يؤكد علماء مرةً أخرى الفلك صحة نسبية آينشتاين العامة بعد 14 عامًا من الرصد للنجم الميت (PSR J1906+0746)، وهو نجم نابض يبعد 25000 سنة ضوئية عن الأرض ويتذبذب قليلًا أثناء دورانه ما يجعل نبضاته تختفي عن سمائنا في أقل من عقد من الزمن، ويُطلَق على ذلك التأثير اسم (precession) وهي ظاهرة تنبأت بها النسبية العامة ولم تُلاحظ إلا في عدد قليل من النجوم النابضة. يمكن للنتائج الجديدة أن تساعدنا في وضع حد لعدد النجوم النابضة الثنائية في مجرتنا -يُشار إلى النجوم النابضة التي تدور حول جسم مادي آخر باسم النجوم النابضة الثنائية وعادةً ما يكون الرفيق نجمًا ولكن ليس ذلك على وجه الحصر- ما يساعد بدوره في تحديد معدل تصادمات النجوم النيوترونية الثنائية.
ربما تكون النجوم النابضة أكثر النجوم فائدةً في السماء؛ لأنها تدور بسرعة حول النجوم النيوترونية مطلقةً تيارات من موجات الراديو الساطعة المنبعثة من أقطابها المغناطيسية. ويمكن لهذه الموجات أن تكتسح الأرض أثناء دورانها، وذلك اعتمادًا على كيفية توجيه النجم الذي يشبه المنارة قليلًا، كما أنها دقيقة بشكل لا يصدق، بدورات يمكن التنبؤ بها بالـ (ملّ ثانية) ويُعتبر ذلك ثمينًا جدًا.
إذ يمكن الاعتماد عليها لتوجيه الملاحة الفضائية في المستقبل، وحتى غالبية النجوم النابضة التي لا تتمتع بذاك المستوى من الدقة لا تزال مفيدة لا سيما في اختبارات النسبية العامة. ذلك لأنه وفقًا للنظرية يجب أن يكون للنجوم النابضة الثنائية تمايل محوري بسيط وذلك هو التغير المحوري (precession).
ونظرًا لأن النجوم النيوترونية كثيفة جدًا (حوالي 1.4 مرة كتلة الشمس) وقطرها لا يتجاوز 20 كم (12 ميل) فمن المتوقع أن تشوه جاذبيتها نسيج الزمكان، وعندما يحاذي اتجاه الدوران اتجاه المدار الثنائي بشكل صحيح؛ فسيؤدي ذلك إلى سحب محور النجم نحو تغير محوري، ويعتقد أن خللًا مشابهًا يمكن أن ينتج “على سبيل المثال” عن انفجار مستعر أعظم غير متماثل -Supernova وهو انفجار نجم وصل إلى نهاية حياته ويمكن لحدث مماثل أن يضيء مجرةً بأكملها لفترة وجيزة وأن ينتج طاقةً أكثر من إنتاج شمسنا طيلة حياتها كما أنه المصدر الرئيسي للعناصر الثقيلة في الكون- لذلك يجب أن نكون قادرين على اكتشاف التغييرات في المظهر الجانبي للنبضة بينما تتمايل النجوم على محورها.
أظهر (PSR J1906+0746) اثنين من الانبعاثات (أو الحزم) الملتوية أو المستقطبة لكل دورة عندما تم اكتُشف عام 2004، ومع ذلك وجد فريق من العلماء بقيادة غريغوري ديسفينيس (Gregory Desvignes) من معهد ماكس بلانك (Max Planck) لعلم الفلك الراديوي حزمةً واحدةً فقط بعد البحث في البيانات المحفوظة التي جمعها تلسكوب مرصد باركس (Parkes) اللاسلكي، واستمر الفريق بالمراقبة لمعرفة ما يجري مع موضوع دراستهم باستخدام التلسكوبات الراديوية (Nançay) و (Arecibo) بين عامي 2005 و2009 وباستخدام (Arecibo) بين عامي 2012 و 2018. عندما بدأ الرصد عام 2005 رأى العلماء الحزم التي تم اكتُشفت في عام 2004 وتدريجيًا أصبحت الحزمة القادمة من القطب الشمالي للنجم تضعف حتى اختفت تمامًا بحلول عام 2016.
تنبأ الفريق بأن بيانات الاستقطاب تحتوي على معلومات حول تغير محور النجم النابض، فقاموا بوضع نماذج وتمديدها مرةً أخرى خلال 50 عامًا وقارنوها ببيانات أخرى ووجدوا تطابقًا مع مستوى عدم يقين حوالي 5% فقط، ويعد هذا مطابقًا تمامًا لتنبؤات النسبية العامة بالإضافة لتنبؤات حول خصائص الاستقطاب للنجوم النابضة التي نشرها فنكاترامان رادكريشنان (Venkatraman Radhakrishnan) وديفيد كوك (David Cooke) منذ 50 عامًا. كما أدرك الفريق أن خط رؤية الأرض قد عبر القطب النابض المغناطيسي باتجاه شمال جنوب؛ ما يعني أنه يمكنهم تعيين خريطة القطب النابض ما سمح لهم بدوره بتحديد نسبة السماء المضاءة بواسطة الحزمة.
تساعد هذه الدراسة على تحديد عدد ثنائيات النجوم النيوترونية في المجرة وتحديد كم منهم يجب أن يصطدم لإنتاج موجات الجاذبية، ولأن النموذج لا يعمل فقط نحو الماضي بل نحو المستقبل؛ يعتقد العلماء أن الشعاع الجنوبي سيختفي أيضًا عن الأنظار في عام 2028 ليظهر مجددًا بين عامي 2070 و 2090، والشعاع الشمالي سيظهر مجددًا بين عامي 2085 و 2105، ويقول عالم الفلك إنغريد ستيرز (Ingrid Stairs) من جامعة (British Columbia):« يمكن للنجوم النابضة تقديم اختبارات لموجات الجاذبية لا يمكن القيام بها بأية طريقة أخرى وهذا مثال أجمل على اختبار مماثل».
اقرأ أيضًأ:
نظرية النسبية العامة تجتاز اختبارًا صعبًا جديدًا في قلب مجرتنا
المترجم: أسامة ونوس.
تدقيق: فارس سلطة.