قد يؤدي هذا الاكتشاف إلى إنتاج جزيئات عضوية مفيدة كان يُنظر إليها على أنها مستحيلة. لمدة مائة عام بالضبط، اعتبر الكيميائيون أن الروابط المزدوجة مستحيلة -أو تكاد- في الكيمياء العضوية في ظل ظروف معينة. لم تكن هذه القاعدة المعروفة باسم قاعدة بريدت مبنية على نظرية، بل على عقود من الملاحظات السابقة للجزيئات، إذ كانت مثل هذه الروابط مفقودة.
كانت الثقة عالية بما يكفي لنشرها على نطاق واسع في الكتب المدرسية. وتظهر الأبحاث الجديدة أن هذا غير صحيح، وسوف يشجع الكيميائيين على البحث عن الجزيئات التي اعتقدوا سابقًا أنها لا يمكن أن توجد.
إن الكربون عنصر متعدد الاستخدامات، لدرجة أن الغالبية العظمى من المركبات التي نعرفها تحتوي عليه. ولأننا أنفسنا نتكون في الأساس من جزيئات قائمة على الكربون، فإن دراسة ما هو ممكن وما هو غير ممكن باستخدام الكربون، أي الكيمياء العضوية، تشكل أهمية بالغة لنا.
إن مفتاح مرونة الكربون في تكوين الجزيئات يكمن في قدرته على تكوين أربع روابط، التي قد تتضمن روابط مفردة أو مزدوجة أو ثلاثية مع جزيئات كربون أخرى. زعم جوليوس بريدت أنه وجد حدًا لهذه القدرة. فعندما يحتوي الجزيء على حلقتين من ذرات الكربون، متصلتين ببعضهما البعض بواسطة جسر، ادعى بريدت أن رأس الجسر لا يمكن أن يتضمن رابطة مزدوجة. والآن أثبت علماء الكيمياء في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس خطأ ذلك الادعاء.
مع أن بريدت توصل إلى هذا الاستنتاج استنادًا إلى ملاحظة غياب مثل هذه الروابط المزدوجة في الجزيئات ذات الصلة، فقد نشأ تفسير لاحق مفاده أن الروابط المزدوجة في هذه الظروف من شأنها أن تحرف الجزيء عن المستوى. منذ ذلك الحين، عُدلت القاعدة مرتين.
الآن يُقبَل وجود روابط مزدوجة بين أنظمة حلقات أكبر. أيضًا زعم كيميائيون آخرون أنهم صنعوا مثل هذه الجزيئات بحلقات أصغر، لكنهم وجدوها غير مستقرة، لذا فإن القاعدة تُعد الآن بمثابة استبعاد للجزيئات الدائمة ذات أنظمة الحلقات الأصغر. وبهذا الشكل، فإن القاعدة معترف بها لدى الاتحاد الدولي للكيمياء البحتة والتطبيقية.
رأس البروفيسور نيل جارج فريقًا اكتشف جزيئات تخالف القاعدة. وربما تكون هذه «الأوليفينات المضادة لبريدت» مجرد غيض من فيض، إذ وُجد بالفعل على عدة أنواع منها.
صُنعت «الأوليفينات المضادة لبريدت» بوضع الفلورايد على جزيئات تسمى هاليدات السيليل (الزائفة). كانت هذه الجزيئات الناتجة غير مستقرة في البداية، ما يدل على أن القاعدة لم تكن خاطئة تمامًا، استخدم الفريق لاحقًا مجموعة متنوعة من العوامل لاحتجازها بما يكفي لتحليلها واستخدامها.
يوجد بين العلماء، مثل غيرهم، من يرغبون بشدة في تحقيق الأمر الذي قيل لهم إنه مستحيل. لكن آخرين قبلوا قاعدة بريدت، على الأقل في شكلها المعدل، ولم ينظروا إلى الوراء.
قال جارج: «لا يستكشف الناس الأوليفينات المضادة لقاعدة بريدت لأنهم يعتقدون أنهم لا يستطيعون ذلك. لكنهم لم يتجاهلوا مركبات (ABO) لأنهم يعتقدون أنها ستكون عديمة الفائدة».
«تشهد صناعة الأدوية دفعة كبيرة لتطوير تفاعلات كيميائية تعطي هياكل ثلاثية الأبعاد، إذ يمكن استخدامها لاكتشاف أدوية جديدة. ما تظهره الدراسة أنه على عكس القاعدة التقليدية التي استمرت مئة عام، يمكن للكيميائيين صنع الأوليفينات المضادة لقاعدة بريدت واستخدامها لصنع منتجات ذات قيمة».
تثير مثل هذه الاكتشافات تساؤلات حول مدى تكرار أخطاء الكتب المدرسية بطرق أخرى. يرى جارج أن المشكلة تكمن في التعامل مع قواعد الملاحظة بأنها قوانين أساسية: «لا ينبغي لنا أن نضع قواعد مثل هذه. أو إذا كانت لدينا، فلا ينبغي لها أن توجد إلا مع التذكير المستمر بأنها إرشادات وليست قواعد. إن وجود قواعد من المفترض أنها لا يمكن التغلب عليها يدمر الإبداع».
اقرأ أيضًا:
جائزة نوبل في الكيمياء 2024 تُمنح للعلماء الذين كشفوا أسرار البروتينات
كيف تغير الثقوب السوداء الهائلة الكيمياء حولها
ترجمة: شهد حسن
تدقيق: أكرم محيي الدين