تعاونٌ أوروبيًّ رائدٌ قد نَشرَ مصفوفةً من بضعةِ كيلومتراتٍ مكعبةٍ من كاشفاتٍ نيوترينويّة قبالةَ سواحلِ البحرِ المتوسِّط، قد ذَكرَ في التَّفاصيل بشأن التكنولوجيا والتكلفة والأهداف العلميَّةِ، في مقابلةٍ مع مجلَّة (الفيزياء جي – Physics G): النوويَّة والفيزياء الجزيئيَّة.
(النيوترينو – Neutrino) هو المرسالُ المثاليُ لنقل رسائل الكون إلينا، فهذه الجسيمات المستقرَّةُ شبه الذَّريَّة بإمكانها السَّفُر لمسافاتٍ طويلةٍ دون أنَّ تضطرب أو تؤثر عليها المادة، أو الحقول المغناطيسيَّة في طريقها.
لقد ثمَّن الفلكيونَ هذا الاكتشاف كثيرًا فمَصادرُ قذفِ النّيوترينوات، تشبهُ الآثار المتبقيَّة من انفجارات (السوبر نوفا – Super Nova)، والتي توفِّر لنا أدلةً مهمةً لتطورِ كوننا. كما أنَّ دراسةَ النّيوترينوات تساعدُ في توسيعِ معرفتنا عن الفيزياءِ الذريَّةِ.
علَّق (مارتن دي جونغ – Maarten de Jong) النَّاطق الرَّسمي لهذا التَّعاون، على هذا الموضوع المُرتبط بمشروع KM3NeT قائلًا: التَّجاذب الضَّعيف بين النيوترينوات والمادة العاديَّة هو عبارة عن نعمة ٍونقمةٍ، وهذا يجعل كشفها أمرًا صعبًا للغاية، مما يجعلنا بحاجة إلى كاشفٍ ضخمٍ.
الأمر الذي يعتبر مهمة صعبة، حيث أنَّه لكشفِ النّيوترينوات من الكون نحن بحاجةٍ لموقعٍ هائلٍ، الذي يمكن استخدامه كمحيط تحويل كالتالي:
أولاً:
النيوترينو يتفاعلُ مع نواةِ ذرةٍ ما في بيئةِ المحيطِ، ليولّد جسيمات مشحونةً نسبياً.
ثانيًا:
مرور هذه الجسيمات المشحونة نسبيًا عبر الوسط يولدُ ما يسمى ضوء (تشيرنكوف – Cherenkov) وهو الضَّوءُ الأزرقُ الذي يظهرُ في المفاعلات النوويَّة.
وفي النهاية: يمكن تقَّصي ضوء تشيرنكوف وفق مصفوفةٍ خاصَّةٍ ثلاثيَّة الأبعاد من مستشعراتٍ ضوئيَّةٍ فائقةُ الحساسيَّةِ.
لحسنِ الحظِّ فالأرضُ الأمُّ قادرةٌّ على مدِّ يد العونِ والمساعدةِ في تخفيضِ كلفةِ تطويرِ مثل هذه البنية الضَّخمةِ، يشرح لنا دي جونغ ذلك: (تبين لنا أنَّ المياه العميقة للبحر المتوسِّط مثاليَّةٌ، هذه المياهُ الطبيعيَّةُ والمتوفرةُ بشكلٍ مجانيٍّ، شفافةٌ تمامًا أمامَ ضوءِ تشيرنكوف، ومتوافرةٌ بما فيه الكفاية لتسمحَ بانتشارِ سلاسلَ من الحسّاساتِ الصوريَّةِ).
يختفي ضوءُ النَّهارِ على عمقِ بضعةِ كيلومتراتٍ هناكَ، مما يعني أنَّهُ يمكننا وضع وَحَداتِ القياسِ البصريَّةِ لـ KM3NeT في ظلامٍ حالكٍ، للوصولِ إلى أقصى درجاتِ الحساسيَّةِ لنيوترينواتِ ضوءِ تشيرنكوف، كما يمكننا في هذه الظُّروفِ تشغيلُ تلسكوب النيوترينوات 24 ساعةً في اليوم، و7 أيامٍ في الأسبوع.
قام تعاون KM3NeT بتطوير ما يُعتقد بأنَّه خطةٌ فعالةٌ من حيث التكلفةِ، لتحقيقِ البنيةِ التحتيَّةِ لهذا المشروعِ في قاعِ البحرِ.
هذا المشروع المُنفذُ على عدةِ مراحل يتألفُ من ثلاثةٍ مما يسمى (كتلُ بناءٍ)؛ حيث كل كتلةِ بناءٍ تحتوي 115 سلسلةً مؤلفةً من 18 وحدة قياسٍ بصريَّةٍ “كرات زجاجيَّة تتضمن 31 مضّخمًا ضوئيًّا أنبوبيًّا موجّهًا إلى الخارج”.
إنَّ السَّلاسل، والتي يمكن أنَّ تمتدَّ لبضعةِ مئاتٍ من الكيلومتراتِ، راسيَّةٌ في قاعِ البحرِ، ويتم الحفاظُ عليها بوضعٍ عموديٍ عن طريقِ طفو وَحَداتِ القياسِ البصريَّةِ، واستخدامِ الطفو الإضافيِّ في الأعلى.
هذه السلاسلُ الطَّويلةُ من الكشّافاتِ مهمةٌ للغايَّة، لأنَّها تَسمح للعلماء بإعادةِ بناءِ مسارِالنّيوترينوات الواردةِ، ويمكنُ بعدها استخدامُ هذه البياناتِ في الأبحاثِ لتحديدِ مواقعِ المصادرِ المكافئةِ في الفضاءِ الخارجيِّ. هذه المصفوفةُ تؤمّنُ جزءًا كبيرًا من الأحجية المطلوبة لمراقبة السَّماء بشكلٍ كاملٍ، من أجل النِّيوترينواتِ الواردةِ.
التلسكوبات المرابطة الحاليَّة متوضّعةٌ تحتَ القطبِ الجَّنوبيِّ (آيس كيوب – Ice Cube)، وفي بحيرةِ (بايكل – Baikal) في روسيا (GVD).
في كانون الأول عام 2015، جرب تعاون KM3NeT بنجاحٍ نشرَ إحدى السَّلاسل بأحدثِ وحداتِ المراقبةِ البصريَّةِ، وقد تم جمعُ ما يقارب 31 مليون يورو لبدء المرحلةِ الأولى من المشروعِ.
العمل مقامٌ على تجربةٍ مكتسبةٍ عن طريق (أنتاريس- ANTARES)، ألا وهي مصفوفةٌ مؤلفةٌ من 12 سلسلة متوضعة قبالةَ سواحلِ فرنسا.
ترجمة: مرح فضل مريم
تدقيق: دعاء عساف
المصدر