من هو إنسان النياندرتال؟

إنسان النياندرتال هو أقرب أقربائنا البدائيين إلينا، وآخر أفراد عائلتنا غير كاملي التطور انقراضًا؛ إذ انقرض منذ حوالي 40 ألف عام فقط أو أقل بقليل.

القريب المنقرض:

قريبنا البدائي القادم من نفس العائلة ينتمي لفرع أقل تطورًا منا بقليل، عاش معنا ومات قبل أقل من 40 ألف عام فقط، يشاركنا قدرًا لا بأس به من الصفات الوراثية التي قد نرى بعضًا منها واضحًا في ملامح الأوراسيين، ونحمل في حمضنا النووي بعضًا من جيناته، يملك أيضًا اختلافات جينية بدأت في الظهور منذ 400 إلى 800 ألف عام.

ما هي هذه الاختلافات؟

 ملامح الوجه:

وفقًا لتشبيه أستاذة علم الأحياء والأنثروبولوجيا علم الأجناس بجامعة نيويورك الدكتورة شارا بيلي، فإن إنسان النياندرتال يملك هذه الملامح شديدة التميز بالقدر الذي يجعلنا قادرين على التعرف عليه من بين عشرات، وربما مئات الأشخاص العاديين: جبين شديد الانحراف كمنحدر، ينتهي إلى حاجبين بارزين، أنف عريض وبارز جدًا، وجمجمة مستطيلة، وله ذقن أصغر، وأسنانه الأمامية تبدو أكبر حجمًا وأعرض.

 شكل الجمجمة:

وفق تصريحات كريس سترينجر -المشرف على الأعمال البحثية الخاصة بالتطور البشري في متحف التاريخ الطبيعي بلندن- فإن حجم وشكل الأدمغة المتشابهة بيننا لم يحُل دون اختلافٍ جوهري في شكل وتشريح جماجمنا.

تميل جمجمة الإنسان الحديث إلى أن تكون عالية وكروية، بينما عند تفحص جمجمة النياندرتال، نجدها لا تختلف كثيرًا عن جماجم البشر البدائيين الأخرى: مستطيلة ومنخفضة.

في قاعدة جمجمة النياندرتال، في منطقة العظم القذالي نجد نتوءًا ظاهرًا، وفي وسط العظم القذالي نجد انخفاضًا غريبًا كأنه فراغ عظمي ولا يعلم العلماء سببه أو وظيفته.

وعند النظر إلى أذنيه نرى أنه يملك أيضًا عظام أذنين مختلفة تمامًا عنا.

 شكل الجسد:

يوجد شبه كبير في الهيكل العظمي يجمع بيننا، وأنه استطاع تطوير مهاراته الحركية بالقدر الكافي لحفظ اتزانه عند المشي على قدمين. ويتراوح طول النياندرتال بين 150 سم 170 سم.

يتمتع ببنية عضلية قوية بكتفيه العريضين، وصدره البارز بشكل غريب -صدر برميلي- ومنكبيه العريضين. وله رئتان أكبر وأكثر استيعابًا للهواء من رئتينا بنحو 20%.

الأجزاء السفلى من يديه ومن قدميه أقصر من الأجزاء العليا منهما، وهذا أعطاه مظهرًا مكتنزًا ساعده على تقليل مساحة جسمه المعرضة للبرد، وحفظ الحرارة المفقودة من جسده.

أثر البيئة في التشريح وفي السلوك:

عاش النياندرتال حياةً شديدة الصعوبة والقسوة مثل كثير من البشر البدائيين، أثرت في شكله وفي سلوكه إيجابًا وسلبًا.

فمثلًا تلك البنية العضلية القوية، كانت ضرورية للحياة في بيئة شديدة القسوة، ونمط حياة يعتمد أساسًا على التنقل المستمر وبذل المجهود العضلي لتأمين الاحتياجات الأساسية واستمرار الحياة.

ربما واجه نوعنا -الهوموسيبيان- ظروفًا مشابهة في القساوة، لكن قدرتهم على التأقلم واختراع الأدوات والسعي إلى الحضارة في أشكالها الأولية، جعل الحياة أقل صعوبة بقليل، وأقل تطلبًا للمجهود البدني بقليل أيضًا، وربما هذا هو السبب وراء بنيتنا العضلية والهيكلية الأقل قوة ومتانة من قريبنا النياندرتال.

وضح سترينجر قائلًا: «على ما يبدو، كلما زادت الأدوات والتكنولوجيا التي نستخدمها تعقيدًا، قلّ الضغط على هيكلنا العضلي، وقلت معه الحاجة إلى كتلة صلبة وشديدة المتانة».

تصرفات النياندرتال لم تكن تختلف كثيرًا عن تصرفات جدنا المتطور؛ فقد كان يدفن موتاه، ويملك الوعي الإنساني الكافي لرعاية المرضى وعدم التخلي عنهم، واحتمى بالكهوف، واستخدم النار، وعاش في تجمعات صغيرة، وربما كانت له لغة للتواصل أيضًا. لكنه ربما لا يكون مُلِمًّا تمامًا بمفهوم الأجداد والأحفاد، فقد كان إنسان النياندرتال أقصر مِنَّا عمرًا، ولم تكن فكرة الأجداد وكبار السن شائعة عندهم.

النظام الغذائي والصيد:

كان لإنسان النياندرتال نظام غذائي متنوع، فبالإضافة إلى اللحوم، كان يعتمد على النباتات والحبوب مصادر للغذاء أيضًا، وإن كان اعتماده على اللحوم أكبر إن كان من سكان المناطق الباردة.

وفقًا لتصريحات شارا بيلي، فإن النياندرتال كان يعتمد على أسلوب صيد رئيسي بنصب كمين للفريسة والانقضاض عليها وطعنها من المسافة صفر، ولم يكن في العادة يستخدم أسلحة بعيدة المدى. وفي الغالب كانت الفرائس كبيرة أو متوسطة الحجم تكفي لمجموعة من الأفراد.

بالنسبة للملابس، فقد استخدم النياندرتال جلود الحيوانات يغطون بها أكتافهم وحول أوساطهم بأشكال تختلف حسب البيئة وطبيعة المناخ.

وقبل الاعتقاد بأن نظام الملابس الأكثر تعقيدًا لدى جدنا الهوموسيبيان، كان اختلافًا تطوريًا آخرًا، نضع في الحسبان أن جدنا الهومو سيبيان تنقل لأماكن أبعد، وقطع خطوط عرض أكثر، أي اختبر ظروفًا مناخية وبيئية أكثر تعقيدًا، جعلت من الضروري أن يُعقِّدَ نظام ملابسه ويجعله أكثر تخصصًا.

وإذا كان العلماء يقولون بأن الهوموسيبيان فعل أشياء مختلفة ومتطورة عن النياندرتال، فمن المهم تذكر أن الهوموسيبيان لم يكن يتصرف دائمًا على هذا النحو، وأن الأوائل تصرفوا في كثير من الحالات تمامًا مثل النياندرتال، وأن الاختلافات السلوكية أتت فيما بعد.

مثلًا، الهوموسيبيان الذين غادروا أفريقيا قبل حوالي 200 ألف عام، كانوا ما يزالون يستخدمون نفس الأدوات الحجرية التي كان يستخدمها النياندرتال، وأن طفرةً في الوعي والسعي للحضارة في دماغ الهوموسيبيان وتصرفاتهم، لم تحدث ربما إلا قبل 50 ألف عام فقط.

وبالمثل، فإنه من الخطأ افتراض أن جميع النياندرتال فعلوا، أو كانت لديهم القدرة على فعل أشياء أو تصرفات أو سلوكيات بعينها، فهذا صحيح فقط إذا كنا ننظر إلى المدة التي عاشها النياندرتال، والمساحة الجغرافية التي سكنوها.

اقرأ أيضًا:

تعايش البشر مع النياندرتال لأكثر من 3000 سنة

كيف يختلف تطور الدماغ بين إنسان نياندرتال والإنسان الحديث؟

ترجمة: محمد جمال

تدقيق: بشير حمّادة

المصدر