قد تؤدي الغيرة إلى مشاعر الغضب أو الاستياء أو الحزن، ولكنها قد توضّح أحيانًا احتياجات نفسية ومسائل متعلقة بها. ونتناول هنا بعض الطرق للتعامل مع الغيرة وتحديد أصل هذه المشاعر.
يتداول الناس بحسن نية كلامًا من قبيل «لا تغر … أو الغيرة تدمر العلاقات» وما إلى ذلك، ولكن ما الذي يجعل هذه المشاعر سيئة جدًا؟ قد ترتبط الغيرة غالبًا بالعلاقات الرومانسية، لكنها تظهر أيضًا عند القلق بشأن فقدان شيء أو شخص مهم، وتختلف عن الحسد الذي ينطوي على الرغبة في شيء نراه مع الآخرين.
لنحسن التعامل مع الغيرة يجب تحديد أسبابها، والتعبير عن هذه المخاوف مع الأشخاص المعنيين بها، قد تساعد أيضًا بعض ممارسات اليقظة أو الاستشارة مع معالج مؤهل. فيما يلي بعض النصائح:
1- تتبع الشعور إلى مصدره:
عندما يطغى الشعور الجامح بالغيرة، من المفيد محاولة تحديد جذوره، لأن ذلك سيساعد على اتخاذ الخطوات لتغيير ما لا يعجبنا لنحصل على ما نريد، ومن بعض الأمثلة على التعمّق في مصدر مشاعر الغيرة:
- أشعر بالغيرة من ارتباط أحد المقربين بعلاقة جديدة، والسبب ربما حظي المحدود في هذا المجال وقلقي من أني لن أجد الشخص المناسب أبدًا.
- أغار من ترقية زميلي في العمل، والسبب ربما شعوري بأني لست جيدًا بما يكفي للحصول على ترقية.
- تغار عندما يبدأ شريكك في قضاء الكثير من الوقت مع صديق جديد، ربما السبب أن ذلك كان أول علامة لاحظتها في علاقة سابقة انتهت بالخداع.
مهما كان منبع الغيرة -انعدام الأمن أو الخوف أو أنماط العلاقات السابقة- فإن معرفة المزيد عن الأسباب قد يساعد على معرفة كيفية مواجهتها بطرق واضحة، مثل الحديث الصريح مع مشرف العمل للوصول إلى المسار الصحيح للترقية، أو اتخاذ نهج مختلف للمواعدة، أو التحدث مع الشريك عن مختلف المشاعر.
2- التعبير عن المخاوف:
إذا كانت تصرفات شريكك -أو تصرفات شخص آخر تجاه شريكك- تثير لديك مشاعر الغيرة، فتحدث عن ذلك مع شريكك في أقرب وقت ممكن. ربما لم يلاحظ شريكك السلوك أو لم يدرك ما شعرتَ به، فاغتنم الفرصة لإعادة النظر في حدود العلاقة، أو مناقشة طرق للحفاظ على قوة علاقتك.
إذا كنت تثق في شريكك ولكن لديك شكوك بسبب تجربتك في علاقة سابقة، حاول إيجاد بعض الطرق التي قد يساعد بها كلاكما على تحسين الموقف. وإذا كنت تشعر بالتوتر عند ذكر مشاعر الغيرة فتذكر أنها طبيعية، وقد يكون لدى شريكك بعض مشاعر الغيرة أيضًا.
3- تحدث إلى صديق موثوق به
قد تسبب الغيرة أحيانًا إحساسًا مشوهًا في الواقع، فقد يقتنع الشخص بحدوث مغازلة غير لفظية في موقف ما اقتناعًا تامًا، بينما لا يرى الآخرون ذلك، ومن المفيد هنا التعبير عن هذه المخاوف لطرف ثالث موثوق، فقد يجعل ذلك الموقف أقل إثارة للخوف ويساعد على اكتساب منظور أفضل.
4- ضع لمسة مختلفة على الغيرة
قد تكون الغيرة عاطفة معقدة وقوية، وقد لا تشعر بالرضا عند التعامل معها. وبدلًا من التفكير في أنها شيء سلبي، انظر إليها مصدرًا مفيدًا للمعلومات، فقد تخبرك بوجود فرق بين ما لديك وما تريد.
قد تتحول الغيرة غير المقيدة إلى لوم ذاتي، وتخلق دورة تجعلك تشعر بالحرمان. ولكن إدارتها بوصفها معلومات مفيدة تسمح باستخدامها لخلق ظروف تلبي احتياجاتك.
5- النظر إلى الصورة الكاملة
قد تنتج الغيرة أحيانًا استجابةً لصورة جزئية، فقد تقارن نفسك وإنجازاتك وصفاتك بوجهة نظر مثالية أو غير مكتملة لشخص آخر تراه على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنك لا تعرف أبدًا ما يمر به هذا الشخص، فما تراه هو أفضل صورة يريد الآخرون تصديرها، بينما في الواقع يضطر الناس إلى التعامل مع مختلف المشكلات أغلب الأوقات.
6- ممارسة الامتنان
قد يقطع القليل من الامتنان شوطًا طويلًا في تخفيف مشاعر الغيرة والتوتر، فمعظمنا لا يملك كل ما يريد، ولكن ربما لديك على الأقل بعض ما تريد، وربما حتى بعض الأشياء الجيدة التي لم تكن تتوقعها.
فعند الشعور بالغيرة من دراجة صديقك الجديدة الفاخرة أو أن شريكك يقضي الكثير من الوقت مع الأصدقاء، تذكر دراجتك التي تعتمد عليها للوصول إلى حيث تريد، وفكّر بفوائد وجود شريك يقدّر قيمة الصداقة.
تقدير الأشياء الإيجابية مفيد حتى خارج سياق الغيرة، فقد يساعدك على إدراك أن الحياة غير المثالية ما زالت تقدم بعض الأشياء الجيدة التي تناسبك.
7- ممارسة تقنيات التأقلم الآني:
إن التأقلم عند ظهور الغيرة لن يساعد على حل الأسباب الكامنة، ولكنه قد يساعد على تخفيف شعور الضيق لتتمكن من التعامل مع المشكلات الأساسية. وتحويل الانتباه بعيدًا عن الغيرة قد يساعد على منعك من التصرف بناء على مشاعرك أو فعل شيء قد يضر بالعلاقة.
8- استكشاف المشكلات الأساسية
قد ترتبط الغيرة المستمرة المسببة للضيق بالقلق أو قضايا احترام الذات أحيانًا، ولذلك قد يساعد تعلم كيفية التعامل مع أي من القضيتين على تهدئة الغيرة تلقائيًا.
يُعد تحديد القيم الشخصية –مثل التعاطف أو التواصل أو الصدق- من إحدى طرق التعامل مع تدني احترام الذات، وهذا مفيد لأنه يتيح لك التحقق من تمسكك بهذه القيم في حياتك اليومية، ويمنحك فرصة لملاحظة سماتك الإيجابية ومراجعة ما هو مهم بالنسبة لك. قد يزيد هذا من إحساسك باحترام الذات وقد يساعد على تقليل المشاعر المؤلمة بالنقص أو القدرة التنافسية.
قد يكون للقلق مجموعة من الأعراض التي يصعب على المرء معالجتها بنفسه، ولذلك قد يكون العلاج أيضًا خيارًا جيدًا، فمثلًا تساعد مبادئ العلاج المعرفي القائم على اليقظة على:
- زيادة قبول مشاعر القلق دون أن تصبح طاغية.
- التعرف على الأفكار غير المرغوب فيها أو المؤلمة، لتتمكن من تحديها واستبدالها.
9- تذكر قيمتك
عندما تدفعك الغيرة إلى مقارنة نفسك بالآخرين ستتضرر قيمتك الذاتية، وبينما قد يحسدك شخص آخر على حياتك، قد تجعلك الغيرة تشعر أنه لا يوجد لديك شيء جيد بما فيه الكفاية.
وجدت الأبحاث التي تستكشف الصلة المحتملة بين الغيرة واحترام الذات أدلة تشير إلى أن الغيرة قد تتطور عندما تواجه تهديدًا لاحترامك لذاتك. ولذلك يُنصح بما يلي لمكافحة تدني احترام الذات:
- ذكر نفسك بالأشياء التي تؤديها جيدًا.
- مارس التعاطف مع الذات، وعامل نفسك بالطريقة التي تعامل بها صديقًا مقربًا.
- تدرب على التأكيدات اليومية أو تبادلها مع شريكك.
- ذكر نفسك بالأشياء التي تقدرها في شريكك وعلاقتك.
- خصص وقتًا لفعل الأشياء التي تستمتع بها.
10- ممارسة اليقظة الذهنية
تساعدك تقنيات اليقظة الذهنية على الانتباه إلى أفكارك ومشاعرك عند ظهورها دون الحكم عليها أو انتقادها، وزيادة وعيك حول الغيرة قد يساعدك على ملاحظة أنماط تتبعها، كالأشياء التي تحدث قبل أن تشعر بالغيرة.
قد تساعدك اليقظة أيضًا على الشعور براحة أكبر مع شعور الغيرة، أي ملاحظتها وقبولها على حقيقتها بوصفها جزءًا من تجربتك العاطفية، فعدم الحكم على الغيرة -أو على نفسك لشعورك بها- قد يساعد على المضي قدمًا ومنعها من التأثير سلبًا.
11- امنحها الوقت
قد يعلم أغلب من يعانون الغيرة أنها تتلاشى بمرور الوقت، وقد تشعر أنها أقل حدة بعد التعامل مع مشاعرك، أو فور انتهاء الموقف الذي تشعر بالغيرة تجاهه. ووفقًا لبحث نظر في تجربة الغيرة، قد يشعر الناس عمومًا بالغيرة قبل حدوث شيء ما، وليس بعده.
مع مرور الوقت يقل احتمال شعورك بالحاجة إلى مقارنة نفسك أو ظروفك بشخص آخر، لكن المشاعر الإيجابية لديك تبقى، فقد تشعر بالغيرة مع اقتراب موعد زفاف صديقك المفضل، لكن في اليوم التالي للزفاف ستشعر بغيرة أقل وسعادة أكثر لصديقك.
12- تحدث مع معالج
إذا كنت تواجه مشكلة في التعامل مع أفكار الغيرة بمفردك، فإن التحدث مع معالج قد يساعدك. وليس من السهل دائمًا التحدث عن الغيرة، وقد تشعر بعدم الارتياح أكثر عند مشاركة هذه الأفكار مع شخص لا تعرفه، لكن المعالج الجيد سيقابلك بلطف وعطف.
إضافةً إلى ذلك، فهم يعرفون أن الغيرة عاطفة طبيعية يشعر بها الجميع في مرحلة ما، وفيما يلي بعض العلامات التي تشير إلى أن التحدث مع المعالج قد يكون مفيدًا:
- الغيرة تؤدي إلى أفكار مهووسة.
- ملاحظة سلوكيات قهرية.
- أن تصبح أفكار الغيرة جامحة لا تمكن السيطرة عليها.
- أفكار أو دوافع عنيفة.
- إثارة مشاعر الغيرة لسلوكيات إشكالية، مثل تتبع الشريك وتفقده باستمرار.
- تأثير الغيرة في حياتك اليومية ما يمنع أداء المهام الأخرى أو التسبب بضائقة أخرى.
ختامًا، إذا شعرت بأنك بحاجة ملحة إلى تفقد الوسائط الاجتماعية في هاتفك أو هاتف شريكك، أو النظر إلى ما يرتديه الأشخاص في طابور المطعم، فلن تتمكن من الوجود في حياتك الخاصة، وهذه مشكلة.
قد تساعدك الغيرة على التركيز على من يهمك من الأشخاص والأشياء، ولا يجب أن تسبب المشكلات لك أو لعلاقاتك. وقد تساعد حتى على جعل العلاقات أقوى أحيانًا، كل ذلك يعود إلى كيفية استخدامها.
اقرأ أيضًا:
كيف يجب التعامل مع الغيرة في العلاقة العاطفية؟
كيف تؤثر الغيرة على خياراتنا عند التبضع ؟
ترجمة: وفاء المرعي
تدقيق: محمد حسان عجك