يمكن لآلة الزمن الخلويّة في نهاية المطاف أن تفيدَ البشرَ أيضًا..

طوَّر علماء البيولوجيا في جامعة كاليفورنيا طريقةً تعمل كآلةٍ زمنيّةٍ خلويّةٍ تعيد عقاربَ عنصرٍ رئيسٍ من عناصر الشيخوخة إلى الوراء.

وفي دراسةٍ على ذباب الفاكهة في منتصف العمر، استطاع الباحثون تحسينَ صحّة الحيوانات بشكلٍ كبيرٍ مع تباطؤٍ ملحوظٍ في التقدّم بالعمر.

ويعتقدون أنّ هذه التقنيّةَ يمكن أن تؤدّيَ في نهاية المطاف إلى إمكانيّةِ تأخير ظهور مرض باركنسون ومرض ألزهايمر والسرطان والسكتة الدماغيّة وأمراض القلب والأوعية الدمويّة، وغيرها من الأمراض المرتبطة بالعمر عند البشر.

ويركّز النهج على المتقدِّرات-Mitochondria؛ وهي مولّدات الطاقة الصغيرة داخلَ الخلايا التي تتحكّم في نموّ الخلايا وتحديد متى تعيش ومتى تموت. تتلف المتقدّرات مع التقدُّم في السنّ غالبًا، وتميل تلك المتقدّرات التالفة مع تقدّم الناس في السنّ إلى التراكم ضمن الدماغ والعضلات وغيرِها من الأعضاء.

وعندما لا تستطيع الخلايا القضاءَ على هذه المتقدّرات التالفة، فمن الممكن أن تصبحَ سامّةً وتساهمَ في مجموعةٍ واسعةٍ من الأمراض المرتبطة بالعمر، وذلك وفقًا لما ذكره ديفيد ووكر David Walker، وهو أستاذٌ في علم الأحياء وعلم وظائف الأعضاء التكامليَّين-Integrative biology and physiology، وعضو في معهدِ البيولوجيا الجزيئيّة جامعة كاليفورنيا، وكبيرُ مؤلّفي الدراسة.

وجد ووكر وزملاؤه في البحث الجديد أنّه عندما تصل ذبابة الفاكهة إلى منتصف العمر -حوالي شهرٍ واحدٍ من عمرها الذي يصل إلى شهرين- يتغيّر شكلُ المتقدّرات عن شكلها الأصليّ الصغير المستدير.

يقول ووكر: «نعتقد أنّ المتقدّراتِ عندما تصبح أكبرَ وأطولَ تضعف قدرة الخليّة على إزالتها، وتقترح أبحاثنا أنّ المتقدّراتِ المعطّلةَ تتراكم مع التقدّم في السنّ بدلًا من التخلّص منها».

تفيد الدراسة التي نُشرت في السادس من أيلول في مجلة (Nature Communications) بأنّ علماءَ جامعة كاليفورنيا قد أزالوا المتقدّراتِ التالفةَ من خلال تفتيت الكبيرة منها إلى قطعٍ أصغرَ، وعندما فعلوا ذلك، أصبح الذباب أكثرَ نشاطًا وأكثرَ حيويّةً وأكثرَ قدرةً على التحمّل.

وبالمتوسّط، عاشتِ الإناث بعدَ العلاج لعمرٍ أطولَ بنسبة 20% من عمرها الافتراضيّ، في حين عاش الذكور لمدّةٍ أطولَ بنسبة 12%.

ويُبرز البحث أهمّيةَ بروتينٍ اسمه Drp1 في الشيخوخة على الأقلّ عندَ الذباب والفئران، إذ تنخفض مستويات Drp1 مع التقدّم في السنّ.

ولتفتيت متقدّرة الذباب؛ قام أنيل رانا Anil Rana – وهو عالمٌ في جامعة كاليفورنيا وكاتب الدراسة الرئيسيّ- بزيادة مستويات بروتين Drp1. وقد مكّن ذلك الذبابَ من التخلّص من المتقدّرات التالفة، ولم يبقَ سوى المتقدّرات السليمة. وقد تمّت زيادة مستويات Drp1 لمدّة أسبوعٍ واحدٍ عندما كان عمر الذباب 30 يومًا.

وفي الوقت نفسه، أظهر أنيل رانا أنّ الجينَ (أو المورِّثة) Atg1 الموجودَ عندَ الذباب يلعب دورًا أساسيًّا في الرجوع بعقارب الساعة إلى الوراء في شيخوخة الخليّة. وقد فعل ذلك من خلال «إيقاف» الجين، ممّا جعل خلايا الذباب غيرَ قادرةٍ على القضاء على المتقدّرات التالفة.

وقد أثبت هذا أنّ جينَ Atg1 مطلوبٌ في إجراءات مكافحة الشيخوخة. في حين يُفتِّت Drp1 المتقدّراتِ الكبيرةَ، يكون جينُ Atg1 مطلوبًا للتخلّص من تلك التالفة.

وقال ووكر: «الأمر يُشبه أخذَ أنسجةٍ عضليّةٍ في منتصف العمر وتجديدها إلى عضلاتٍ شابّةٍ». وأضاف: «لقد أوقفنا بالفعل مشاكلَ صحيّةً مرتبطةً بالعمر، وإنَّ سبعةَ أيامٍ من التدخّل كافيةٌ لإطالة حياتهم وتعزيز صحّتهم».

أحد المشاكل الصحيّة المحدّدة التي عالجها هي حدوث تسريبٍ من الأمعاء، والتي وجدتِ البحوث السابقة من قِبل فريق ووكر أنّها تحدث عادةً قبلَ أسبوعٍ تقريبًا من موت ذبابة الفاكهة.

وقد أثبتتِ الأبحاث لاحقًا في مختبراتٍ أخرى أنّ زيادةَ نفوذيّة الأمعاء هي سمةٌ مميّزةٌ للشيخوخة عندَ الديدان والفئران والقرود. وفي دراسة جامعة كاليفورنيا، تمَّ تأخير هذه الحالة بعد إعطاء الذباب Drp1 أكثرَ.

يُستخدم ذباب الفاكهة غالبًا في الدراسات المتعلّقة بالشيخوخة لأنَّ عمرَها القصيرَ يُمكِّن العلماءَ من تتبُّع آثار علاجاتٍ محدّدةٍ خلالَ فترةٍ يمكن التحكُّم فيها، والعديد من ملامح الشيخوخة على المستوى الخلويّ مماثلةٌ لتلك الموجودة لدى البشر.

بالإضافة إلى أنّ العلماءَ قد حدّدوا جميعَ جينات ذبابة الفاكهة وعرفوا كيفيّةَ التحكّم بكلٍّ منها على حدى من حيثُ إيقافها وتشغيلها.

ويأمل ووكر أنّ تقنيّةً مشابهةً لتلك التي طوّرها فريقه عندَ ذباب الفاكهة أن تساعدَ البشرَ في نهاية المطاف عن طريق إبطاء الشيخوخة وتأخير الأمراض المرتبطة بالشيخوخة.

وقال إنّ حقيقةَ أنَّ النهجَ الجديدَ كان فعّالًا حتّى بعدَ وقتٍ قصيرٍ لها أهمّيةٌ كبيرةٌ لأنّ الاستخدامَ طويلَ المدى لأيّ دواءٍ تقريبًا قد يكون له آثارٌ جانبيّةٌ ضارّةٌ على الإنسان.

وقال ووكر إنّ أحدَ الأهداف طويلة الأجل لبحثه هو تطوير المستحضرات الصيدلانيّة التي تحاكي آثارَ Drp1، من أجل إطالة أمد حياة الناس، وإطالة ما يُسمّيه «فترات الصحّة» للأشخاص، والذي يُشير إلى عدد سنوات الصحّة في حياتهم.

وفي جزءٍ آخرَ من التجربة التي أُجريت على ذبابة الفاكهة في منتصف العمر، أوقف العلماء بروتينًا يُسمّى Mfn؛ وهو بروتينٌ يمكِّن المتقدّراتِ من الالتصاق معًا في قطعٍ أكبرَ. وقد أدّى ذلك إلى تمديد حياة الذبابة وتحسين صحّتها.

وقال رانا: «يمكنك إمّا تفتيتُ المتقدّرات باستخدام Drp1 أو منعُها من الاندماج عن طريق تعطيل Mfn، وكلاهما له نفس التأثير في جعل المتقدّرات أصغرَ وتمديدِ العمر».

ولقد اكتُشفت وظيفة Drp1 عندَ الحيوانات على يد ألكسندر فان دير بليك Alexander van der Bliek، وهو أستاذ الكيمياء البيولوجيّة في جامعة كاليفورنيا، في أوائل القرن الحادي والعشرين.


  • ترجمة: محمد الموشي
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي
  • تحرير: أحمد عزب

المصدر