هذا ما تفعله الفوتونات أيضًا إلى جانب الإلكترونات.
ويعتقد أسطورة الفيزياء روجر بنروز أنه عرف أخيرًا لماذا لا يمكننا نحن تحقيق ذلك.
أبدى السير روجر بنروز، الفارس الملكيّ وأستاذ كرسيّ الرّياضيات بجامعة أوكسفورد والكاتب المثير للجدل والمثقف الموسوعيّ قلقه حول احتماليّة سحب سيّارته المصطفّة في مكان مؤقت بجانب معهد أكسفورد للرّياضيات، حيث يلتقي محرّر هذا المقال للمرّة الأولى.
لذلك قبل أن يجلس لمناقشة حلّه لأحد أكبر ألغاز الفيزياء، قام من مكانه بضع مرّات للتّأكد من أنّ السيارة لا تزال في مكانها، كان يتحرّك بسرعة مثيرة للإعجاب بالنّسبة لرجل في عمر الثالثة والسّبعين.
يودّ بنروز لو كان بمقدوره التّواجد في مكانين بنفس الوقت: هنا في قاعة المؤتمرات الفارغة أثناء إجراء هذه المقابلة وخارجًا في مطر الخريف البارد.
هذا مستحيل، وهنا تكمن المسألة الغامضة التي تستحوذ عقل بنروز.
قبل قرابة 80 عامًا، اكتشف العلماء إمكانية التواجد في موقعين مختلفين في لحظةٍ زمنيّةٍ واحدة، على الأقل بالنّسبة لذرّة أو جسيم دون ذرّي، كالإلكترون.
تحكمُ مثلَ هذه الأجسام الصّغيرة مجموعة من القوانين الفيزيائيّة المعروفة باسم ميكانيكا الكمّ.
في نطاق حجم كهذا، يتواجد كلّ شيء من المادة والطّاقة في حالة ضبابيّة من التّدفق، ممّا يسمح لها باحتلال لا مجرّد موقعين فقط ولكن عدد لا حصر له من المواقع في وقت واحد.
لكنّ العالم الذي نراه يتبع مجموعة مختلفة تمامًا من القواعد، بطبيعة الحال: لدينا جامعة أكسفورد واحدة فقط، وسيارة واحدة فقط، وبنروز واحد ما يستعصي على التّفسير هو: لماذا يبدو الكون منقسمًا إلى هذين الواقعين المنفصلين اللذين لا يمكن التّوفيق بينهما؟
إذا كان كلّ شيء في الكون مصنوع من أجزاء كموميّة، أي تخضع لقوانين ميكانيكا الكمّ، فلماذا لا نرى آثار الكمّ في الحياة اليوميّة؟
لماذا لا يمكن لبنروز، المصنوع من الجسيمات الكموميّة، أن يتواجد هنا وهناك، وفي كلّ مكان يختاره في الآن ذاته؟
يجدُ العديد من الفيزيائيين هذه المسألة محيّرة إلى درجة يتجاهلونها معها تمامًا، ويركزون جهودهم بدلًا من ذلك حول ما يعتبرونه قابلًا للتّحقق في نظريّاتهم.
تقوم معادلات ميكانيكا الكمّ بعمل رائع يصف سلوك الجزيئات في محيط الذّرّة، والتّفاعلات النّووية الّتي تجعل الشّمس تشع ضوءها، والعمليات الكيميائيّة التي تحرك البيولوجيا.
ولكنّ هذا ليس كافيًا بالنّسبة لبنروز الذي يقول: «ميكانيكا الكمّ تعطينا تنبؤات رائعة وتأكيدات تجريبيّة للسيناريوهات المتعلّقة بالأحجام الصّغيرة، ولكنّها في المقاييس العاديّة لا تعني شيئًا. إذا كان مجرّد إتباع المعادلات يحدث هذه الفوضى؛ فعلينا أن نسأل: ما الذي يحرّك هذا العالم؟»
إذا كان الجواب الّذي يمتلكه بنروز صحيحًا، سيؤدي بنا إلى نظرية الكمّ الأولى التي ستنطبق على البشر انطباقها على الجسيمات.
يعتقد بنروز أنّه حدّد السرّ الذي يحافظ على جنّيّ الكمّ مختبئًا في العالم الذّرّيّ، السّرّ الذي كان أمامنا طوال الوقت: الجاذبيّة.
حسب اعتقاده غير المألوف هذا، يرى بنروز أنّ القوّة نفسها التي تبقينا متّصلين بالأرض تبقينا أيضًا منغلقين في واقع يكون فيه كلّ شيء مرتّبًا، ويخضغ كلّ ما فيه لوحدة معيّنة، ولحسن الحظّ وسوئه أيضًا فإنّها تجعلنا متجذّرين في مكان واحد.
وبصرف النظر عن الإحباط النّاتج عن عدم القدرة على التّواجد في عدّة أماكن معًا بشكل متزامن، بنروز بحدّ ذاته مؤهّل ليكون ظاهرةً كموميّة؛ يبدو فعلًا أنّ هناك العديد من بنروز، تصادف فقط أنّهم جميعًا يشغلون الجسم ذاته.
لدينا الفيزيائي روجر، الذي سُمّي فارسًا عام 1994 لمساهماته في العلوم، من بينها جهوده الرائدة للتوفيق بين نظرية ألبرت أينشتاين النّسبيّة العامّة وميكانيكا الكمّ، ولدينا أيضًا بنروز الذي ألهم م. س. إيشر لإنتاج أشهر أعماله، وهو فنان تشكيلي هولندي اشتهر بغرابة أعماله، لدينا بنروز عالم الأعصاب، الذي وضع نظريّة مثيرة للجدل تربط الوعي بعمليّات الكمّ في الدّماغ، وبنروز المؤلف، الذي كتب مؤخرًا مجلدًا من 1049 صفحة أسماه «الطّريق إلى الواقع: الدّليل الكامل لقوانين الكون».
إنّها سيرة مثيرة للإعجاب لشخص رسب أحد الأعوام في المدرسة الابتدائيّة لأنّه لم يتمكّن من إتقان الحساب!
بدأ إيمان بنروز يتزعزع بينما كان طالبًا للدّراسات العليا في كامبريدج.
وجاءت اللحّظة الحاسمة خلال إحدى محاضرات بول ديراك، أحد مفكّري ميكانيكا الكمّ الأوائل.
«كان يتحدث عن مبدأ التّراكب superposition الذي يمكن للأشياء بموجبه التّواجد في مكانين في نفس الوقت. ولكي يوضّح لنا المسألة، كسر حينها قطعة من الطباشير إلى قسمين ثم حاول أن يشرح لماذا لا يمكننا معاينة ظاهرة التّراكب في الحياة الحقيقية. شرد ذهني لفترة وجيزة، لأنّني لم أسمع شرحه!».
يقول نروز ضاحكًا: «ولكن عندما فكرت في ذلك، أنا لست متأكدًا إذا كان ينبغي التساؤل، لماذا لا نرى الأشياء في مكانين في وقت واحد على أساس ميكانيكا الكمّ الحالية. إنّها مشكلة كبيرة. هذا ما أقلقني منذ ذلك الحين».
أكثر ما في هذه المسألة جنونًا هو أنّ قدرة الجزيئات على التواجد في مكانين في وقت واحد ليست مجرد تجريد نظري، إنّما جانب حقيقي جدًا لكيفية عمل العالم دون الذّرّيّ، وقد جرى تأكيده تجريبيًا عدّة مرّات.
تأتي أوضح تمظهرات هذه المسألة من إحدى تجارب الفيزياء الكلاسيكية التي تُدعى تجربة الشقّ المزدوج.