الأخلاقي النفعي فقط. ويرى مؤيدو مذهب الواجب الأخلاقي أن السلوك الأخلاقي جيد في ذاته وأن الغاية لا تبرر الوسيلة، بينما يحدد المذهب النفعي قيمة السلوك الأخلاقي حسب النتيجة المترتبة عليه والمنفعة التي يقدمها لأكثر عدد من الناس.
لكن الدكتور كابتشيو يشجع على الالتزام بأخلاقيات الفضيلة، وهي فلسفة قديمة لتحسين الذات وازدهار الإنسان.
يقول الدكتور: «بدلًا من تصميم روبوتات تحاكي عمليات اتخاذ القرارات الأخلاقية لدينا، يجب أن ننظر إلى تفاعلاتنا معها بمثابة فرصة لتحسين النوع الإنساني وتطويره أخلاقيًا».
يُضيف الدكتور كابتشيو إن نظرية “الروبوتات الفاضلة” تُؤكد على مسؤولية الإنسان أخلاقيًا في تعامله مع الروبوتات، كما هو الحال مع الروبوت الذكي «بيبر Pepper».
يقول الدكتور كابوتشيو إن الروبوتات «ليست دائمًا ذكية بالقدر الكافي لاتخاذ أفضل خيار أخلاقي نيابةً عنك، ولكنها قد تساعدك على ذلك عن طريق تذكيرك أو الرفع من وعيك أو تدريبك أو بواسطة تشجيعك».
ويأمل المشاركون في الورقة العلمية في تشجيع البشر على التحلي بالقيم الأخلاقية العالمية كالكرم والشجاعة والشرف والرحمة والنزاهة عند تعاملهم مع الإنسان الآلي.
يعلّق الدكتور كابتشيو بأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في نظرية “الروبوتات الفاضلة” تعمل بمثابة مرآة عاكسة للسلوك البشري وتشجع المستخدم على أن يكون أكثر وعيًا. يقول: «تضعك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أمام نفسك وتطلب منك أن تكون على دراية ووعي بما تفعله».
يقول الدكتور ساندوفال، اختصاصي الروبوتات من جامعة نيو ساوث ويلز للفنون والتصميم «إنه في هذه الحالات، تبحث الروبوتات الفاضلة في كيفية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لجعلنا أفضل في تحسين الذات والتعليم وخلق عادات جيدة بمثابة بشر، والهدف النهائي هو أن نصبح أناسًا أفضل».
في عام 2014 وصل الروبوت فرنسي الصنع بيبر إلى أسواق البيع، واشتهر كثيرًا لقدرته على اكتشاف المشاعر البشرية. بحلول عام 2018، بِيع نحو 12 ألف نسخة، واستُعمل باعتباره رفيقًا في دور رعاية المسنين، وخادمًا في الفنادق، ومرحبًا في نقاط البيع بالتجزئة، إضافةً إلى العديد من الاستخدامات الأخرى، بما في ذلك استخدامه في التعليم.
تقول البروفيسورة فيلوناكي من جامعة نيو ساوث ويلز إن بيبر بُرمج مؤخرًا لاكتشاف الأشخاص الذين لا يرتدون أقنعةً في الأماكن العامة حتى لا يشعرون بالإهانة عند مطالبتهم بارتداء الأقنعة. تُضيف: «يقترب هذا الروبوت اللطيف من الناس ويسأل؛ من فضلك ارتد قناعك، هذا كل شيء، أنا شخصيًا لن يزعجني ذلك».
«كاسبر» الروبوت الودود
يُعد «كاسبر-Kasper» مثالًا نموذجيًا عن الروبوت الأخلاقي، وهو روبوت ذكي يشبه الأطفال صممته جامعة نيو ساوث ويلز (UNSW) بعد تعاون مع جامعة هيرتفوردشاير بالمملكة المتحدة، إذ صُمم لأول مرة عام 2005 لمساعدة الأطفال المصابين بالتوحد وصعوبات التعلم.
تقول فيلوناكي، مؤسِسة ومديرة مختبر الروبوتات الإبداعية العالمي بجامعة نيو ساوث ويلز: «يُعلّم كاسبر الأطفال السلوكيات المقبولة اجتماعيًا، على سبيل المثال، يقول الروبوت «هذا مؤلم» عندما يضربه الطفل، أو «هذا لطيف» عندما يلمسه الطفل بطريقة لطيفة».
تُضيف البروفيسورة: «لا يحل كاسبر محل المُعالج أو شبكة التواصل الاجتماعي أو العائلة أو المدرسة، إنه مجرد روبوت يساعدهم على تعلم السلوكيات الاجتماعية واللعب والتجربة».
نهج متعدد التخصصات
تتفق فيلوناكي، بصفتها مُصمّمة روبوتات لمدة 20 عامًا على الأقل، مع نهج الدكتور كابوتشيو حول أخلاقيات الإنسان الآلي، وتشجع على تبني نهج متعدد التخصصات عند صناعة هذه الروبوتات.
تقول: «هذا الأمر ليس من الكماليات، بل ضرورة يجب أخذها بعين الاعتبار منذ البداية عند تصميم مثل هذه الأنظمة، يجب وجود أشخاص مختصين في إنشاء تصميم تفاعلي، وعلماء أخلاقيات وأشخاص مختصين بالعلوم الاجتماعية والذكاء الاصطناعي وهندسة الميكاترونيات (Mechatronics). لأننا لا نتحدث عن أنظمة معزولة في مصنع لتصنيع السيارات، نحن نتحدث عن الأنظمة التي -في المستقبل القريب- ستتفاعل في إطار اجتماعي».
تُضيف فيلوناكي: «نحتاج إلى البدء في التفكير في بعض هذه الأسئلة الوجودية الآن مع تقدم تقنية الذكاء الاصطناعي، إذ قد تصبح هذه الأنظمة بعد 30 عامًا من الآن أكثر تطوّرا من التكنولوجيا الحيوية (biotechnology)».
الروبوتات الاجتماعية وتحسين عادات الإنسان
يقول الدكتور كابوتشيو: «تُستعمل الروبوتات الفاضلة عمومًا في جميع مجالات التنمية البشرية والازدهار البشري، فعندما نحتاج إلى مهارات أخلاقية معينة، على سبيل المثال، وجود وعي ذاتي أكبر بعادات سيئة كالتدخين أو الكحول أو اتباع نظام غذائي معيّن، قد تكون الروبوتات الفاضلة مُفيدة لأي شخص يريد زيادة سيطرته على سلوكياته».
يقول الدكتور ساندوفال، الذي حاول إجراء تجارب شخصية مع تطبيقات التمارين والتأمل على هاتفه المحمول: «إن الروبوتات الاجتماعية أكثر نجاحًا في تنمية الفضيلة لدى البشر من تطبيقات الهواتف المحمولة».
يُضيف ساندوفال: «حتى الآن، يُعد التفاعل البشري أكثر الطرق فعاليةً لتنمية الفضيلة. ولكن ربما تكون ثاني أفضل طريقة لتنمية الفضيلة هي استخدام الروبوتات الاجتماعية التي تعتمد على التجسيد الواقعي، وليس فقط الشاشات من أجل التفاعل مع الناس».
اقرأ أيضًا:
عشرة تحدياتٍ كبيرة تواجه الروبوتات
ماذا لو ثارت الروبوتات؟ وإلى متى سوف تصمد البشرية؟
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: آية فحماوي