في ليلة رأس سنة 2017، خرج النائب الديمقراطي عن ولاية تكساس أرماندو مارتينيز من أحد المنازل، وإذ به يشعر فجأةً وكأنّه ضُرِب بمطرقة ثقيلة.
نُقِل بعدها إلى المستشفى، فاتّضح أنّ رصاصة طائشة، أطلقها محتفلون بالسنة الجديدة، سقطت على رأسه واخترقت الجزء العلوي من جمجمته مستقرّةً في الطبقة العليا من دماغه، ما تطلّب عمليةً جراحية لإزالتها، وفقًا لشبكة CNN الإخبارية.
وأصبح مارتينيز، الذي تعافى من إصابته، ضحيةً أخرى للرصاص الطائش الذي يُطلَق أثناء الاحتفالات، حيث يطلق المحتفلون الرصاص في الهواء الذي يسقط حتمًا على الأرض، ويصيب الناس في بعض الأحيان.
لا توجد إحصاءات جيّدة حول عدد مرّات حدوث ذلك في الولايات المتحدة، ولكن هناك تقارير إخبارية كثيرة عن الوفيات جراء رصاص الابتهاج الطائش على مرّ السنين.
ففي مقال نشرته مجلة The Trace عام 2015، كُشِف اللثام عن حادثتين قُتل طفل جراء الرصاص الطائش في كلٍّ منها.
وقد نشرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها دراسةً عام 2004 بيّنت أنّه في ليلة رأس سنة 2004 وأوّل أيام تلك السنة، تسبّب الرصاص الاحتفالي الطائش بإصابة 19 شخصًا وموت شخصٍ واحدٍ في الولايات المتّحدة.
أُصيب 36% من الضحايا في الرأس، 26% في الأرجل و16% في الكتفين. أمّا مقالة ميامي هيرالد لعام 2017، فتشير إلى أنّ أكثر من 20 شخصًا قُتلوا في العراق عام 2003 جراء إطلاق الرصاص الاحتفالي لأسباب سياسية.
ما هو الارتفاع الأقصى الذي يمكن أن تصله الرصاصة؟
وبغضّ النظر عن السؤال المحيّر حول السبب الذي يجعل بعض الناس يقومون بمثل هذه الممارسة الطائشة، التي تسبّب الوفيات في بعض الأحيان، قد تتساءل أيضًا، ما الذي يحدث في الواقع للرصاصة التي تُطلَق مباشرة نحو الأعلى؟ إلى أيّ ارتفاع تصل؟ ما الذي يجعلها تسقط على الأرض؟ ومتى وأين تنزل؟
هذه ليست بالضرورة أسئلة بسيطة للإجابة عليها.
قضى الباحثون المختصّون الكثير من الوقت في دراسة أداء الرصاص الذي يُطلَق أفقيًّا، لأنّ هذه المعلومات مفيدة لتحسين دقّة ونطاق الرماة.
ولكن عندما يتعلّق الأمر بإطلاق النار مباشرة في الهواء، فليس هناك الكثير من البيانات، لأنّ الجنود ورجال الشرطة لا يستسيغون ذلك ولا يحتاجونه، حتى الصيّادون وهواة الرماية لا يفعلون ذلك أيضًا.
الجنرال جوليان هاتشر كان لديه الفضول والوقت الكافيين للبحث في هذا المجال، فقام بعدّة تجارب في فلوريدا أطلق خلالها الرصاص عموديًّا من أسلحة مختلفة – تتراوح من البنادق إلى المدافع الرشّاشة – وحاول قياس الوقت الذي استغرقته الرصاصة للعودة الى الأرض في كلّ مرّة، وأيضًا المكان الذي سقطت فيه.
ودوّن في كتابه «مفكرة هاتشر» عام 1947 أنّ رصاصةً من عيار 30 اذا أُطلِقت من بندقية موجّهة بشكلٍ مستقيم نحو الأعلى ستصل إلى ارتفاع 9000 قدم (2743.2 مترًا) خلال 18 ثانية، ثمّ تعود إلى الأرض في غضون 31 ثانية أخرى، وخلال آخر بضعة آلاف قدم في مرحلة الهبوط ستحقّق سرعةً «ثابتة تقريبًا» تبلغ 300 قدم (91.4 مترًا) في الثانية.
ولكنّ الباحث المختصّ جيمس ووكر، الذي يحمل درجة الدكتوراه في الرياضيات وهو مدير قسم الهندسة الديناميكية Engineering dynamics في معهد ساوث ويست للأبحاث Southwest Research Institute في سان أنطونيو، يقول إنّ الارتفاع الذي تصل إليه رصاصة أُطلِقت بشكل مستقيم نحو الأعلى عتمد على نوع السلاح والذخيرة ووزن الرصاصة.
المسدّس، مثلًا، لا يمكن أن يبعث برصاصته إلى الارتفاع الذي تصله رصاصات الأسلحة الرشّاشة.
عندما تُطلَق أفقيًّا، وبمجرّد تركها لفوهة السلاح الذي أطلقها، تبدأ الرصاصة بالتباطؤ بسبب مقاومة الهواء وقوّة الجاذبية، ويمكن أن تنخفض سرعة رصاصة بندقية إلى نصف سرعتها الأولية عندما تصل إلى ارتفاع 500 متر، كما يقول ووكر.
لتقدير الارتفاع الأقصى للرصاصة، يُشير ووكر إلى رسم بياني من موقع (Closefocusresearch)، وهو عبارة عن شركة لاختبار المقذوفات ballistics، وتبيّن أنّ مسدس ACP عيار 25 قد يصل برصاصته إلى ارتفاع أقصى يبلغ 287.2 قدمًا (697 مترًا)، بينما سترتفع رصاصة بندقية 30-06 Rifle الى أكثر من 10.105 أقدام (3.080 مترًا).
ولكن الرصاصة ستسقط على الأرض بعد ذلك
ولكن مهما يكن مدى الارتفاع الذي ستصله الرصاصة في الهواء، فهي ستسقط حتمًا على الأرض.
ولا بدّ من ملاحظة أمرين مهمَّين في هذه المرحلة:
أولًا: لا يُعَدّ الارتفاع الأقصى مهمًّا لحساب السرعة النهائية للرصاصة عندما تسقط على الأرض، إذ أنّ الرصاصة ستصل إلى سرعة نهائية ثابتة تستند أساسًا إلى شكلها وكثافتها لا ارتفاعها الأقصى.
ثانيًا: من غير المرجّح أن تسقط الرصاصة في نفس موضع إطلاقها حتى لو كان هذا الإطلاق عموديًّا نحو الأعلى، لأنّ الرياح قد تغيّر مسارها، كما يقول ووكر.
وهذا يجعل من الصعب التنبّؤ بالمكان الذي ستصل إليه الرصاصة.
وبالعودة إلى تكساس، سعى النائب مارتينيز إلى حماية المواطنين من الرصاص الطائش من خلال إدخال تشريع يرفع العقوبات المفروضة على تفريغ سلاحٍ ناريٍّ دون هدف مقصود، أي إطلاق الرصاص الاحتفالي.
حتى الآن، لم يحالفِ الحظّ مارتينز لإقرار تشريعه، لكنّ الرجل ينوي المحاولة مرّةً أخرى في عام 2019.
- ترجمة: أسامة أبو إبراهيم
- تدقيق: إسماعيل اليازجي
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر