أظهرت دراسة حديثة أن أي نوع من النشاط البدني يزيد من سرعة المعالجة المعرفية للشخص، ويساهم في الحفاظ على شباب دماغه.
في حين أن من المُسلَّم به عمومًا أن التمارين الرياضية المعتدلة إلى عالية الشدة تفيد صحة الدماغ، تكشف هذه الدراسة أن أي نشاط بدني على الإطلاق يحمل معه بعض الفوائد المعرفية،
إذ بينت الدراسة أن ممارسة التمارين الرياضية تعزز سرعة معالجة الدماغ للأفكار على المدى القصير، وأن ممارسة الأنشطة اليومية الشائعة بغض النظر عن شدتها، يحسن رد الفعل الدماغي تحسينًا مماثلًا لقدرة عقل أصغر بأربع سنوات.
كانت إحدى نقاط القوة في الدراسة أنها استفادت من الهواتف المحمولة للمشاركين، لتجمع البيانات المتعلقة بمستويات نشاطهم في الوقت الفعلي للدراسة تقريبًا ولمدة سبعة أيام، وذلك على تطبيق في هواتفهم، إضافةً إلى اختبار سرعة المعالجة المعرفية لديهم عدة مرات في اليوم.
انضم المشاركون أيضًا في مجموعتين من ألعاب الدماغ. كانت اللعبة الأولى لعبة بحث عن الرموز، إذ طُلِب من المشاركين النقر فوق رمز يظهر في الجزء السفلي من شاشتهم يطابق الرمز المعروض في أعلى الشاشة، وبعد اثنتي عشرة جولة، سجل الباحثون متوسط وقت الاستجابة في أثناء اللعبة.
كانت النتيجة هي تحسن نتائج لعبة البحث عن الرموز التي اختبرت سرعة معالجة الدماغ، بعد فترات من النشاط البدني.
أما في اللعبة الثانية، طُلِب من المشاركين تذكر مواقع ثلاث نقاط في شبكة تتكون من خمسة صفوف وخمسة أعمدة بعد لحظات من استبدالها مؤقتًا بشبكة من حرفين e و f. لعبوا أربع جولات من اللعبة، وسجل التطبيق دقة إجاباتهم وقيمة متوسط درجاتهم.
لم يرَ الباحثون أي تحسن في درجات هذه اللعبة التي اختبرت الذاكرة العاملة بعد النشاط البدني، مع أن المشاركين استجابوا بسرعة أكبر ولكن بدون دقة.
أوضح جوناثان جي هاكون، أستاذ علم النفس وعلوم الصحة العامة في ولاية بنسلفانيا، كيف جعلت التكنولوجيا هذا النوع من الدراسات ممكنًا في العالم الحقيقي، إذ قال موضحًا: «إنه نهج مختلف تمامًا ودلالة على الحداثة الحقيقية، وذلك عندما استطعنا أخذ عينات من الإدراك المعرفي في الحياة اليومية للمشاركين باستخدام تطبيق ذكي على الهاتف المحمول».
أضاف هاكون إلى تباطؤ سرعة المعالجة المعرفية لدى الشخص بنسبة تصل إلى 15 مللي ثانية في السنة، وذلك مع التقدم في السن.
كانت الزيادة في السرعة التي اكتسبها المشاركون في الدراسة، الذين انضموا للأنشطة الرياضية نحو 60 مللي ثانية، أي ما يعادل استعادة نحو 4 سنوات من سرعة المعالجة المعرفية للدماغ.
تعلم المشاركون في بداية الدراسة كيفية تصنيف الأنشطة التي سوف يبلغون عنها عبر التطبيق، وذلك من الأقل إلى الأكثر جهدًا.
تضمنت الأنشطة الخفيفة المشي والقيام بالأعمال المنزلية، إضافًة إلى النزهة مع الحيوانات الأليفة، والتنظيف وغيرها من الأنشطة التي تتطلب الحد الأدنى من الجهد.
بينما شكل المشي السريع وركوب الدراجات والركض الجزء الأكبر من الأنشطة متوسطة الشدة التي شارك فيها المشاركون. أما الأنشطة عالية الشدة فقد تضمنت كلًا من الجري وركوب الدراجات السريعة.
إضافةً إلى أن بعض الوظائف تتضمن الكثير من النشاط البدني في أثناء ساعات العمل، إذ إنه من الممكن لموظف في شركة ما أن يقوم بـ 25 ألف خطوة دون التفكير في ذلك.
قال فيرنون ويليامز، طبيب الأعصاب والمدير المؤسس لمركز طب الأعصاب الرياضي وطب الألم في معهد سيدارز سيناي كيرلان جوب في لوس أنجلوس: «إن الدراسة مثيرة للاهتمام لأنها تشير إلى أن هناك على الأقل فائدة قصيرة الأمد من النشاط اليومي، وليس فقط من التمارين الرياضية المعتدلة أو عالية الكثافة، وأنا مؤمن بأن الحركة أيًا كانت هي أمر جيد عمومًا»
ما تأثير التمارين الرياضية على وظيفة الإدراك الدماغية على المدى الطويل؟
أوضح ويليامز أن كثيرًا من الدراسات السابقة بينت أن للتمارين الرياضية تأثير إيجابي على الوظيفة الإدراكية، بما في ذلك سرعة المعالجة، وأشار إلى أن ممارسة التمارين الرياضية عالية الكثافة ولمدة طويلة ترتبط بانطلاق بعض المواد الكيميائية والناقلات العصبية وعوامل دماغية تؤثر في الصحة المعرفية للدماغ.
إضافةً إلى العلم بمدى تأثير التمارين الرياضية والبدنية على تحسين وظيفة القلب والأوعية الدموية، وضبط تدفق الدم وخفض الضغط، كل ذلك مرتبط بتحسين الوظيفة الإدراكية للدماغ.
أما فيما يتعلق بالمكاسب قصيرة المدى والتي شوهدت في الدراسة، لاحظ الباحثون زيادة تدفق الدم إلى الفص الجبهي المرتبط بممارسة التمارين الرياضية بانتظام، ما يؤدي إلى زيادة في التحفيز المعرفي.
مع ذلك، من غير الممكن حتى الآن تخمين وجود أي تغييرات بيولوجية عصبية كبيرة في أثناء هذا النطاق الزمني السريع، إضافةً إلى أن الآثار الموثقة للتمرين تحدث على مقياس من الزمن يمتد من أشهر إلى سنوات.
اختتم ويليامز قائلًا: «بدلًا من ربط الزيادة في سرعة المعالجة المعرفية الدماغية والتغيرات في الوظيفة الإدراكية للشخص مع ممارسة التمارين الرياضية، لنفترض أنها مجرد يقظة، وذلك لأننا نعلم أن الإنسان عندما يكون متيقظًا وأكثر استعدادًا لأداء مهمة ما، يكتسب مزايا تفيده في تركيز الانتباه والاستعداد على نحو أفضل للأداء».
اقرأ أيضًا:
هل يؤثر الأرق على الصحة العقلية؟
ما العامل الأهم في تحسين الصحة العقلية، النوم أم النظام الغذائي أم الرياضة؟
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: نور حمود
مراجعة: باسل حميدي