إذا استلمنا رسالة من فضائيين، هل علينا أن نحذفها فورًا من دون قراءتها؟
منذ حوالي نصف قرن تقريبًا أجرى عالم الفلك في جامعة كورنيل (Cornell) فرانك دريك (Frank Drake) مشروع أوزما (Ozma) وهو أول مسح منهجي للبحث عن الحياة الذكية خارج الأرض (SETI) في المرصد الوطني لعلم الفلك الراديوي في جرين بانك (Green Bank) في فيرجينيا الغربية، ومنذ ذلك الوقت أجرى العلماء عدة دراسات استقصائية على أمل العثور على دلائل حول “technosignatures” أي دليل على الحياة المتقدمة تكنولوجيًا (مثل الاتصالات الراديوية).
وبعبارة أوضح، لو تلقّت الإنسانية رسالة من حضارة خارج كوكب الأرض في الوقت الحالي سيكون ذلك أكبر حدث في تاريخ الحضارة البشرية على الإطلاق، ولكن وفقًا لدراسة جديدة يمكن لرسالة مشابهة أن تشكل خطرًا على البشرية، وذلك استنادًا إلى عدة احتمالات دُرست بالتفصيل تبحث في كيفية حماية البشرية لنفسها من الرسائل غير المرغوب بها والفايروسات الضارة، ظهرت مؤخرًا على الإنترنت ورقة بعنوان (الاتصالات بين النجوم 9، تطهير الرسائل مهمة مستحيلة).
أجرى هذه الدراسة مايكل هيبكي (Michael Hippke) عالم مستقل من مرصد سونيبرغ (Sonneberg) في ألمانيا؛ وجون ليرند (John G. Learned) أستاذ مجموعة فيزياء الطاقة العالية في جامعة هاواي حيث درسا سويًا بعض الاستنتاجات التي سبق ذكرها بشأن مبادرة (SETI) وما هو مرجّح أن يكون الأمر عليه.
ولنكون منصفين فإن فكرة أن الحضارة خارج كوكب الأرض يمكن أن تشكل تهديدًا للإنسانية ليست مجرد خيال علمي، حيث عاملها العلماء كاحتمال جليّ على مدى عقود وأخذوا بعين الاعتبار ما إذا كانت المخاطر تفوق الفوائد المحتملة، وكنتيجة تقترح بعض النظريات أنه يجب على البشر ألا يبحثوا عن الذكاء خارج الأرض إطلاقًا أو أنه علينا اتخاذ بعض الإجراءات لإخفاء كوكبنا، وكما أخبر ليرند موقع (Universe Today) عبر البريد الإلكتروني فإنه لم يجمع الباحثون أبدًا من قبل على أن الذكاء خارج كوكب الأرض سيمثل خيرًا أو شرًا:>> ليس هناك سبب مقنع على الإطلاق لافتراض الخير (على سبيل المثال، بسبب تجربتهم الحضارية)، شخصيًا أجد أنه من الأفضل المقارنة مع تاريخنا، هل هناك أي مجتمع في أي مكان كانت لديه خبرة جيدة بعد لقاء مع غزاة يفوقونه تكنولوجيًا؟<<.
وبالإضافة لذلك فإن افتراض أن رسالة فضائية يكمن أن تشكل تهديدًا للإنسانية هو منطق عملي، وبالنظر إلى الحجم الهائل للكون والقيود التي تفرضها النسبية الخاصة (حيث لا توجد وسيلة للسفر أسرع من الضوء) سيكون دائمًا أرخص وأسهل إرسال رسالة خبيثة للقضاء على حضارة بالمقارنة مع إرسال أسطول غزو، وكنتيجة، ينصح هيبكي وليرند بفحص الإشارات وتنقيحها مسبقًا، فمن حيث الشروط التي تحدد ما إذا كانت هذه الإشارات تمثل تهديدًا يميز الباحثون عددًا من الاحتمالات، ليس فقط أن تنقل الرسالة معلومات مضللة مصممة لتسبب الذعر أو سلوك التدمير الذاتي بل هناك أيضًا إمكانية احتوائها على فايروسات أو مشكلات تقنية أخرى (التسبب في تعطل أجهزة الكمبيوتر لدينا)، كما توجد تعقيدات كبيرة كحقيقة أنه لا يمكن تلقي أي رسالة في مكان واحد فقط (ما يجعل احتواء الخطر ممكنًا).
وهذا غير مرجح بسبب “إعلان المبادئ المتعلقة بالأنشطة التالية للكشف عن ذكاء خارج كوكب الأرض” الذي اعتمدته الأكاديمية الدولية للملاحة الفضائية عام 1989 (ونُقح عام 2010)، وتنص المادة 6 من هذا الإعلان على ما يلي: >>ينبغي تأكيد الاكتشاف ومراقبته، ويجب تسجيل أي بيانات تتعلق بأدلة الاستخبارات خارج كوكب الأرض وتخزينها بشكل دائم بشكل يجعلها متاحة لمزيد من التحليل والتفسير، كما يجب أن تتاح هذه التسجيلات للمؤسسات الدولية المذكورة أعلاه ولأعضاء الأوساط العلمية لإجراء مزيد من التحليل الموضوعي<<.
وعلى هذا النحو فمن المرجح أن تكون الرسالة التي يتم تأكيد كونها من حياة ذكية خارج الأرض متاحة للمجتمع العلمي بأكمله قبل اعتبارها تهديدًا، حتى لو كان المتلقي طرفًا واحدًا وحاول أن يخفي الرسالة فإنه رهان ناجح أن الأطراف الأخرى ستجد وسيلة للوصول إليها بسرعة، والسؤال هنا ما الذي يمكن فعله في هذه الحالة؟
أحد الاحتمالات التي يقترحها هيبكي وليرند هو استخدام منهج التناظر لتفسير هذه الرسائل والذي وُضح باستخدام تحدي فك شيفرات الذكاء خارج كوكب الأرض لعام 2017، التحدي الذي أعلنه رينيه هيلر (René Heller) من معهد ماكس بلانك (Max Planck) لأبحاث النظام الشمسي يتألف من سلسلة من حوالي مليوني رقم ثنائي ومعلومات متعلقة بها نٌشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.
بالإضافة لكونها تجربة رائعة أعطت الجمهور الإحساس بما يعنيه البحث عن الحياة الذكية خارج الأرض فإن التحدي أعطى أيضًا أجوبة لبعض الأسئلة الأساسية المتعلقة بالتواصل مع هذه الحياة، في مقدمتها ما إذا كانت البشرية ستتمكن من فهم رسالة من حضارة أجنبية أو لا وكيف يمكننا أن نحضّر رسالة مفهومة (في حال أرسلنا نحن الرسالة أولًا).
على كل حال، حيث تتكون الرسائل من رموز معقدة أو حتى تتضمن ذكاء صناعي فإن الحاجة لأجهزة كمبيوتر متطورة أمر لا مفر منه، بالإضافة لتوصية أخرى ألا وهي استخدام الأجهزة التي عُزلت لإجراء التحليل (أي سجن الرسائل)، ولسوء الحظ فإن أي سجن لن يكون فعالًا بنسبة 100% وربما يفشل الاحتواء في نهاية المطاف.
في النهاية، يبدو أن الحل الوحيد هو الحفاظ على موقف حذر وضمان أن تكون أي رسائل سنرسلها في المستقبل لطيفة قدر الإمكان، وكما يوضح هيبكي: >>من المرجح جدًا أن تكون الرسالة إيجابية، ولكن لا نستطيع أن نكون متأكدين، فهل سنعتمد نسبة 1% من الموت مقابل 99% من العلاج لكل المشاكل والأمراض؟ شيء واحد تعلمناه فعلًا وهو كيفية تصميم رسالتنا الخاصة في حال قررنا إرسال واحدة (أبقها بسيطة، لا ترسل أي كود حاسوبي)، وبشكل أساسي وعندما يكون الحديث عن البحث عن الذكاء خارج الأرض فإن قوانين السلامة المتعلقة بالإنترنت ربما تنطبق، إذا بدأنا بتلقي الرسائل لا يجب علينا أن نثق بتلك التي تصل مع مرفقات كبيرة.
وإذا وعدنا المرسل بعلاج لجميع أنواع الأمراض أو ادعى أنه ملك أندروميدا المخلوع وأنه بحاجة لبعض المال، فمن الأفضل حذف هذه الرسالة.
- ترجمة: أسامة ونوس.
- تدقيق: رؤى درخباني.
- تحرير: زيد أبو الرب.